يُنظر إلى زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة ، كنقطة تحوّل في العلاقات التركية-الخارجية المتعثّرة منذ سنوات من جهة، و بارقة أمل بالنسبة للاقتصاد التركي، الذي يمر في واحدة من أسوء مراحله منذ تأسيس الجمهورية الحديثة. لكن، ينبغي عدم المبالغة في التأثيرات السريعة للزيارة على الاقتصاد التركي، حيث أن الأزمة في أنقرة أعمق من أن تتمكن صفقات اقتصادية مع دولة ما تصحيح الخلل البنيوي فيه.
في انتظار الطرفين ملفات مكدّسة شائكة التقاطعات يتصدّرها الاقتصاد، وسط أنباء عن استعدادات إماراتية لاستثمار ملايين الدولارات في السوق التركية الراكدة والعطشة للقطع الأجنبي، فيما تفرض كثرة جبهات الصدام بين الجانبين حتمية تواصل التباينات في المواقف، في ظل التوجّه السائد لدى كل من أبو ظبي وأنقرة مؤخراً إلى اتباع السياسات النقطية في علاقاتهما الإقليمية والدولية، مع الابقاء على المصالح التجارية والاقتصادية بعيدة عن تأثير التجاذبات الناتجة عن تلك السياسات.
في هذه الورقة البحثية، نسلّط الضوء على أبرز مراحل التطبيع بين الجانبين وما رافقها من خطوات “حسن نية” متبادلة، مستعرضين المكاسب السياسية والمصالح الاقتصادية التي يرنو لها كل من أبو ظبي وأنقرة من خلال حملة التطبيع هذه، في ظل وجود بعض العقبات التي يصعب اجتيازها في المرحلة الحالية، مروراً بأبرز السيناريوهات المستقبلية في هذه العلاقة.
يُنظر إلى زيارة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان إلى أنقرة ، كنقطة تحوّل في العلاقات التركية-الخارجية المتعثّرة منذ سنوات من جهة، و بارقة أمل بالنسبة للاقتصاد التركي، الذي يمر في واحدة من أسوء مراحله منذ تأسيس الجمهورية الحديثة. لكن، ينبغي عدم المبالغة في التأثيرات السريعة للزيارة على الاقتصاد التركي، حيث أن الأزمة في أنقرة أعمق من أن تتمكن صفقات اقتصادية مع دولة ما تصحيح الخلل البنيوي فيه.
في انتظار الطرفين ملفات مكدّسة شائكة التقاطعات يتصدّرها الاقتصاد، وسط أنباء عن استعدادات إماراتية لاستثمار ملايين الدولارات في السوق التركية الراكدة والعطشة للقطع الأجنبي، فيما تفرض كثرة جبهات الصدام بين الجانبين حتمية تواصل التباينات في المواقف، في ظل التوجّه السائد لدى كل من أبو ظبي وأنقرة مؤخراً إلى اتباع السياسات النقطية في علاقاتهما الإقليمية والدولية، مع الابقاء على المصالح التجارية والاقتصادية بعيدة عن تأثير التجاذبات الناتجة عن تلك السياسات.
في هذه الورقة البحثية، نسلّط الضوء على أبرز مراحل التطبيع بين الجانبين وما رافقها من خطوات “حسن نية” متبادلة، مستعرضين المكاسب السياسية والمصالح الاقتصادية التي يرنو لها كل من أبو ظبي وأنقرة من خلال حملة التطبيع هذه، في ظل وجود بعض العقبات التي يصعب اجتيازها في المرحلة الحالية، مروراً بأبرز السيناريوهات المستقبلية في هذه العلاقة.
خلفية التصادم الإماراتي-التركي
بدأت التصدّعات في العلاقة بين البلدين مع الربيع العربي عام 2011، على أساس الرؤى السياسية المختلفة حول القضايا الإقليمية. خلال هذه الفترة، بينما اعتمدت أنقرة سياسة تتمحور بإيصال الإسلام السياسي العربي المتمثل بالإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في الدول العربية، تبنت الإمارات رؤية سياسية خارجية تهدف إلى الحفاظ على توازن إقليمي قائم على ارضاء واشنطن، لكن ضمن الخطوط الحمر المتعلّقة بأمنها القومي.
أدت هذه الرؤى السياسية المتعارضة تمامًا حول القضايا الإقليمية إلى وضع البلدين في معسكرات مواجهة في دول مثل اليمن وقطر وسوريا ومصر وليبيا وتونس. شكل دعم الإمارات لـ “السيسي” في هذه الفترة، نقطة انكسار في العلاقة الإماراتية-التركية، وبينما دعمت الإمارات، إلى جانب مصر، الجنرال خليفة حفتر في ليبيا، دعمت تركيا أعداءه في حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها. كما رفعت تركيا من حدة اتهاماتها للإمارات “بسبب تدخلها” في اليمن ، وموقفها من فلسطين، وقيامها بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. في الوقت نفسه، تحوّل الحصار المفروض على قطر، حليفة أنقرة الرئيسية، أحد بؤر التوتر في العلاقات التركية الإماراتية.
دخلت العلاقات بين أنقرة وأبو ظبي مرحلة حرجة بعد أن اتهمت تركيا أبو ظبي بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/يوليو 2016. كما نشرت أنقرة في آب/أغسطس 2020، “نشرة حمراء” مطالبة الإنتربول باعتقال محمد دحلان، الشخصية الأمنية الفلسطينية المقربة من دوائر القرار في أبوظبي، بتهم خطيرة مثل تمويل محاولة الانقلاب الفاشلة ومحاولة تغيير النظام الدستوري في تركيا بالقوة. بالإضافة إلى ذلك، أدى دعم الإمارات للكتلة المناهضة لتركيا، والتي تشكلت على نطاق إقليمي، خاصة في شرق المتوسط ، إلى زيادة التوتر في العلاقات بين البلدين.
كيف بدأ مسار التطبيع
تستعد أنقرة لطي فترة العلاقات الإشكالية مع الإمارات العربية المتحدة، للانطلاق نحو عهد جديد قائم على مبدأ الربح المتبادل، ومراعاة مصالح البلدين، بدءً من آب/أغسطس الماضي، وسط ترقّب لتتويج هذه الانطلاقة بـ “الزيارة التاريخية” لولي العهد الإماراتي.
مع المصالحة الخليجية-الخليجية في قمة العلا السعودية بداية العام الحالي، ووصول زعيم المافيا سيدات بيكر، المدان تركيا بتأسيس منظمة إجرامية في أيار/مايو، دخل الخطاب التركي الرسمي مرحلة مغايرة للهجة السائدة، فيما اكتسبت حركة الزيارات بين تركيا والإمارات العربية المتحدة زخماً متعاظماً منذ آب الماضي. حيث بدأ:
– طي صفحة الخلاف باستقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 18 من آب/أغسطس الماضي مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، حيث ركز الجانبان في اللقاء على الاستثمارات الإماراتية في تركيا.
– بالتزامن، وصف المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، أنور قرقاش، عبر حسابه على تويتر اللقاء بـ “التاريخي والإيجابي” قائلاً أن “الإمارات تواصل بناء الجسور وتعزيز العلاقات”.
– كما أجرى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو محادثة هاتفية مع نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان في 31 آب/أغسطس الماضي.
– وفي أيلول/سبتمبر الماضي صرّح وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية د. ثاني بن أحمد الزيودي، بأن تركيا من بين الدول التي تعتبر ذات أهمية خاصة سواء من حيث تعزيز الاستثمار والتجارة والنمو الاقتصادي، ومن حيث تأمين بادية مرحلة جديدة تقوم على الاستقرار والتعاون الإقليميين.
– أما أخر اللقاءات في سلسلة التطبيع فكان قبل أسبوع عندما التقى وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بنائب رئيس الوزراء ووزير داخلية الإمارات سيف بن زايد آل نهيان في روما.
الإشارة إلى زيارة ولي العهد الإماراتي وردت لأول مرة على لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي رد على سؤال حول امكانية “ذوبان الجليد في العلاقة بين البلدين” بالقول ” تحدث تقلبات في العلاقات بين الدول. حدث ذلك في علاقاتنا مع الإمارات أيضاً، لكن وصلنا إلى نقطة معينة من خلال عقد بعض الاجتماعات مع إدارة أبو ظبي، وخاصة على مستوى جهازنا الاستخباراتي، بعد اجتماع اليوم (مع طحنون)، أعتقد أننا سنعقد بعض اللقاءات مع محمد بن زايد في الفترة المقبلة، أتمنى أن نفعل ذلك”.
وفي 14 من الشهر الحالي، أكد موقع “اندبندنت” باللغة التركية نقلاً عن “مصادره في أنقرة” زيارة ولي العهد الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى تركيا في 24 من نوفمبر/تشرين الثاني “للقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، لمناقشة العديد من القضايا، لا سيما في مجال الاقتصاد والعلاقات الثنائية بين البلدين”.
الاقتصاد على قائمة اهتمامات الطرفين
يستند حماس كلا الطرفين لتطبيع العلاقات على الرغبة في التعامل مع مشاكل الاقتصاد السياسي السلبية الناتجة عن “الربيع العربي” والتكيّف مع الوضع الإقليمي والعالمي الجديد في قطاعي السياسة والاقتصاد، غداة أزمة كورونا العالمية والتحول في الاستراتيجية الأمريكية فيما يخص قضايا مثل الشرق الأوسط ومحاربة الإرهاب.
قد توفّر زيارة طحنون، المؤسس لتجمّع كبير من الشركات تحت اسم “Royag Group” بأكثر من 70 شركة و 20 ألف موظف، ورئيس مجلس إدارة “بنك الخليج الأول”، ثالث أكبر بنوك الإمارات، اضافة إلى مهمّته الأمنية، دلالات عن رؤية أبو ظبي للعلاقة التي تسعى إلى ارساء أسسها مجدداً مع أنقرة بإيفاد الأمير الشاب كأول زائر رسمي بعد فترة طويلة من القطيعة، فيما يمكن اعتبار وجود نائب رئيس صندوق الثروة التركي ورئيس مكتب الاستثمار في اللقاء المذكور، وغياب رئيس جهاز المخابرات الوطنية التركي (MIT) هاكان فيدان عن الاجتماع، دليلاً واضحاً على كون ملف الاستثمار الأولوية القصوى بالنسبة لأنقرة في هذه العلاقة.
تركيز الإمارات على محيط مضيق باب المندب في حرب اليمن، وجهودها للوصول إلى شرق المتوسط عبر إسرائيل باتفاق السلام مؤشرات على رغبتها في زيادة نشاطها بما يخص الممرات المائية وطرق التجارة البديلة. تهدف الإمارات إلى فتح طريق تجاري يربط مينائي دبي والشارقة بميناء مرسين في تركيا مروراً عبر إيران. من خلال الممر المذكور، سيتم توفير 8 أيام من عملية النقل البحري مقارنة مع الطريق المار عبر قناة السويس. وقد أعلنت إيران رسمياً عن الاتفاق، بعد وصول أول قافلة تجارية عبر الخريطة المذكورة في 1 تشرين الثاني/نوفمبر الفائت.
لكن، هذا التوجه الإماراتي مدفوع بحسابات متغيرة مع الجارة الكبرى، السعودية، وبفتور اقتصادي مع مصر. و قد شكل ملف سد النهضة الإثيوبي، نقطة عدم اتفاق إقليمية في سياسات البلدين، مصر والإمارات، فالأخيرة تدع بقوة رئيس الوزراء آبي أحمد، و شكل ملف سد النهضة موقفاً محرجاً في العلاقات المصرية الإماراتية، وإن ظل ملف الخلاف طي الكتمان إعلامياً.
ترى الإمارات في بعض المبادرات السعودية التي تم إطلاقها بداية العام الحالي، تهديداً لمكانة الإمارات كـ “مركز للتجارة والاقتصاد الإقليمي”، وهو ما حققته من خلال سياسات طويلة الأمد. يمكن اعتبار الخطوة السعودية بإنشاء شركة طيران وطنية جديدة منافسة غير مباشرة للناقل الوطني الإماراتي، الذي تعتبر أبو ظبي أحد الأجنحة الهامة لاقتصاده السياحي وسياسة “القوة الناعمة” التي تتبعها، بالإضافة إلى فرض الرياض رسوم جمركية على الواردات من المناطق الحرة الإماراتية، واجبار الشركات العالمية على نقل مقارها من الإمارات إلى السعودية ضمن برنامج “Program HQ” واستبعاد الرافضة منها عن المناقصات العامة السعودية. كل ما سبق والعديد من التغيرات الأخرى، دفع أبو ظبي إلى إحداث انقلاب في سياستها الاقتصادية والبحث عن بدائل جادة تسهم في دعم خطتها للتقليل من الاعتماد على الطاقة في ميزانيتها العامة.
تشكّل تركيا، المرهقة من تبعات الضائقة الاقتصادية المتعاظمة في البلاد، أرضاً خصبة للسياسات الاقتصادية الجديدة لأبوظبي، والقائمة على زيادة الاستثمارات الاقليمية والدولية وتنويع قطاعاتها، من السياحة إلى ادارة الموانئ، ومن صناعة الطاقة البديلة إلى التكنولوجيا العسكرية.
يبلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين حالياً نحو 9 مليارات دولار، ويهدف الطرفان إلى مضاعفة ذلك، كما يصب تركيز الجانب الإماراتي على المشاريع التشاركية، في ظل تعهّدها بتقديم 9 ملايين دولار لدعم ترميم وإعادة اعمار المناطق المتضررة خلال أسوأ حرائق للغابات والفيضانات شهدتها تركيا في تاريخها الحديث هذا العام. تبحث الإمارات عن دخل غير نفطي مع انخفاض أسعار النفط وهي بالتالي بحاجة إلى شريك تجاري مثل تركيا.
تتطلع صناديق الثروة الإماراتية للاستثمارات في تركيا بمليارات الدولارات، من بينها أبوظبي للاستثمار (ADIA)، أكبر صندوق ثروة في الإمارة بأصول تقدّر بنحو 686 مليار دولار، و ADQ. كما أعلنت الشركة الدولية القابضة (IHC)، ثاني أكبر شركة مدرجة في الإمارات العربية المتحدة، بأنها تقيّم فرص الاستثمار في قطاعي الرعاية الصحية والصناعة في تركيا، معتبرة أن تركيا “تمتلك أحد أهم مرافق معالجة الأغذية، والتي يمكن أن تكون فرصة استثمارية كبيرة لنا”. ويتمثل أكبر استثمار عربي في تركيا حالياً في استحواذ بنك الإمارات دبي الوطني على حصة Sberbank PJSC الروسية في Denizbank AS باسطنبول عام 2019 مقابل 2.75 مليار دولار، كما أعلنت Aramex PJSC، وهي شركة لوجستية مقرها دبي تمتلك ADQ فيها حصة 22٪ اشترتها العام الماضي اجرائها مفاوضات مع MNG Kargo بشأن الاستحواذ على شركة الشحن التي تتخذ من إسطنبول مقراً لها.
في سبتمبر/أيلول الماضي أعلن نائب وزير الطاقة التركي ألب ارسلان بايراكتار للصحفيين عن محادثات مع الإمارات بشأن الاستثمار في مشروعات الطاقة التركية، دون أن يكشف ماهية هذه المشاريع، لكنه أشار إلى رغبة إماراتية سابقة في الاستثمار في قطاع توليد الطاقة.
كما أعلنت شركة دبي العالمية للعقارات، الذراع العقارية الدولية لدبي القابضة، 1.83 مليار درهم في أبراج دبي، وهي مجمع برجي متعدد الاستخدامات في العاصمة التركية إسطنبول، في أول مشروع تطوير عقاري كجزء من اتفاقية بقيمة 5 مليارات دولار بين الطرفين بشأن مشاريع استثمارية مشتركة، حيث تم الإعلان عن المشروع خلال زيارة قام بها الفريق أول الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي ووزير دفاع الإمارات العربية المتحدة إلى تركيا.
يمثّل الانخفاض المتواصل لقيمة الليرة التركية فرصة سانحة بالنسبة للإمارات على استملاكات واستثمارات تشاركية كبيرة ببدلات أقل من قيمتها الحقيقية، في ظل الحاجة التركية الماسة إلى القطع الأجنبي القادم من الاستثمار الأجنبي المباشر على شكل مال ساخن بعد هدر مصرفها المركزي 128 مليار دولار على مدى 3 سنوات في محاولات تثبيت قيمة الليرة التركية أمام الدولار، بالتزامن مع تراجع الاستثمارات الأجنبية من 22 مليار دولار في 2007، إلى دون 5 مليار دولار حالياً معظمها في مجال شراء العقارات للحصول على الجنسية التركية.
بالمقابل تأمل أنقرة في أن تعزز العودة الإماراتية إلى الأسواق التركية من مكانة تركيا في مؤشرات الأسواق العالمية وتقييمات المحافظ الإئتمانية الدولية، التي تعتبر بوصلة الشركات العالمية في الاستثمارات الخارجية. كما أن تثبيت الليرة التركية في مستوى محدد ومنع انزلاقها سيسهم في تعزيز ثقة المواطن التركي بعملته الوطنية وبالتالي قد يحد من الطلب على الدولار في السوق أو تحويل النقد إلى استملاكات عقارية في محاولة تركية لضبط التضخم الذي وصل إلى نسبة 20% وفق الاحصاءات الرسمية المشكك بها، مقابل دراسات شركات خاصة تفيد بتجاوزه مستوى 50% بشكل عام ووصوله إلى عتبة 100% في بعض القطاعات.
من المتوقع أن تلعب الشركة الجديدة، المسماة “Elbit Systems Emirates) “ESE) ، دوراً في تعزيز تعاون الشركة الإسرائيلية طويل الأمد مع القوات المسلحة الإماراتية.
تطور العلاقات الإماراتية مع إسرائيل بعد توقيع اتفاق إبراهيم، وتوّجت هذه العلاقة مؤخراً باستحواذ الإمارات العربية المتحدة على استثمارات إسرائيلية من قبل شركة الأسلحة المشهورة عالمياً ELBIT. أعلنت ELBIT، إحدى أهم الشركات المصنعة للطائرات بدون طيار في العالم، أنها ستستثمر في دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال تأسيس شركة “ESE” (Elbit Systems Emirates). ستقوم الشركة الأم بتقديم حلول لتلبية المتطلبات التشغيلية لانتاج المسيرات إماراتياً. ومع الأخذ بعين الاعتبار مكانة تركيا في هذه الصناعة تحديداً، يمكن أن يسهم تطبيع العلاقات في شراكة ثلاثية (إماراتية-تركية-إسرائيلية) في قطاع تصنيع المسيرات.
السياسات الجزئية “Micro Politics”
يمثّل شعار “الاقتصاد في خدمة السياسة” الإماراتي أحد أهم أركان سياسات أبو ظبي الحديثة، ومحرّكها الرئيسي لتوجهاتها الإقليمية والدولية، معتمدة بشكل كبير على مفهوم السياسات الجزئية، بمعنى فصل الملفات عن بعضها في علاقتها الخارجية، بل وفصل أجزاء كل ملف في هذه العلاقة، وهو ما دأبت على ممارسته في السنوات الأخيرة في عدد من الملفات الشائكة مع كل من إيران ومصر وروسيا، ومؤخراً سوريا.
في المقابل فإن السياسة التركية في السنوات الأخيرة أيضاً تدور في صلب هذا المفهوم من حيث علاقتها التشاركية مع روسيا في ظل الاختلاف معها في سوريا وليبيا والأهم أوكرانيا، وعلاقتها التجارية مع إيران رغم الصدام الميداني معها في سوريا، وحتى في العلاقة مع الناتو وعلى رأسها الولايات المتحدة، عبر الشراكات العسكرية والسياسية مع موسكو.
ترى أبو ظبي امكانية في تطوير التعاون مع منافستها أنقرة، حتى في ظل تناقض الاهتمامات بل وتصارعها أحياناً. ويعزز التغيير الكبير في رؤية أنقرة للقضايا الإقليمية، وعلى رأس هذا التغيير، استعدادها لضبط نشاط الإخوان المسلمين الموجه ضد الدول العربية المطبعة معها، من المساعي الإماراتية الأخيرة. وقد ذكرت وسائل إعلام عربية وتركيا، أن أنقرة، استعدّت للاجتماع بين الرئيس أردوغان وولي عهد الإمارات العربية المتحدة محمد بن زايد، بالطلب من أعضاء حزب الإصلاح، الجناح اليمني للإخوان المسلمين مغادرة تركيا خلال 30 يوماً.
يتيح التطبيع لأبو ظبي، عدا المكاسب الاقتصادية المأمولة، تركيز جهودها السياسي نحو تمكين الاقتصاد، بدلاً من استنزاف مواردها المالية في محاربة المشاريع التي تعتبرها خطراً على أمنها القومي وخاصة تلك الخاصة بالإسلام السياسي المعتمد من قبل كلاً من طهران وأنقرة.
سيسهم قرار استئناف الرياض لعلاقاتها التجارية مع إيران في تراجع حاجة إيران إلى الدور الإماراتي ومكانتها في المنطقة، والذي كان يشكّل ضمانة بالنسبة لأبو ظبي على مستوى الخطر الإيراني. استطاعت إيران بفضل الاتفاقات التي أبرمتها مع الإمارات في الحفاظ على جزء من فعالية تجارتها الخارجية رغم العقوبات الأمريكية القاسية. واليوم، تعد الإمارات العربية المتحدة أكبر شريك تجاري إقليمي لإيران. كما قد يؤدي استئناف السعوديين للأنشطة التجارية مع إيران إلى إنهاء امتياز الوساطة الإماراتية بين إيران والخليج وإيران والعالم بشكل عام.
أما في الجبهة التركيا، فتأمل أنقرة من هذا التقارب في أن تؤدي هذه العلاقة إلى خلق صدع في الكتلة المناهضة لها، والتي تشكلت مؤخراً على نطاق جغرافي واسع في المنطقة، بدء من الإدارة الذاتية في شمال سوريا، وصولا إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. إن دعم الإمارات للطروحات اليونانية حول قضايا مهمة مثل غاز شرق البحر الأبيض المتوسط والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة أدت إلى تقويض دور تركيا في هذه المنطقة، رغم امتلاكها لأطول ساحل متوسطي. لذا فإن احتمال أن يسهم التعاون مع أبو ظبي في ابتعاد الإمارات عن الأطروحات اليونانية يعتبر مكسباً سياسياً مهماً لتركيا.
كما ترى تركيا في تطبيع علاقاتها مع أبو ظبي باباً لتحسين علاقاتها مع مصر وبشكل أكبر مع إسرائيل.
خلاصة
1- يعد طريق تركيا – إيران السريع محوراً تجارياً مهماً و تأتي ضمن مبادرات إماراتية عديدة للحفاظ على مكانتها “كمركز للتجارة العالمية في الإقليم” والربط بين الصين وأوروبا من جهة، وبين مصادر الطاقة وأسواقها من جهة أخرى، غير أن لهذا التعاون تبعات سياسية أيضاً ليس أقلّها تفادي الملفات الخلافية، إما عبر تسويات مؤقتة، أو تخفيف الانتقادات المتبادلة في إعلام البلدين.
2- من المزايا التي سيوفرها التقارب مع الإمارات لتركيا خلق صدع في الكتلة المناهضة لتركيا، لا سيما في شرق البحر الأبيض المتوسط، لكن الأمر نفسه قد ينطبق على الإمارات أيضاً، و خصوصاً قد يأتي ذلك على حساب علاقتها الاقتصادية العريقة مع مصر التي ترى في خطوات التعاون الاقتصادي المتمثل في الممر التجاري، محاولة لتقليل الاعتماد الاستراتيجي على قناة السويس.
3- يمثّل استعداد أنقرة في الاستغناء عن دور الإخوان المسلمين، في الفترة الأخيرة على الأقل، والخطوات السباقة التي اتخذتها في تطويق نشطاء الجماعة من المصريين واليمنيين بشكل خاص، بادرة حسن نية يعول عليها إماراتياً وخليجياً في تطوير العلاقات مع تركيا. و المرجح، في حال التزام تركيا بذلك، أن يكون هناك موقف مشابه من الإمارات تجاه أطراف تركية معارضة لأردوغان.
4- يمثّل الانخفاض المتواصل لقيمة الليرة التركية فرصة سانحة بالنسبة للإمارات على استملاكات واستثمارات تشاركية كبيرة ببدلات أقل من قيمتها الحقيقية، في ظل الحاجة التركية الماسة إلى القطع الأجنبي القادم من الاستثمار الأجنبي المباشر.
5- تأمل أنقرة في أن تعزز العودة الإماراتية إلى الأسواق التركية من مكانة تركيا في مؤشرات الأسواق العالمية وتقييمات المحافظ الإئتمانية الدولية، التي تعتبر بوصلة الشركات العالمية في الاستثمارات الخارجية.