فاتورة “الحياد التركي” تثير استياء أوكرانيا

أمبرين زمان

تتزايد مؤشرات التوتر في العلاقات التركية الأوكرانية بعد خمسة أشهر من غزو روسيا لجارتها على البحر الأسود. ينبع الاحتكاك المتزايد من المزاعم الأوكرانية عن قيام روسيا بسرقة حبوبها وشحنها إلى تركيا وإحجام أنقرة عن قمع التجارة غير المشروعة.

يعد التقاعس التركي أحد أسباب الانزعاج الأعمق بين البلدين، حيث تسعى أنقرة للحفاظ على علاقاتها مع الكرملين ثابتة، حتى مع استمرار القوات الروسية في ارتكاب المجازر ضد أوكرانيا. يتّهم البعض تركيا بالميل أكثر من أي وقت مضى نحو روسيا، وهي وجهة نظر تروجها القنوات الإعلامية الموالية للكرملين في أوكرانيا بحماس، في وقت تصر فيه تركيا على أنها “موالية لأوكرانيا” لكنها “ليست مناهضة لروسيا”.

في مقابلة حصرية يوم الأربعاء مع المونيتور، أقرّ سفير أوكرانيا في أنقرة فاسيل بودنار، بأن قضية الحبوب تزعج الشركاء الاستراتيجيين.

تصاعدت التوترات بعد أن سمحت أنقرة لسفينة روسية بمغادرة ميناء كاراسو على البحر الأسود، فاستدعت أوكرانيا سفير تركيا في كييف للتعبير عن استيائها مما وصفه المتحدث باسم وزارة الخارجية أوليغ نيكولينكو “بالوضع غير المقبول”.

وقال نيكولينكو: “نأسف لأن السفينة الروسية زيبيك زولي المحمّلة بالحبوب الأوكرانية المسروقة، سُمح لها بمغادرة ميناء كاراسو على الرغم من الأدلة الجنائية المقدّمة إلى السلطات التركية”.

احتجز مسؤولو الجمارك الأتراك السفينة زيبيك زولي التي ترفع العلم الروسي بعد أن قالت كييف إن الشحنة كانت تنقل بشكل غير قانوني 7000 طن من الحبوب من ميناء بيرديانسك الذي تحتله روسيا في جنوب شرق أوكرانيا. وجاءت هذه الخطوة في أعقاب تدفق طلبات مماثلة من أوكرانيا للعديد من السفن، والتي تشير تقارير استخباراتية مفتوحة المصدر إلى نقل الحبوب الأوكرانية بشكل رئيسي من شبه جزيرة القرم، التي تحتلها روسيا ومن الموانئ الأوكرانية التي تم الاستيلاء عليها حديثاً. وقال بودنار إن “كييف أمطرت أنقرة بـالملاحظات والمعلومات التي  تدعم هذه المزاعم، لكن تركيا ظلّت على موقفها”.

وأشار بودنار مردداً تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ، “كما أوضح لي زملائي الأتراك حتى الآن، ليس لديهم سوى وثائق تظهر أن هذه سفن روسية تحمل حبوباً روسية من الموانئ الروسية”.

وتابع بودنار: “قدّمنا ​​لهم معلومات مختلفة عن الحبوب، بما في ذلك المعلومات ذات الطابع القانوني. دعونا نلقي نظرة على بعض التفاصيل. على سبيل المثال، دعنا ننظر إلى من يتلقّى الحبوب. في إسكندرونة، كانت هناك شركة روسية تمتلك مرسى وكانت تفرّغ بعضاً من هذه الحبوب، تحتاج السلطات التركية إلى التحقق بدقة من هوية المشترين ونوع العقود الموقّعة”.

واعترف المبعوث، مع ذلك فإن إثبات السرقة يمثّل تحدياً. عادةً ما تستخدم السفن مستندات مزيفة وتقوم بإيقاف أنظمة التتبع الساحلية قصيرة المدى لتجنب اكتشافها عند تحميل البضائع. لافتاً بأن”هناك مشكلة ذات طابع قضائي، يجب أن نكون قادرين على إثبات سرقة الحبوب قانونياً، نحتاج إلى شهادة رسمية من شهود السرقة من أصحاب الحبوب أو تحليل الحبوب”.

ومع ذلك، فإن القضية ضد زيبيك زولي دامغة. قال المسؤولون الأوكرانيون إن لديهم كل الأدلة على مغادرة السفينة من بيرديانسك، حتى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكّد أن السفينة كانت ترفع العلم الروسي، لكنّه ادّعى بعد ذلك أنها مملوكة لكازاخستان وأنه “يجري نقلها بموجب عقد بين إستونيا وتركيا”.

كان من الواضح بناء أوكرانيا آمالاً في أن يؤدي الضغط الدبلوماسي من واشنطن والاتحاد الأوروبي إلى جانب عدد كبير من التقارير الاستقصائية المؤذية التي انتشرت عبر المنافذ الغربية البارزة في الأسابيع الأخيرة إلى إلزام أنقرة بإيقاف ما تقوم به روسيا.

