طريقة تعامل المعارضة السورية مع بداية الأزمة في 2011

محمد سيد رصاص
مع حصول التغيير في رأسي السلطة في تونس ومصر بالشهرين الأولين في 2011، كان هناك توقعاتٌ لدى أطراف في المعارضة السورية بأن الوضع السوري لن يبقى على حاله.
من أجل ذلك، أصدرت الأمانة العامة لـ«إعلان دمشق» في 25 فبراير/شباط 2011 نداءً طالبت فيه «السلطة السياسية المسؤولة عن حكم البلاد تحمل مسؤولياتها الوطنية في هذه الظروف الدقيقة، واتخاذ موقفٍ جريء وحكيم من قضية التغيير الوطني الديمقراطي المطروحة على جدول أعمال بلادنا، والتي يمكن أن تجد طريقها إلى المعالجة والحل عبر حوارٍ وطني شامل بين جميع القوى والأحزاب والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني، يرسم معالم هذا الطريق والجدول الزمني لتحقيقه ومهمات كل جهة لوضعه موضع التنفيذ».
كما أطلق النداء نفسه دعوةً إلى «جميع قوى المعارضة على أمل اللقاء في لجنة وطنية للتنسيق من أجل التغيير تنسق المواقف وتخطط للنشاطات وتديرها، فوحدة قوى التغيير أولى الوسائل الضرورية لتحقيقه».
كان ملفتاً، في جو الترقب المذكور، أن تُطلق الجهة المعارضة الأكثر تصلباً الدعوة إلى حوارٍ وطني شامل بين السلطة والمعارضة، وأن تُطلق تلك الجهة المعارضة الدعوة إلى لجنةٍ وطنية للتنسيق بين جميع قوى المعارضة. هي نفسها الجهة التي قامت في مؤتمر «إعلان دمشق» في ديسمبر/كانون الأول 2007 بإقصاء وإسقاط ممثلي حزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي وحزب العمل الشيوعي في انتخابات قيادة الإعلان عبر تكتلٍ كان واضح المعالم يومها، وهو مايعطي صورةً عن تقدير الأمانة العامة للإعلان لحراجة الموقف في عام 2011 والتوقعات بأيامٍ دقيقة وصعبة مقبلة. ويضاف إلى ذلك، فإن الدعوة للحوار
الوطني الشامل، بما فيه السلطة، يشي باعتدالٍ سياسي لم يكن معهوداً من قبل عند قيادة الإعلان.
وفعلاً، بعد انفجار الوضع السوري في مارس/آذار وانتشار التظاهرات، صدر في 13 أبريل/نيسان بيان إلى الرأي العام من قبل القيادة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي ذكر بأنه «قد تطرح قضية الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة»، مع الدعوة في البيان إلى ترسيخ «مبدأ الحوار» مع التأكيد على أن «لكل حوارٍ بيئةٌ يجري بها». ولخلق هذه البيئة، مطلوبٌ من النظام «محاسبة المسؤولين عن ممارسة العنف والقتل ضد المتظاهرين وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيي ووقف العمل بقانون الطوارىء والأحكام العرفية والاعتراف العلني بوجود معارضة سورية وبحقها في العمل الحر». ثم تقدم الوثيقة مواضيع الحوار وهي «الدستور السوري وضرورة إجراء تغييرٍ دستوري يطول المادة الثامنة، النظام الانتخابي، آليات تداول السلطة، الفصل بين السلطات، توصيف الحالة الحزبية، مهام رئيس الجمهورية، وظائف الجهاز التنفيذي، ومسألة الأقليات القومية)».
بالتوازي، أكدت جماعة الإخوان المسلمون في سوريا في بيانٍ في 5 أبريل/نيسان أن «فتح أبواب الوطن أمام أجيال المهجرين على خلفياتٍ سياسية والإلغاء المباشر للقانون 49 لعام 1980وآثاره وتداعياته وإغلاق جميع الملفات الأمنية السابقة، خطوة ينبغي أن تكون سابقة لكل وعود الإصلاح المرسل. إن مثل هذه الإجراءات العاجلة ستعطي الوعد بالإصلاح مصداقيته وجديته وستوفر المناخ الوطني للحوار البناء الذي نعلن إيماننا به وحرصنا عليه».
ولكن من أجل استحقاقات مواجهة اضطرابٍ سوري بدأت نذره وعلاماته بالظهور، ومن أجل حوارٍ مع السلطة أطلقت المعارضة دعواتٍ مختلفة من أجله، كان لابد من تجميع قوى المعارضة في جسمٍ واحد. ومن أجل هذا الهدف، صدرت دعوة من أجل المشاركة في لقاءٍ تشاوري طُلب فيها من كافة القوى والحركات المعارضة ومن 35 شخصية الإجابة على الدعوة بالموافقة أو عدمها قبل 3 مايو/أيار مع الاستمرار بتلقي الملاحظات على مشروعٍ للنقاش أسمي بـ«نحو ائتلاف عام للتغيير الوطني الديمقراطي» حتى يوم 7 مايو/أيار 2011.
تم تحديد أهداف اللقاء بـ«تنسيق أصوات وفعاليات الحركة الوطنية الديمقراطية المعارضة وبلورة هيئة تنسيق أولية معقولة بين قواها.. وإطلاق آليات حوارٍ وتفاعل بين قوى الحركة وقوى الشباب الصاعدة.. ثم في مرحلة تالية مع الشخصيات والقوى الاجتماعية والسياسية المختلفة غير المشاركة في هذه المرحلة، تمهيداً واستعداداً لمؤتمر حوارٍ وطني عام».
استمرت المفاوضات من أجل اللقاء حتى العشرية الثالثة من الشهر الذي يليه قبل أن تتم الدعوة إلى اللقاء في 25 يونيو/حزيران في منزل المعارض حسن عبدالعظيم في حي ركن الدين بالعاصمة دمشق. ووجهت الدعوات إلى التحالفات التالية: التجمع الوطني الديمقراطي، إعلان دمشق، تجمع اليسار الماركسي «تيم»، المجلس السياسي الكردي، المجلس الموسع للتحالف الوطني الكردي وتضم 18 حزباً، وكذلك أحزاب ومنظمات خارج نطاق هذه التحالفات وهي: حزب الاتحاد الديمقراطي – pyd والمنظمة الآثورية الديمقراطية، على أن يكون لكل حزب أو منظمة مندوبان في اللقاء. وتمت دعوة شخصيات عامة وعددها خمس وثلاثون.
وحضر اللقاء خمس وخمسون شخصاً وغاب عنه من الأحزاب المدعوة  كل من (حزب  الشعب الديمقراطي) و(المنظمة الآثورية الديمقراطية)،فيما انشق (حزب العمال الثوري)بين حاضر (حازم نهار) وقع على ميثاق ولادة (الهيئة) ورافض للقاء (سليمان شمر)، فيما غابت شخصيات دعيت للقاء ولم تلبي الدعوة مثل أحمد طعمة وأكرم البني وجاد الكريم الجباعي ورزان زيتونة ورياض سيف وسهير الأتاسي وفداء حوراني وفواز تللو ومعاذ الخطيب ..إلخ.
رأس اللقاء محمد اسماعيل من الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)- جناح عبدالحكيم بشار، وعملياً فإن وثيقة “نحو ائتلاف عام” التي انتهت من إعدادها “الهيئة المؤقتة” في يوم 9 أيار كانت هي محور نقاش يوم 25حزيران. كان التعديل الأساسي هو ما أضيف في الفقرة التي وضعت في الميثاق التأسيسي لهيئة التنسيق، والذي هو نص كان من صياغة الأحزاب الكردية المشاركة في اللقاء بمفردها، والذي هو التالي: “الوجود القومي الكردي في سوريا جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، الأمر الذي يقتضي إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً، والعمل معاً لإقراره
دستورياً، وهذا لايتناقض البتة مع كون سوريا جزءاً لايتجزأ من الوطن العربي”، أما كل النص الموجود في الوثيقة التأسيسية لهيئة التنسيق فهو يحوي عملياً روحية نص 9 أيار مع تلك الفقرة الكردية.
