رياض درار
انعدام الحوار وحتى الصراعات الصغيرة لا يعني ولا يُفهم إلا في سياق غياب الوعي العملي للأهداف السياسية التي تسهم في التقارب وبناء المشتركات، وكذلك بسبب العقلية الثأرية التي تسود المجتمعات العشائرية، والصراعات
القبلية. وهذا مصدر مشاكل العرب والكرد، وأيضاً الكرد فيما بينهم، والعرب فيما بينهم. إن الانقسام حاصلٌ نتيجة حقنٍ عنصري متواصل عبر شعاراتٍ مزيفة رغم حداثتها ومعاصرتها، مثل المواطنة والعيش المشترك في وطنٍ واحد. وكأن من وظيفة الوطنية محو سمات الشعوب وإلغاء ثقافتها ودمجها في ثقافة الوطن، الذي يغلب عليه حكومةٌ تمثل أكثرية هوياتية لشعب من شعوب الوطن، فتعمل على إلغاء أو إقصاء وتهميش الآخر وإلحاقه بسياساته العنصرية أو الدينية، الطائفية أو المذهبية. لم يكن الوجود القومي، عبر التاريخ، ظاهرة استقلالية من عصر القبائل المتحاربة حتى ظهور الإمبراطوريات المتعددة. وبسبب الفتح، تغيرت البنيات السكانية. وبعد ظهور عصر القوميات والدول الوطنية في أوروبا، بقيت الأمم التي تراجع دورها (عرب، ترك، فرس، كرد، سريان آشوريين، كلدان وأرمن) تسعى إلى وقف التاريخ عند لحظة سيطرتها وهيمنتنها وسيادتها وانتصاراتها الإمبراطورية. كلها تنادي باستعادة المجد المفقود والأرض المسلوبة وتنكر التحولات العميقة التي حدثت خلال آلاف السنين عبر السعي إلى إعادة دورة التاريخ من خلال دعواتٍ يمكن أن تحول الاجتماع البشري إلى ساحة حربٍ مفتوحة. برزت موجة التجديد وإعادة البناء والتكوين في الهويات الذاتية القومية وإعادة الاصطفافات بعد الحرب الباردة ومع إنجاز هيكلية النظام العالمي الجديد وانتشار العولمة والصراعات القطبية. وتضمنت موجة التجديد وإعادة البناء والتكوين:
1- إعادة بناء الدول على أنقاض الإمبراطوريات، والمركزية المطلقة لمصلحة إعادة الاعتبار لمبدأ حق تقرير المصير للشعوب والقوميات.
2- الاستجابة لإرادة المضطهدين بالتحرر و الانفتاح.
3- إحياء الديمقراطية على قاعدة التغيير وإجراء الإصلاحات الجذرية في الأنظمة البالية والمتخلفة.
4- تبديل مناهج التعليم التي لم تعد صالحة لتربية جيلٍ جديد يواكب ركب التقدم والتطور ودخول عصر التكنولوجيا والمعلوماتية.
5- إزالة الغبن عن المرأة وحقها في شراكةٍ حقيقية مع الرجل ودور جديد في التعاون والتعايش والحياة الجديدة.
6- الاستجابة لمتطلبات الشعوب في الحقوق القومية، الديمقراطية، المساواة، السلام، العلاقة بين الدين والدولة، استكمال إنجاز المسألة الوطنية، إثر فشل أنظمة التحرر الوطني بعد الاستقلال في إنجازها.
وكان من أسباب الخلاف العربي الكردي ونشوء علاقات تصادمية غير سليمة (بما يشمل الدول التي تقاسمت كردستان بظروف استعمارية حدّدت دولاً بعينها، وقسّمت الإمبراطورية العثمانية لغاياتٍ استعمارية):
1- عدم تفهم ضرورات المرحلة ومسارات العولمة التي لا تحفل بالدول القومية.
2- التعصب القومي إلى حد الاحتراب.
3- عدم تفهم الفيدرالية كمشروع تقاسم الإدارة من النواحي السياسية والاقتصادية والسيادة والسلطة (لا تعني الفيدرالية تقسيم البلاد، ولا تلغي النظام المركزي الجامع لوحدة البلاد).
4- التمترس وراء عقلية مسبقة تمنع الحوار وتسبب التفرقة (مثل الثبات عند الموقف التقليدي باعتبار أن القضية الكردية مفتعلة لجماعة وافدة ليس لها سوى حقوق ثقافية. واعتبار أن أصحاب الأرض مبعدون، فيما حل محلهم شعوبٌ غازية استأثرت بأرضهم).
للخروج من ترسبات الصراع والسعي إلى حوارٍ بنّاء، يبدو من الضروري الوقوف عند مرتكزات:
1- الاعتراف بتقرير المصير حتى لو أدى ذلك إلى اختيار الانفصال.
2- اعتراف الأغلبية بحق الأقليات من دون نقص أو تنغيص.
3- الاعتراف أن اللامركزية أسلوب حلٍ وليست مِنّة من أحد. وهي مسار يقود الفيدرالية التي تحتاج إلى نظامٍ مركزي جامع لوحدة البلاد، ولا ينخرط في إدارات الأقاليم إلا وفق الدستور وضمن حدود التنسيق.
4- الحقوق القومية سياسية واجتماعية وثقافية وليست مجرد لغة أو ممارسة تقاليد وفنون.
5- على الأقليات، وخاصةً الكرد، تعريف أنفسهم إيجابياً كالاعتراف بسوريتهم في سوريا. لا يجوز تسمية الكرد “عربي سوري”، وأن تكون صفة الشعب السوري صفة سياسية لا تلغي الهويات السلالية (شعب كردي، شعب عربي).
إن ما تتطلبه الحياة الجديدة يتمثل في قضايا أساسية هي:
– حرية الشعوب والقوميات في التعايش السلمي ومبدأ حق تحقيق المصير.
– نشر الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة وإدارة السلطة وتداولها عبر انتخاباتٍ حرة مباشرة وقبول حكم الأغلبية السياسية ومعارضة الأقليات سياسياً (من دون الدخول في تنافس الهويات، وعدم قبول إشراكها على هذا الأساس انتخابياً).
– مرجعية الدستور الذي يضمن وجود الآخر ويضمن التعددية القومية والثقافية والسياسية.
ملاحظة: تم إلقاء النص في جلسة الحوار الكردي- العربي الذي انعقد بتاريخ5/ 2022/11 وذلك في مقر المركز الكردي للدراسات