قال دبلوماسي غربي “ثبت أن التفاؤل الأوكراني كان سابقاً لأوانه في حين أن الكرملين مسرور. إن عدم انضمام دولة مهمة في الناتو إلى العقوبات ضدها يعد ربحاً كبيراً لروسيا، وإذا نجحت في دق إسفين بين تركيا وأوكرانيا كما فعلت بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، فهذا ربح أكبر”. وكان الدبلوماسي يشير إلى تهديدات تركيا بعرقلة عضوية السويد وفنلندا قبل قمة التحالف في مدريد.

قال الدبلوماسي الأوكراني السابق يفغينيا جابر الذي خدم في أنقرة وهو زميل أقدم غير مقيم في مركز الدراسات التركية الحديثة والمحيط الأطلسي بجامعة كارلتون  لـ “المونيتور” “كنت متأكداً منذ البداية من أنه سيتم إطلاق سراح هذه السفينة  مثل السفن الأخرى”.

مضيفاً “أعتقد أن الوقت قد حان لأن تغيّر أوكرانيا من توقّعاتها بشأن تركيا واستعداد أنقرة للتعاون معها في الأمور المتعلقة بالمصالح التركية والروسية”.

قد تشير الاعتراضات التي تم تسليمها من كييف اليوم إلى مثل هذا التحول. إنها بالتأكيد تمثل تغييراً عن التفاؤل الذي ساد كييف في الأيام الأولى من الصراع عندما ألحقت طائرات بيرقدار التركية بدون طيار الدمار بالقوات الروسية.

وأوضح جابر: “أودّ أن أقول إن الجمهور في أوكرانيا كان دائماً مؤيداً جداً لتركيا، وكانت هذه المشاعر في ذروتها خلال الأسابيع الأولى من الحرب عندما حصلنا على مسيّرات بيرقدار”. مبيّناً “كل ما أعقب ذلك، من عدم انضمام تركيا إلى عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد روسيا، ودعوة الأوليغارشية الروسية والشركات الروسية لنقل أعمالها إلى تركيا، ناهيك عن السياح الروس، يثير الشكوك. في هذه الحرب الروسية الأوكرانية يتوقع الأوكرانيون موقفاً أكثر وضوحاً من تركيا”.

وبينما أغلقت تركيا مضيقها الذي يربط البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط ​​أم م السفن البحرية الروسية ومجالها الجوي للطائرات العسكرية الروسية، فقد منعت أيضاً مرور سفن الناتو عبر الممرات المائية وأبقت مجالها الجوي مفتوحاً أمام الطائرات التجارية الروسية.

قال استراتيجي الأسواق الناشئة في لندن تيموثي آش، والذي يتابع عن كثب كلاً من تركيا وأوكرانيا، “أعتقد بأن طائرات بيرقدار حازت على محبة الأوكرانيين في البداية، لكن الآن أعتقد أن هناك إدراكاً بأن الأتراك يحاولون استغلال الصراع”.

وبحسب ما ورد أبلغ وزير المالية التركي نور الدين نباتي مجموعة من الممولين الغربيين خلال إحاطة إعلامية مؤخراً، وفق ما كشف عنه أحد المصرفيين الحاضرين للاجتماع لـ “المونيتور” شريطة عدم ذكر أسمه، “سنستفيد من العقوبات على روسيا كما فعلنا في العراق”.

وفي هذا السياق، يقر بودنار بأن “الحالة المزاجية في بلاده بدأت في التدهور. منذ بداية الحرب، أصبح الجمهور الأوكراني شديد الحساسية تجاه روسيا والروس والرواية القائلة بأن تركيا توازن بين الجانبين. هذا التصور للتعاون مع روسيا ، السياح الروس، يؤثر على الرأي العام في أوكرانيا. في لقاءات مع المسؤولين الأتراك، طلبنا منهم التفكير في الانضمام إلى العقوبات ضد روسيا، لكن ذلك لم يغير رأيهم”.

وأضاف “هناك عدد الكبير من الروس _حوالي 400000_ انتقلوا إلى تركيا بعد بداية الحرب “أمر مثير للقلق” و “مسألة تتعلق بالأمن القومي لتركيا أيضاً”.

يعتقد المبعوث أن أكثر من 300 شركة روسية قد أنشأت في تركيا منذ هجوم روسيا في 24  شباط  (فبراير) على بلاده. إذا ازدهروا، يمكن أن يصبحوا وسيلة لروسيا لتجنب العقوبات الدولية وخلق بعض المشاكل لتركيا في المستقبل.

ومع ذلك، يصرّ بودنار على أن تركيا من الناحية العملية لم تغير سياستها تجاه أوكرانيا. فأنقرة هي الجهة الوحيدة التي جلبت روسيا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات، وهذا له أهمية كبيرة. وألقى باللوم على روسيا في فشل المحادثات التي انطلقت في إسطنبول أواخر آذار (مارس).

رفضت تركيا باستمرار الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، وتواصل تزويد القوات الأوكرانية بطائرات بدون طيار من طراز بيرقدار وسترات وخوذ قتالية، والمحادثات جارية بشأن تلقي جرحى القوات العسكرية الأوكرانية العلاج في المستشفيات التركية.

واستطرد بودنار، “طائرات بيرقدار من دون طيار هي الوحيدة التي يتم توفيرها لأوكرانيا من الخارج. فهي تظل حاسمة في المجهود الحربي وفعالة للغاية. لا يمكنني التعليق على الأرقام أو كيفية تسليمها، ولا يمكن الإعلان عن كل شيء عن استخدامها لأسباب واضحة”.

ومع ذلك، فإن الاقتصاد التركي في حالة من الفوضى وسط ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية والانتخابات العامة وشيكة، لذا فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أمس الحاجة إلى إنهاء الحرب.

وقال استراتيجي الأسواق الناشئة آش “هناك رغبة في إنهاء الحرب بأي ثمن حتى لو كان ذلك يعني حمل الأوكرانيين على إنهاء الحرب بشروط روسيا. علاوة على ذلك، تشير استطلاعات الرأي إلى أن العديد من الأتراك يعتقدون أن الولايات المتحدة قد أشعلت الحرب وأنها تستخدم أوكرانيا لمهاجمة روسيا”.

يبين بودنار إن “الواقع أكثر دقة، إذا نظرت إلى الأرقام، فإن كل شخص تقريباً في تركيا يدعمنا، ومن دون أية شكوك، وفي ضوء المقاومة البطولية التي يبديها الشعب الأوكراني، لم تطلب الحكومة التركية منا التنازل أو الرضوخ للمطالب الروسية، لم يكن هناك مثل هذا الضغط. دعونا لا نتّهم تركيا بأشياء لا تفعلها”.

ومع ذلك، فإنه مقياس سخط أوكرانيا المتزايد أن وزارة خارجيتها تحدثت أخيراً، وفي وقت حساس جداً. تتفاوض تركيا والأمم المتحدة مع روسيا وأوكرانيا لإنشاء ممر غذائي للسماح بشحن ملايين الأطنان من الحبوب من موانئ أوكرانيا المحاصرة. إذا فشلت المحادثات، تحذر الأمم المتحدة من أن أزمة غذاء عالمية ستنجم خاصة بالنسبة للملايين من الأفارقة الفقراء. أوكرانيا من بين أكبر موردي الحبوب في العالم، و لتركيا مصلحة راسخة في صفقة لأنها أكبر مُصدر للحبوب الروسية والأوكرانية.

تقول روسيا إنه يمكن استخدام الممر لنقل الأسلحة إلى أوكرانيا. وتقول أوكرانيا إن إزالة الألغام من قاع البحر حول موانئها سيسمح لروسيا بالهجوم عليها. بينما تصرّ كييف على أن حكومات الأطراف الثالثة والأمم المتحدة يجب أن توفّر ضمانات أمنية لممر الغذاء.

قال الدبلوماسي الأوكراني جابر “عرضت تركيا العمل كضامن، لكن أوكرانيا لا تزال مشككة فيما إذا كانت تركيا ستصبح دولة ضامنة، فإنني أشك في أنه حتى عندما تدعم تركيا أوكرانيا سياسياً ودبلوماسياً ، فإنها ستتخذ أي خطوات عملية في حالة الهجمات الروسية على الموانئ الأوكرانية. لا أرى أي نوع من النفوذ العسكري أو الردع، وهذا تهديد كبير لأوكرانيا”.

وزعم أردوغان يوم الأربعاء أن الجانبين على وشك الانتهاء من الوصول لاتفاق. حيث بين بودنار تفاؤله، قائلاً للمونيتور: “أعتقد أننا سنرى نوعاً من الاتفاق نتيجة لجهود الوساطة المشتركة من قبل تركيا والأمم المتحدة”.

ومع ذلك، لم يتم الإعلان عن أي تقدم بعد اجتماع اليوم بين جاووش أوغلو ولافروف على هامش قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان، “تبادل مولود جاويش أوغلو وسيرغي لافروف بشكل شامل الشؤون الدولية والإقليمية مع التركيز بشكل خاص على الوضع في أوكرانيا”. حيث أعرب الوزراء عن ارتياحهم لديناميكيات الحوار السياسي بين بلدينا على أعلى وأعلى مستوى في عام 2022. وأكدا استعدادهم لمواصلة الاتصالات الوثيقة بين قيادتي روسيا وتركيا، بما في ذلك اللقاءات وجهاً لوجه.

هذا ووقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية (تي.آر.تي) إن جاووس أوغلو تحدث أيضاً إلى نظيره الأوكراني دميترو كوليبا عبر الهاتف في وقت سابق اليوم لمناقشة ممر الحبوب والتطورات المتعلقة بجيبيك زولي. دون ورود المزيد من التفاصيل.

المصدر:المونيتور

ترجمة:المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد