‏ ‏ ‏
  • Kurdî
  • English
المركز الكردي للدراسات
  • مقالات
  • تحليل موجز
  • تقارير
  • تقدير موقف
  • أبحاث ودراسات
  • تاريخ ومجتمع
  • كتب
  • نشاطات المركز
  • عن المركز
No Result
View All Result
المركز الكردي للدراسات
No Result
View All Result

من أثينا القديمة إلى سوريا.. قراءة في جذور الإبادة

21 مايو 2025
من أثينا القديمة إلى سوريا.. قراءة في جذور الإبادة

مسلحان من الأمن العام على مدخل حي المزة في دمشق | أ.ف.ب

Share on FacebookShare on TwitterShare on whatsappShare on telegramShare on email
سولارا شيحا 
شاعَ النّفي ممارسةً سياسيةً في أثينا القديمة، عبر تقليد يُدعى «ostrakízein»، يَنقشُ فيه الناخبون اسمَ قائدٍ تنامى نفوذه أو تعجرفَ، على قطعٍ فخارية. ومن تستقرُّ عليه أغلب الأصوات، يُطردُ من أثينا عقداً كاملاً. ويُحكى أنَّ رجلاً من العوامِ دنا من أريستيديس العادل، القائد والسياسي الإغريقي الشهير، غير عارفٍ شَخصه، وطلبَ منه مساعدته بنقشِ اسم أريستيدس على قطعة الفخار. سأله الأخير إن أساء له، فأجاب: «لا، لم ألتقِ به يوماً، ولكني سئمت من وصفِه بالعادل في كلِّ مكان».
رأى أرسطو أن للنفي دون محاكمة وظيفةً ديمُقراطية، تشذِّبُ السلّطة وتُراقب النخب السياسية وتَحُول دون تَغوُّلها، إلا أنه لم يُغفل سوء استخدامه وسيلةً للحُسّاد للتخلّص من خصومهم. وبالفعل، وقعت عدة شخصيات مثيرة للإعجاب ضحيةَ هذا التقليد.

تعريف الحسد

«الألمُ عند رؤية حُسنِ حال الآخر»، هكذا عرّف أرسطو الحَسد. و«Envy» الإنكليزية اشتُقَّت من اللاتينية «invidia» والتي تُتَرجم إلى: رَمْقِ الشّيء، التَّحديقِ به واتباعِهِ النَّظر. أي يقترن الحسد بالرؤية، بالنظرة، بتحديقة تُعاين نعمة الآخر وتقارِنها بحال الناظر. مقارنة قد تكون مغلوطة وذاتية لحد بعيد، فتبقى معنية بظاهر الأحوال لا بحقيقتها.
شاع في الحضارات القديمة مفهوم العين الشريرة إشارةً للحسد والشر الذي قد يجلبه. وإلى يومنا، نستخدم في العربية: عين الحسود، ضربة عين، أصابه بالعين.
أدرك الإنسان القديم جَسَامة الحسد مُحرّكاً للنفوس ومنحه موقعاً هاماً في الخيال الإنساني. يُمكِن تتبعه في قصة الإنسان منذ بدأ كتابتها. فنجد في العهد القديم أن نَظرَ بِكرُ آدم إلى قربانِ أخيه الأصغر هابيل المقبول عند الرب، في حين بَقيَ قربانه مُهمَلاً مرفوضاً، فـ«سقط وجهه» وقَتَلَ أخاهُ حَسَداً. وقابيل أول البشر المولودين، لَم يَكُن يعلَم ما هو القَتل، فوَسوَس الشر في أُذنه: «امسك حجراً واضرِبْ رأسه».

إنكار الحسد في السياسة

وَجد الحسد قديماً اعترافاً به لاعباً سياسياً واجتماعياً هاماً. وعدا عن التمائم والتّقيّات، طوّر البشر سلوكيّات عديدة تحاول درء شرّهِ. فيشتري مُزارعٌ ميسور حقولاً صغيرة متفرّقة عوض شراء حقلٍ شاسع، ويحرص الأثرياء أحياناً على مُحاكاة ملابس الأقل منهم حالاً وعدم المغالاة بإظهار ترفهم تفادياً لنقمة قد تطيح برؤوسهم. وليس من النادر في مجتمعات مُحافظة ارتداء المرأة الجميلة خماراً خوفاً من العين.
لكن من المثير للانتباه اليوم أننا نكادُ لا نجد للحسد أثراً في النقاشات العامة. ويَندُر أن يُذكَرَ تفسيراً لفعلٍ أو ظاهرةٍ اجتماعية أو سياسية ما. وعلى الرغم من إقرار الجميع بفداحته وذهاب البعض للإيمان بقوته الخارقة للطبيعة، لا يعتقد أحدٌ منّا أنه حسود. هذا الإنكار الفردي والجمعي يجعله سلاحاً سياسياً مثالياً. فالشعور المُحرَّم، المُعيب، المكبوت، الذي لا نعترف به حتى لأنفُسنا، يَسهُلُ تأجيجه ومن ثم تحويره ليختبئ بسهولة وراء تبريرات أخلاقية شتى.
لم يقتصر الحسد بوصفه دافعاً سياسياً على اليسار بوصفه مُحرّضاً أو حاملاً لـ«الحسد الطبقي»، وهو نقد شاعَ لتقويض مطالِبِ العدالة الاجتماعية ورَسمِها مجرد ضغينة فقراء ضد أغنياء. فاليوم نشهده محرّكاً سياسياً واضحاً عند اليمين الشعبوي واليسار الليبرالي «اليقظ» في مفارقة جديرة بالتأمل.
توضح نكتة سلافوي جيجيك التالية كيفية عمل الحسد في السياسة المعاصرة: يجد فلّاحٌ مصباحاً سحرياً في حقله، ينفض الغبار عنه فيخرج ماردٌ ويمنحه أمنية، ولكن بشرط: «سأمنح جارك ضِعفي ما تتمناه لنفسك!» يردّ الفلّاح: «اقتلع لي عيناً واحدة».
وهكذا تستثمر سياسات اليمين المعاصرة مشاعر الحسد. في الولايات المتحدة مثلاً، يرفض الجمهوريون بعناد طروحات إعفاء الديون الطلّابية أو التأمين الصحي الشامل أو رفع الحد الأدنى للأجور، متذرّعين بشعارات «المسؤولية الفردية» و«مكافأة الجهد» و«حرية الاختيار»، والتي تخفي برداءة رغبة دفينة بحرمان الآخر من فرصة ربما لم يحصّلها المرء ذاته أو ببساطة لا يريدها لغيره.
أي في أحسن الأحوال لسان الحال يقول: «أنا لم أعفَ من الديون، لماذا تعفى أنت؟!» أو «أنا اضطُرِرت للعمل بأجر زهيد، لماذا لحياتك أن تكون أسهل؟». وفي أسوأ الأحوال: «من أنتَ لتظنَّ أن لك حقوقاً ويجب مساعدتك لعيش حياة كريمة؟ من أنت لتطالب بالمساواة؟». وعلى غرار ذلك، ينتقد اليمين الألماني تقديم المساعدات الاجتماعية للاجئين بحجة «ظلم الألمان دافعي الضرائب». وانتشرت الكثير من المقالات في بداية موجة اللجوء تستهجن حملَ اللاجئين لموبايلات ذكية، في موقف مُخزٍ يُحسَدُ فيه المكلومون من قِبَل من هم أيسر حالاً، ويتناسى هؤلاء مليارات اليوروهات التي تنزفها خزنة ألمانيا سنوياً بسبب التهرب الضريبي لأغنيائها.
على ضفة أخرى، في أوساط اليسار اليقظ «woke left» لا يقلّ الحسد حضوراً، وإن كان يتخفّى تحت عباءات مختلفة، منها التضامن والعدالة وفضح الظلم. في «سباق المظلوميات»، يُصبح معيار استحقاق المرء للحديث أو القيادة أو حتى التعاطف هو كم المُعاناة التي مرَّ بها، أو بالأحرى المعاناة التاريخية للمجموعة الهوياتية التي ينتمي لها. ومن هنا، تبدأ لعبة مقارنة وقياس: من الذي قُمعَ أكثر؟ من الأكثر تهميشاً؟ من ينتمي إلى الهوية الأضعف بنيوياً؟ سباق المظلوميات إذاً هو صراع على الموارد وليس نضالاً لأجل المساواة. وزد على ذلك، هو صراعٌ على رمزية الألم. على الألم كعملة سياسية واجتماعية يُزايَد بها.
يُصرّ جيجيك في نقده لهذا الميل أن مثل هذا التنافس الحسود لا يُحرِّر، بل يُقسّم. فالحسد يوجَّه نحو الحليف، الرفيق الذي نراه نال اهتماماً أو مكانة أكبر مما نعتقد أنه يستحق. وهذه من ميزاته الأساسية: تركيزه على القريب والمشابه. كما يشير هيلموت شوك في كتابه «الحسد: نظرية في السلوك الاجتماعي» حيث يقول: «نحن نحسد أولئك الذين تعكس ممتلكاتهم أو إنجازاتهم ما نفتقر إليه. إنهم جيراننا وأندادنا. هم فوق كل شيء، يوضحون طبيعة فشلنا.. الحسد لا يوجّه نحو من هم بعيدون في الوضع الاجتماعي، بل نحو أولئك الذين نعتبرهم مشابهين».
أي ينمو الحسد حيث الفروقات قابلة للملاحظة والمقارنة المباشرة. هذا لا يعني بالضرورة أن حسد الأكثر حظاً بكثير غير موجود، ولكنّه أقل شيوعاً لأن الفجوة الكبيرة تجعل المقارنة الذاتية أقل إلحاحاً وأصعبَ تصوّراً، وهذا عائقٌ كبير لحركات التحرر اليوم في ظل اتساع غير مسبوق للشرخ بين الطبقات.

الحسد محرّكاً للعداء الجماعي

في سياق معاداة السامية، بلغ الحسد أكثر أشكاله رُعباً، حيث تم تجاوز الغيظ الفردي إلى سرديات جماعية قاتلة، إلى حسدٍ ممنهج ومؤدلج يُشرعنُ الكراهية ويمهّد لإبادة أو إقصاء أو احتقار مُمَأسس مستمر.
تم وضع يهود أوروبا منذ العصور الوسطى في موقعٍ رمزي متناقض: هم الأقلية المكروهة والمستثناة والمُدانة من الكنيسة. وفي ذات الوقت، يُصوَّرون مالكين لمفاتيح المال والتأثير والمعرفة الغامضة. هذا التناقض ليسَ عَرَضاً، بل من صلب آلية عمل الحسد. فكما ذكر شوك، نحن نحسدُ من يُشبهنا، من نرى فيه مرآتنا المُعدَّلة وذواتنا المُحسَّنة. فاليهود ليسوا غرباء كُلياً، بل أقرباءٌ سابقون انحرفوا أو نجوا أو تفوّقوا بطرقٍ ملتوية. مثَّل اليهود بقعةً عمياء في العين الأخلاقية المسيحية، فلم يتم قبولهم ولم يتم نفيَهم تماماً. ظلّوا في حالة بين بين، وهو الموقع المثالي لتعشيش الحسد ومأسسته.
اتُّهمَ اليهود بقتل المسيح ونشر الطاعون وتسميم الآبار، وبالربا والتحالف مع الشيطان. هذه الاتهامات، التي تبدو خرافيةً اليوم، أدّت إلى مذابح متكررة قبل بروز أي وعي حديث بالقومية أو العرق. لم تؤسس النازية معاداة السامية، بل ورثتها واستثمرتها وأعادت صياغتها على مستوى صناعي بارد. واختزلت الشعور في أبسط صوره: الآخر يمتلك ما لا نملك، حضور، نقاء، سر، ويجب أن يُباد، لا لأنه تهديد فعلي، بل لأنه تذكير دائم بالنقص.
يقول جيجيك: «العداء لليهود في أوروبا لم ينبع من كراهيتهم، بل من انجذاب مشوب بالكره نحوهم. لقد رآهم المسيحي الأوروبي كمن يملك شيئاً لا يُقال، شيئاً يُراد، شيئاً يُحسَد».
وفي السياق العربي والإسلامي، يتَّهم الخطاب السائد اليهود بالسيطرة على الإعلام والمال والسياسة الدولية وبتحريك الأحداث الكُبرى في السر. وكلّما ساء وضع هذا العالم، اشتدّ هذا الإيمان. هذه ليست ببساطة بُنى نظريات مؤامرة، بل إسقاطاً جماعياً لحسدٍ مكبوت، لرغبة لم تتحقق، لفشل يُلصق بجماعة رمزية يُظنُّ أنها نجت من تاريخٍ يسحقنا. الخطاب السائد يقول ضمنياً: لماذا هم؟ لماذا نجحوا؟ ولماذا فشلنا؟ لماذا تأخرَنا وتقدّم غيرنا؟
باختصار، معاداة السامية تتجلّى بجعل اليهود ضرورة روائية لا يُمكن لسرّديّتنا أن تفسّر فشلنا بدونهم ولا نجاحهم بدون مؤامرة. وعوضاً عن نقد الذات ومواجهة الأسئلة الصعبة، يُحوَّر الحسد غضباً سياسياً أخلاقوياً متعالياً. وهذا أسوأ تجلّياته: منح تبريراتٍ أخلاقية لا نهائية لكسل أو فشل يعاد ويعاد.

السلطة والثورة.. عقدة الحسد

منذ انطلاق الثورة السورية كان الحسد كامناً في المشهد: في صوت السلطة وفي صوت الشارع الثائر. حين نادى المُتظاهرون بالحرية، لم تكن الإجابة قمعاً فحسب، بل استهزاءاً أيضاً: «بدكن حرية؟ ليش بتعرفوا شو هيي الحرية؟».
هذا السؤال لم يكن دوماً استنكاراً عقلانياً في وجه طائفية مُفترضة أو محسوسة عند الثوار، بل أيضاً انفعالاً حسوداً يُترجم إلى: «أنتَ لا تستحق ما تطلب». الحسد تنكّر بهيئة التشكيك في الأهلية، وحوَّل المطالبة بحق أساسي مشروع إلى نوع من الطمعِ الوقح، فصارت الحرية امتيازاً لا يستحقه سوى من اعتاد السُّلطة أو قُرِّبَ منها. أصبحت مشروطةً وسلعةً فاخرة لا تُطلب بل تُمنح لمن «يستحقها ويفهم معناها».
ولكن الحسد لم يكن باتجاهٍ واحد. منذ الأسبوع الأول، انتشرت في الشارع الثائر شعارات: «المسيحية عبيروت والعلوية للتابوت». شعارات تكشف حسداً لامتيازٍ رمزي اعتُقِدَ أن هذه الجماعات تتمتع به. فالمسيحيون، بحسب هذا المنظور، في منأى عن المعركة، بينما تمّ تحميل العلويين كامل إرث السلطة القمعي.
نتج عن هذا الحسد المُتبادل تشويه متبادل للصورة الذهنية لا مكان فيها لفهم الحساسيات ولا لإنصاف الحقائق والتفاصيل، بل فجّرت الكراهية الكامنة في المجتمع السوري وقضت على أي طاقة تحررية في حِراكه.
شهدنا بعد سقوط الأسد السلس والمُفاجئ والاستسلام التام لمن نُظرَ لهم «حاضنةً شعبية للنظام» انفجاراً مدويّاً لمعاداة العلويين والتهاباً حاسداً تجسَّد بدايةً بسرديات تحمّل جميع أبناء الطائفة العلوية وزر كامل المقتلة، ومن ثمّ تجسّدَ تنكيلاً وأفعالاً إبادية شديدة التوحش بحقهم. فمثل اليهود، صُوِّرَ العلويون، كأقليةً صغيرة وخبيثة قامت بالسطو على السلطة والجيش والأمن، وأخضعت لوحدها الأكثرية لسلطتها لعقود. وشهدنا تعمُّداً مريباً من نخب سورية بعدم التفرقة بين النظام الأسدي والطائفة العلوية، ولم يُترك للعلويين مجالٌ للتموضع خارج الجريمة.
بتنا نشهد انتشار أساطير غرائبية مُعادية للمنطق والواقع أخذت شكل حقائق غير قابلة للنقض، كأن يكون ضابط أمن صغير أقوى من رئيس الوزراء. وتم تأسيس مظلومية على سردية أن النظام «العلوي» قتل مليوني سُنّي لا لشيء إلا لكونهم سنّة، وأنّه كان علمانياً مُعادياً للإسلام والسنة، وكلها ادّعاءات بعيدة عن الواقع وتصب في نهر التبرير والتمهيد للعنف الطائفي ولحقبة استبداد ديني متطرف.
وبالرغم من التنكيل على مدى ثلاثة أشهر، ومن ثم الإبادة الدموية في مارس/آذار المنصرم، استمرّت عبارات: «وين كنتوا من ١٤ سنة؟» و«نحنا تهجّرنا وانقتلنا، والآن حان دوركم» و«مات مليوني سني، كام ألف علوي لا يستحقون الذكر». ووصل الأمر بالبعض للسخرية من كثرة ضحايا الإبادة من الأطباء والصيادلة والمهندسين العلويين بتعليقات من نوع: «طلعتوا كلكم دكاترة وصيادلة».
العلوي في المخيال المتطرف لم يعد فرداً بل تجسيداً للأسد، للمخابرات، للنجاة والامتيازات المفترضة. شبه اليهودي في المخيال النازي. ليس عبثاً تلقيبهم بـ«يهود الداخل».
هكذا انهارت حكاية الوطنية السورية وتم التطييف الكامل للصراع وتعليق كل الآثام على شمّاعة «العلوي» الأسدي دوماً بوصفه من احتكر الوطن ومن يجب أن يُحاسب نيابة عن الجميع. ولا ينفع التذكير أن مئات آلاف العلويين ماتوا ونُفوا وسُجنوا وأُفقِروا واضطُهِدوا وعانوا كغيرهم. ولا أن النظام لم يحمِ أحداً، بل استخدم الجميع، ولا أن الثورة أكلت أبناءها.

التسامي لا التسامح

ما من شيء يعطل مسار التحرر مثل الحسد المُنكَر. لذا، فأول خطوة للتجاوز هي الاعتراف به: لا خطيئةً أصليةً بل كمعطى نفسي واجتماعي. لا عيب في أن نَحسُد. العيب في إنكاره وصوغه أخلاقيات زائفة تُخفي رغبتنا في تحطيم الآخر بدل الارتقاء بالذات.
في التحليل النفسي، التسامي هو آلية الدفاع الوحيدة التي لا تُنكر الرغبة ولا تكبتها، بل تُعيد توجيهها نحو مجال رمزيّ أسمى. فبدلاً من السعي لإفشال الآخر، ننظر لدواخلنا ونسأل: ماذا يكشف هذا الشعور عنّا؟ ما الذي نريده حقاً؟ كيف نخلق ما نريد بدلاً من تمنّي زواله عن غيرنا؟
في السياق السوري، كما في غيره، لا يعني التسامي التغاضي عن الألم أو طمس التاريخ أو خيانةً للذاكرة. ما نحتاجه ليس التسامح – ذلك المفهوم المتعالي – بل خيالٌ سياسي جديد يرفض أن تكون المعاناة مدخلاً لإعادة إنتاج الظلم. وبدلاً من أن يتحول مطلب العدالة إلى انتقام طائفي أو مناطقي، يعاد صياغته إمكانيةً للعيش المشترك وللتنفس المشترك وللنجاة المُتقاسَمة.
ربما هذا هو المعنى الأكثر راديكالية للعدالة: ألا نُطالب الآخر بأن ينزف لنتساوى، بل نطالبه بأن ينجو وأن يُعيننا على النجاة أيضاً. أن نُدرك أن العدالة لا تكون إلا حين نُعيد تعريف الفوز، لا بوصفه انتصاراً ساحقاً على آخر، بل بجلبه معنا نحو عالمٍ لا يُغذّيه الحسد بل تُحرّكه رغبةٌ سامية حقيقية في التحرر. الحسد يقول: «لا أريد الشيء إن لم يكن لي وحدي»، وأريد العين بعينين، بينما يقول التحرر: «لنبصر سويةً، لنصنع معاً ما لا يملكه أيٌّ منّا بعد وما نحتاجه جميعنا».
Tags: سقوط نظام الأسدمجازر العلويينهيئة تحرير الشام
ShareTweetSendShareSend

آخر المنشورات

السبي البابلي وخيبر.. السرديات القاتلة في تاريخ العلاقات اليهودية الإيرانية

السبي البابلي وخيبر.. السرديات القاتلة في تاريخ العلاقات اليهودية الإيرانية

20 يونيو 2025

حسين جمو لم تكن الأمة الإيرانية على عداء أيديولوجي مع اليهود منذ أول احتكاك حضاري...

إيران.. سيرة جديد لـ «كأس السم»

إيران.. سيرة جديد لـ «كأس السم»

17 يونيو 2025

محمد سيد رصاص فوجىء رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد...

دولة أم سلطة فصائلية في سوريا؟

دولة أم سلطة فصائلية في سوريا؟

13 يونيو 2025

طارق عزيزة يطيب لمؤيدي السلطة الانتقالية في سوريا الحديث عنها بصيغة «الدولة فعلت»، «الدولة وعدت»،...

مساهمات ترامب ونتنياهو في «القضية السورية» و«المسألة الشرقية»

مساهمات ترامب ونتنياهو في «القضية السورية» و«المسألة الشرقية»

12 يونيو 2025

حسين جمو  توحي توجيهات وزارة الدفاع الأميركية بمغادرة عائلات الجنود الأميركيين والموظفين غير الأساسيين عدداً...

الأيديولوجيا السورية: هل يمكن لـ«الثورة» إنتاج أسطورة مؤسِّسة؟

الأيديولوجيا السورية: هل يمكن لـ«الثورة» إنتاج أسطورة مؤسِّسة؟

12 يونيو 2025

تحتاج كل دولة، أياً كان طابعها ونظامها السياسي، إلى أسطورة تأسيسية، ليس فقط لغرض بقاء...

Facebook Twitter Youtube RSS

© 2025 NLKA - المركز الكردي للدراسات
متخصص في الشؤون السياسية المحلية والإقليمية والدولية

No Result
View All Result
  • مقالات
  • تحليل موجز
  • تقارير
  • تقدير موقف
  • أبحاث ودراسات
  • تاريخ ومجتمع
  • كتب
  • نشاطات المركز
  • عن المركز
  • Kurdi
  • English

© 2025 NLKA - المركز الكردي للدراسات
متخصص في الشؤون السياسية المحلية والإقليمية والدولية