في نهاية اللقاء وقع على الوثيقة كل الحاضرين وامتنع عن التوقيع حزب (البارتي)- جناح عبد الحكيم بشار و(حزب آزادي الكردي في سوريا) و(حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا- يكيتي) و (الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا ) و (حزب المستقبل) و (حزبالمساواة الديمقراطي الكردي في سوريا) وكانت المفاجأة توقيع حزب يكيتي الكردي قي سوريا ولكنه انسحب من (الهيئة) بعد شهرين.
في وثيقة التأسيس لهيئة التنسيق هناك الدعوة إلى عقد مؤتمر وطني عام مع تهيئة البيئة والمناخات المناسبة للحلول السياسية التي منها “رفع حالة الطوارىء والأحكام العرفية فعلياً وليس على الورق فقط- الغاء المادة الثامنة من الدستور” نحو الوصول إلى “تغيير سياسي ودستوري شامل عبر مجموعة متكاملة من المداخل والتحديدات والتي تناط مهام القيام بها إلى حكومة انتقالية مؤقتة”.
كان ملفتاً امتناع (حزب الشعب الديمقراطي ) وهو القوة الأساسية في “إعلان دمشق” عن المشاركة في لقاء  25 حزيران، وهم كانوا أصحاب دعوة 25 شباط نحو “لجنة وطنية للتنسيق” لقوى المعارضة، ولكن وعلى الأرجح أن السبب هو اتجاه “اعلان دمشق”منذ بيان صادر عنه في 15أيار نحو التخلي عن الحوار مع النظام حيث أكد البيان على أن “الحديث عن الحوار في ظل إصرار النظام على خياره الأمني يعتبر موقفاً خاطئاً، كما أنه نوع من الانتحار السياسي” (توجد نسخة ورقية منه)، وربما كان اتجاه “إعلان دمشق” نحو التحالف مع (جماعة الإخوان المسلمين) في “المجلس الوطني”، المعلن تشكيله في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 في اسطنبول، يفسر امتناع (حزب الشعب)و (إعلان دمشق) عن المشاركة في لقاء 25 حزيران/ يونيو لتشكيل لجنة أو هيئة التنسيق لقوى المعارضة وهم آباء الدعوة المذكورة،حيث يبدو أن اتجاهم في صيف 2011 وخريفه نحو الدعوة إلى (إسقاط النظام) وتأييد (العنف المعارض) وطلب التدخل العسكري الخارجي تحت دعوى “حماية المدنيين ” و”المناطق الآمنة”،كانت آتية من مراهنات على تكرار السيناريو الليبي عندما بدأت مظاهرات ثم انشقاقات في الجيش مع تشكيل “مجلس وطني”طلب تدخلاً عسكرياً خارجياً بدعوى حماية المدنيين وهو ما لباه حلف شمال الأطلسي ،وكان يأمل “المجلس الوطني السوري” أن يكرر سيناريو إسقاط القذافي سورياً بغطاء أطلسي تقوده تركيا، مثلما قادته فرنسا بدعم أميركي في ليبيا .
كتكثيف:كانت الأشهر الستة الأولى مكرسة لانقسام المعارضة السورية بين اتجاهين :تسووي يقول بحكم انتقالي، واتجاه إسقاطي يقول بإسقاط النظام عبر وسائل جربت جميعاً وفشلت تباعاً من (التظاهر السلمي) إلى (العنف المعارض) إلى (طلب التدخل العسكري الخارجي).كانت تلك الأشهر هي التي ولدًت الأزمة السورية الداخلية من خلال عدم قدرة السلطة والمعارضة على إيجاد تسوية، وعدم استطاعة أي منهما التغلب على الآخر. ثم شهدت هذه الأشهر الستة حتى يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 مع الفيتو الروسي- الصيني في مجلس الأمن، تحول الأزمة السورية  إلى أزمة دولية وقبلها في آب/أغسطس 2011 إلى أزمة اقليمية مع دخول الأتراك على خط التجابه مع النظام السوري.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد