مقتل القرشي وبطلان الذرائع التركية في محاربة ” داعش”

فهيم تاشتكين

بعد مقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو إبراهيم الهاشمي القرشي على مقربة من الحدود السورية – التركية الذي لاقى نفس مصير الزعيم السابق للتنظيم أبو بكر البغدادي، أثيرت تساؤلات عن مدى التزام أنقرة في مكافحة هذا التنظيم المتطرف.

على غرار زعيم تنظيم داعش السابق أبو بكر البغدادي، كان كان القرشي مختبئا في منزل بالقرب من بلدة أطمة شمال سوريا الملاصقة لولاية هاتاي التركية وعلى بعد بضع مئات الأمتار من موقع العسكري التركي المطل على المنطقة. وقد مثلت إشادة واشنطن بدور قوات سوريا الديمقراطية في هذه الغارة ضربة موجعة أخرى لأنقرة.

لقي عبد الله أمير محمد سعيد المولى المُلقب بـ” بالقرشي” والذي يحمل أيضا عدة أسماء وهمية مصرعه بالقرب من قرية باريشا شمال غرب سوريا على بعد حوالي 25 كيلومترًا (15 ميلاً) من الحدود التركية ، وهي نفس المكان الذي تم القضاء على سلفه أبو بكر البغدادي عام 2019.

يبعُد المنزل المكون من ثلاثة طوابق الذي كان يتخذه القريشي مخبئا له نحو 1 كم من نقطة تفتيش تابعة لفيلق الشام المدعوم من تركيا ، ونحو 500 متر من نقطة تفتيش تعود لهيئة تحرير الشام التي تسيطر على إدلب والمناطق المحيطة بها بما في ذلك أطمة.

أصبحت أطمة إلى جانب كونها مكانا للنازحين السوريين، بيئة خصبة للجهاديين من جماعات مختلفة مثل القاعدة وداعش حيث يمكنها التنقل بحرية. وعلى الرغم من أن المنطقة لا تزال خارج سيطرة الجماعات المسلحة والمدعومة من تركيا، إلا أنه بالإمكان مراقبة أطمة والقرى المجاورة من نقطة المراقبة العسكرية التركية (بوكولميز) .

ووفقًا للتسريبات الاستخباراتية التي تشير إلى أن القرشي كان يعتمد أيضاً على شبكة من الأعوان لقيادة التنظيم مثل سلفه، فإن تغاضي تركيا عن الأنشطة المشبوهة بالمنطقة تثير جملة من التساؤلات حول ماهية دورها في مناهضة التنظيم.

جاءت الغارة الأمريكية في أعقاب شن تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً على سجن في الحسكة . ومن المُرجّح أن تزامن الضربات التركية المتزايدة على النقاط العسكرية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية وقت الهجوم قد مهدت الطريق للمهاجمين. دائماً ما تقوم تركيا بإستهداف مدن تل تمر وعين عيسى وكوباني التي تقع شرق الفرات بالإضافة إلى مدن منبج وتل رفعت غرب الفرات عبر مدافع الهاوتزر والطائرات المسيرة. وهذا بدوره دليل صارخ ومستمسك للذين يقولون أن تركيا بهذه الأعمال تدعم التنظيم وتمهد له الطريق لغزو المنطقة.

إلى جانب مقتل زعيم داعش القرشي في مناطق سيطرة تركيا، فإن مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في الغارة الأخيرة يضع أنقرة في موقف صعب. وفي كلمة مُقتضبة له بعد العملية، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن الغارة « تمت بمساعدة شركاءنا الأساسيين قوات سوريا الديمقراطية» .

علقت قوات سوريا الديمقراطية على هذا الحدث من خلال لغة تحمل نبرة التهكم حيال تركيا. حيث غرّد الناطق الرسمي باسم قوات سوريا الديمقراطية، فرهاد شامي، على تويتر :« بعد هذه العملية، لم يعد هناك مجالاً للشك في أن تركيا حولت شمال سوريا التي تخضع لسيطرتها إلى ملاذ آمن لقادة داعش، كما أن سلفه البغدادي لقي مصرعه في نفس المنطقة»، في حين، قال الجنرال مظلوم كوباني، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، إن القرشي قُتل بفضل “الشراكة المتينة ” بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية.

في غضون ذلك، وبمعزل عن تركيا حليفتها في الناتو، تعاونت الولايات المتحدة مع قوات سوريا الديمقراطية لتعقب زعيم داعش على مقربة من الحدود التركية.  ومع كشف وكر القرشي وسابقاً البغدادي، فإن هذه المناطق تعتبر ملاذا أمنا لقادة تنظيم داعش لقربها من الحدود التركية . لا تزال أصول القرشي العرقية مجهولة، بيد ان البعض يُرجح إنه تركمانيٌ و يتضح ذلك من خلال المرونة في إقامة علاقات داخل تركيا.

لم يعد يخفى على أحد أن تنظيم الدولة الإسلامية يعتبر تركيا ملاذا أمنا لعناصره وذلك بعد القضاء عليه في العراق وسوريا. ووفقًا لزعيم تنظيم داعش فرع تركيا قاسم غولر، والذي سربت السلطات التركية اعترافات له إلى وسائل الإعلام الأسبوع الماضي ، فإن البغدادي أمر بجعل تركيا قاعدة رئيسية للتنظيم.

ووفقًا لتقرير خاص أعدته قناة دويتشه فيله الألمانية، فقد أفاد غولر، الذي جرى اعتقاله في حزيران (يونيو) 2021 بالقرب من الحدود السورية، إنه حسب تلك الخطة التي يطلق عليها اسم “مشروع الجبل”، فإن التنظيم المتطرف كان سيتخذ 4 ولايات تركية منطلقاً لعملياته من ضمنها ولاية هاتاي على طول الحدود، وستقوم قواعد التنظيم بتدريب مقاتلين جدد ينضمون إلى الدولة الإسلامية قادمين من أوروبا. وأضاف غولر، أنهم قاموا بتهريب بنادق من طراز ( أيه كيه-47) وقاذفات آر بي جي وأسلحة أخرى من مدينة الباب السورية إلى تركيا، وخبؤها في ست مدن تركية، بما في ذلك اسطنبول وإزمير.

أُفشلت مساعي أحد قادة تنظيم داعش الفرع التركي مصطفى دوكوماسي من تحقيق الخطة المرسومة، بعد اعتقال العقل المدبر من قادة التنظيم المسؤولين عن الخطة. وأفادت قناة دويتشه فيله الألمانية نقلاً عن شهادة غولر أن التنظيم اعتمد على محمود أوزدن، أحد كبار مسؤولي داعش، لإجراء اتصالات بين خلايا داعش داخل تركيا. وأضاف غولر إن للتنظيم خلايا في أكثر من 12 مدينة تركية من بينها اسطنبول وأنقرة. كما أوضح غولر عن وجود مخططات لاغتيال شخصيات سياسية بارزة من بينها زعيم المعارضة البارز في تركيا كمال كيليجدار أوغلو وعمدة اسطنبول أكرم إمام أوغلو.

إن السبب الرئيسي الكامن في جعل تنظيم الدولة الإسلامية تركيا ملاذا أمنا له هو استغلال الحكومة التركية لهذا التنظيم وتوظيفه كورقة رابحة في قتال القوات الكردية في سوريا. وبناء على ذلك ، فقد أصبحت سياسات أنقرة ضد التنظيم المتطرف تكيل بمكيالين.  علاوة على ذلك، فتنظيم داعش بإمكانه بسلاسة تحويل الأموال عبر مكاتب الصرافة ومحلات المجوهرات في تركيا. وسبب أخر يشجع نشاط التنظيم في تركيا هو ضعف أداء القضاء في محاكمة عناصر داعش ممن أعتقل في تركيا على جرائم ارتكبوها في الخارج. حيث أُفرج عن بعض عناصر داعش ووضعوا قيد المراقبة أو بحجة عدم توفر أدلة كافية.

إضافة إلى ما سبق، فإن التنظيم يتحرك بسهولة بين سوريا والعراق بسهولة، فضلاً عن تهريب الأسرى عبر الحدود ومثال عن ذلك، إنقاذ الشرطة التركية رهينة أيزيدية تبلغ من العمر 7 سنوات العام الماضي داخل تركيا، حيث كان التنظيم ينوي بيعها عبر مزاد على الإنترنت.

دائماً ما كانت حرب تركيا ضد تنظيم الدولة الإسلامية شكليّة وأكبر دليل على ذلك هو تخفي زعيم داعش القرشي على مقربة من الحدود التركية.

المصدر: المونيتور

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد