الشرق الأوسط على صفيح ساخن .. الصدام ما بين السياسة وإنقاذ المناخ

في ظل تشبث الدولة القومية في الشرق الأوسط بمصالحها الضيقة، وتسخير أزمة البيئة إلى ورقة سياسية وابتزازية ضد الفرقاء والخصوم، فإن تقارير دولية تحذر بصورة يومية من تداعيات أزمة الاحتباس الحراري على المنطقة خلال العقدين القادمين، سيما أن المنطقة صُنفت من قبل المنظمات المناخية التابعة للأمم المتحدة بوصفها البؤرة الأكثر سخونة لتغير المناخ العالمي في العالم.

حسب الخبراء، تهدد أزمة المناخ بتوجيه ضربة مزدوجة لمنطقة الشرق الأوسط من خلال إنضاب دخلها المتأتي من النفط مع تحول العالم إلى مصادر الطاقة المتجددة، تماشياً مع ارتفاع الحرارة في هذا الصيف في كل من سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعراق إلى درجات تجاوزت 50 درجة مئوية، ومن المُرجح أن ترتفع أكثر من ذلك في العقود القادمة لتلامس 60 درجة.

وسط هذه التوقعات في منطقة ابتُليت منذ فترة طويلة بالحروب الأهلية وحركات النزوح الجماعي، كشف التقرير السنوي لوكالة الاستخبارات الوطنية الأمريكية الذي نشر في هذا العام بعنوان” التغير المناخي والاستجابة الدولية في ظل التحديات التي ستواجه الولايات المتحدة الأمريكية خلال عام 2040″، مخاطر كبيرة على ” التأثيرات المناخية على البلدان أكثر هشاشة وعرضة لعدم الاستقرار“.

 وأوضح التقرير بأن بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تعتمد على حوالي 60 % من مصادرها المائية على موارد المياه السطحية عابرة للحدود، وتتقاسم جميع بلدانها طبقة واحدة على الأقل من المياه الجوفية، ستكون عرضة لنشوب صراعات مستدامة، خاصة إنها تفتقر إلى اتفاقيات إدارة تعاونية للمساعدة في نزع فتيل التوترات في الأحواض المشتركة، وفقاً للأمم المتحدة،  كما أن معظم الاتفاقيات الحالية ليست مرنة بما يكفي لمعالجة الاضطرابات في أنماط الطقس وانخفاض المياه الناجم عن تغير المناخ.

وأرجع التقرير أن تراجع ​​الطاقة التقليدية وضرب الأمن الغذائي والمائي في هذه البلدان، سيفضي إلى تفاقم الفقر والتوترات القبلية والعرقية بين الطوائف وعدم الرضا عن الحكومات، وتالياً زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، سيما أن خلافات المياه القائمة حالياً في كل من أفغانستان وإيران والعراق وسوريا وتركيا وغيرها، بمثابة مؤشرات لهذه المخاطر المروعة.

فهذه البلدان التي تتعرض بشكل كبير لموجات الجفاف المتزايدة والفيضانات المفاجئة والأمراض المرتبطة بالبيئة منذ سنوات، تحتل المرتبة الأدنى في العالم للحصول على التعليم والكهرباء والصحة والصرف الصحي، إضافة إلى أن العديد من الدراسات أكدت بأنها ستكون أقل قدرة للتخفيف والتكيف مع الطاقة البديلة، ومن المرجح أن تشل الاضطرابات لبعض القطاعات الاقتصادية، مثل النفط والغاز والزراعة، بحيث تكون تقلبات الأسعار في السوق العالمي مدمرة للدورة الاقتصادية، وهو الأمر الذي سيؤثر حتماً على اقتصاديات الشرق الأوسط التي تعتمد على الطاقة والنفط في المقام الأول.

وتشير بعض الارقام بأن البلدان الفقيرة في العالم سوف تعاني من خسارة متوسطة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تبلغ حوالي 20 ٪ بحلول عام 2050. فضلاً على أن اثار الجفاف والاحتباس الحراري ستزيد من” الهجرة عبر الحدود على الأرجح” لأن تأثيرات المناخ تضع ضغوطاً إضافية على السكان المشردين داخلياً الذين يعانون بالفعل في ظل الحكم الفاسد والصراع العنيف والتدهور البيئي، كما هو حال في أفغانستان وإيران والعراق وسوريا ولبنان.

ومن المحتمل حسب التقرير أن تشمل العوامل المحفزة لزيادة الهجرة جراء الاحتباس الحراري والجفاف، إلى زيادة عدم الاستقرار عالمياً عندما تصطدم الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والديموغرافية، ويؤدي إلى توتر العلاقات بين البلدان الأصلية والبلدان المستقبلة. ومن المرجح أن تشكل حركة سكان الريف صوب المدن إلى مضاعفة عوامل عدم الاستقرار الاجتماعي  والسياسي، مثل البناء العشوائيات، ومعدلات البطالة المرتفعة، وتزايد الأحياء الفقيرة.

وخلص التقرير بأن هذه الدول ستفتقر إلى الموارد المالية أو القدرة على الإدارة للتكيف مع آثار تغير المناخ، مما ستضطر إلى طلب العون من المساعدات الخارجية والإنسانية. لكن حتى لو سهلت الحكومات الأجنبية والمؤسسات الدولية والاستثمارات الخاصة بتقديم مساعدات مالية وخبرات فنية وتقنيات التكيف مع المناخ للتخفيف من بعض هذه الصعوبات، مثل انعدام الأمن الغذائي والمائي والفقر الحضري، فإن هذه الجهود ستصطدم بسوء الإدارة وضعف البنية التحتية والفساد المستشري ونقص الوصول المادي.

تدهور الزراعة وندرة الكهرباء

ووفق تقرير نشره الموقع الأمريكي فورين افيرز مؤخراً، فإن قطاع الزراعة في الشرق الأوسط يعتبر من بين أهم القطاعات المتضررة جراء أزمة الجفاف والاحتباس الحراري، وقد سبب تأثر درجات الحرارة المرتفعة في السنوات الماضية بخسائر فادحة في الإنتاج الزراعي، لأن استمرارية الإجهاد الحراري سيُؤثّر سلباً على نمو النباتات وإنتاجيّة الحيوانات. ومع مرور الزمن، من المرجح أن يؤدي الإجهاد الحراري إلى زيادة في إنتشار الأمراض فضلاً عن إنخفاض في إنتاج الألبان. ووفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، من المتوقع أن ينخفض إنتاج المحاصيل في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 30 ٪ في حالة ارتفاع درجة الحرارة ما بين  1.5 إلى 2  درجة بحلول عام 2025، وهو ما ينذر بحدوث نتائج كارثيّة في هذا القطاع .

وتعتبر الزراعة أكبر مستهلك للمياه في الشرق الأوسط، حيث تستهلك ما بين 78 إلى 87 ٪ من جميع الموارد. وستؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة الضغط على جداول الري من حيث التكرار و الكميّة . ومن ناحية أخرى، سيتمّ القضاء على النشاط الزراعي والأعمال التجارية كونها لا تسهم كثيراً في الإقتصادات الإقليمية، سواء من حيث الناتج المحلي الإجمالي أو الصادرات، بما يتناسب مع حجم الموارد التي تستخدمها. وعلى ضوء ذلك، هنالك احتمال حدوث اضطرابات كبيرة تشل سلسلة الإمدادات الغذائية.

على غرار قطاع الزراعة، فإن قطاع السياحة في الشرق الأوسط هو أيضاً سيفقد حصة كبيرة من السوق بسبب التغير المناخي . في العام 2018 ، ساهمت السياحة بمبلغ 270 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، أو حوالي 9 ٪ من الاقتصاد. غير أن الأرقام الاخيرة تحمل معها تحذيرات مروعة، ففي الأردن على سبيل المثال، بعد أن كان البحر الميت يجذب نحو 1.5 مليون سائح كل عام ، بات اليوم يستقبل فقط بضعة آلاف نتيجة لـ تقلص مياه البحر الميت بنسبة الثُلث تقريباً. أما مدينة الإسكندرية في مصر ، فهي أيضاً تواجه الفيضانات و انهيار المباني ناهيك عن خسائر في الأرواح نتيجة لارتفاع مستوى سطح البحر.

كما عانت بعض البلدان الأكثر جفافاً في المنطقة من الفيضانات نتيجة للعواصف الشديدة المفاجئة، فعلى سبيل المثال، تعرضت مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، لعواصف مفاجئة أودت بحياة 30 شخصاً في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2018 . أما في الجزائر، نتيجة لفترات الجفاف الطويلة، فقد أدى ذلك إلى حرائق هائلة إلتهمت الغابات وراح ضحيتها نحو 90 شخصا في أغسطس/آب، وهو الأمر ينطبق على حرائق الغابات والفيضانات في تركيا أيضاً.

التأثير على أنظمة الطاقة

 فقد لا تختلف نُظم الطاقة عن قطاعي السياحة والزراعة من حيث قابلية تأثّرها بـ التغيّر المناخي. فعلى سبيل المثال، سيرتفع الطلب على الطاقة لتبريد الجو نتيجة لدرجات الحرارة المرتفعة. في عام 2015، تشير التقديرات إلى أن 80 ٪ من إجمالي الطاقة في الشرق الأوسط تستخدم أنظمة التبريد. وتواجه هذه البلدان تحديات في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، لا سيما خلال أشهر الصيف، الأمر الذي يتسبب بضغط على الشبكة الكهربائيّة، وبالتالي إنقطاعات متكررة في التيار الكهربائي، وقد يؤثر انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير على الأنشطة اليومية للسكان المحليين، وهو ما ظهر جلياً في كل من لبنان وسوريا والعراق مؤخراً.

ونظراً للتأثير السلبي لارتفاع درجات الحرارة، فإن غالبية الدول في الشرق الأوسط قدمت الوعود أمام مؤتمر كوب 26 في غلاسكو بتخفيض صافي انبعاثات الكربون الصفرية. غير أن هذه البلدان تفتقر إلى هذه اللحظة، إدراج أزمة المناخ في تخطيطها الاستراتيجي إلى جانب اقتصاد قادر على التكيف مع التغير المناخي. كما أن مفهوم السياسة المناخية المتكاملة جديد نسبياً على بلدان الشرق الأوسط، والأهم من ذلك، تعيش هذه البلدان في صراعات عسكرية وتناحرات سياسة حادة، بحيث من الصعوبة في المكان أن نشهد خطة مشتركة جادة تجمع هذه الفرقاء في ظل الوضع القائم. وما احتجاجات في إقليم خوزستان في إيران وشمال شرق سوريا ضد كل من الحكومة الإيرانية والتركية لاستغلال أزمة المياه، إلاّ مؤشر على تفضيل المصالح القومية الضيقة على تهديد الأمن الاجتماعي والبيئي معاً.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد