رغم التحديات.. الكرد يطالبون الإعتراف بالإدارة الذاتية

جاين عرّاف

في وقت مبكر من صباح أحد الأيام من الأسبوع الماضي قصدت سعاد شكري المقبرة لزيارة قبر ابنها. وبعد نحو ساعة، امتلأت هذه المقبرة الصغيرة بآلاف المشيعين لدفن رفات 12 مقاتلاً من قوات سوريا الديمقراطية، ممن قضوا نحبهم أثناء تصديهم لهجوم تنظيم الدولة الإسلامية الأخير على سجن في شمال شرق سوريا.

لقد عاشت سعاد هذه اللحظات من قبل، وهي تجلس بين قبور زينتها زهور صناعية، ففلذة كبدها ( علي شير) فقد حياته وهو يقاتل تنظيم داعش قبل نحو ستة أعوام على مقربة من مدينة الرقة السورية. انضم شير إلى القوات الكردية في سنّ 13 من عمره، ومع مرور الوقت إلى حين فقدان حياته وهو في 16 من عمره كان مقاتلا محنكاً.

قالت السيدة شكري عن هذه المنطقة الضعيفة من الشرق الأوسط: « حياتنا كلها مؤلمة».

بعد فترة ليست بالطويلة من إندلاع الحرب الأهلية في سوريا قبل 10 سنوات، أسس المكون الكردي والذي يشكل الغالبية في مناطق شمال شرق سوريا إدارة ذاتية تشمل كافة المكونات الثقافية، وتقوم على مبدأ المساواة بين الجنسين . لكن منذ ذاك الحين، أصبح الكرد بين فكي كماشة، وفرضت عليهم حروب لا نهاية لها خاصة من قبل نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق والنظام التركي في الشمال. ناهيك عن تهديدات تنظيم داعش الذي بات مشهداً مألوفاً.

عاود التنظيم الإرهابي إلى زيادة نشاطه في الآونة الأخيرة. بعد أن تم القضاء على أخر معاقل خلافته المزعومة قبل نحو 3 سنوات من قبل قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الكرد في سوريا والعراق وبمساعدة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

في 20 يناير / كانون الثاني، هاجم انتحاريون ومسلحون من تنظيم الدولة الإسلامية سجناً في مدينة الحسكة في محاولة لإطلاق سراح حوالي 4000 من مقاتلي داعش المحتجزين هناك. تعتبر هذه المدينة جزء من منطقة الإدارة الذاتية، وقد قاتلت قوات سوريا الديمقراطية، وبدعم من القوة العسكرية الأمريكية، لمدة أسبوعين تقريباً إلى حين استعادتها السيطرة على السجن.

إن هجوم تنظيم داعش الأخير له دلالات تشير إلى عودته من جديد في المنطقة. وبعد أن تم تحييد مقاتلي داعش والسيطرة على الوضع، شنت الولايات المتحدة غارة كوماندوز جريئة على جزء آخر من شمال سوريا انتهت بمقتل زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو إبراهيم الهاشمي القرشي.

وفي أثناء حديثه عن العملية الناجحة، أشاد جو بايدن بقوات سوريا الديمقراطية ووصفها بأنها « شريك أساسي» دون التطرق فيما إذا كان لهم دور في هذه العملية.

ومع ذلك، على الرغم من الشراكة العسكرية الوثيقة مع الولايات المتحدة التي استمرت لسنوات، فإن الكرد في سوريا يواجهون مستقبلاً محفوفًا بالمخاطر.

تم تأسيس الإدارة الذاتية في العام 2012 والتي تضم ما يقرب من ثلث سوريا شرقي نهر الفرات، والتي أصبحت خارج سيطرة الحكومة السورية بعد بدء الحراك ضد حكم الأسد الاستبدادي في العام السابق. في واحدة من أكثر ساحات المعارك تعقيدًا في العالم، تنتشر القوات الأمريكية في المنطقة، إضافة إلى القوات الروسية المتحالفة مع حكومة الأسد، و التي سمحت لها قوات سوريا الديمقراطية بدخول إلى مناطقها لحمايتها من التوغل التركي.

في ظل هذا الوضع الهش، تخضع كبرى المدن مناصفة تحت سيطرة الحكومة السورية والإدارة الذاتية. بالنسبة لأولئك الذين يقصدون مناطق سيطرة الحكومة بغية الدراسة أو العمل في المنطقة تراهم في طوابير أمام نقطة تفتيش للسماح لهم بالمرور، وكثير منهم يخشى الاعتقال، لذا لا يغامر بالذهاب إلى مناطق سيطرته.

يُطلق الكرد على المنطقة ( روج آفا ) والتي تعني « الغرب». إنها إشارة إلى غرب كردستان وحلم طال انتظاره، ولكن يبدو تحقيق هذا الحلم بإقامة دولة مستقلة تشمل المناطق الكردية في سوريا والعراق وإيران وتركيا بعيد المنال.

لقد اضطهدت هذه الدول تاريخياً سكانها الكرد، ويعتبر أكثر من 25 مليون كردي يعيشون فيها أكبر مجموعة عرقية في العالم بدون دولة. في سوريا تبلغ نسبتهم نحو 10 ٪ من مجموع السكان البالغ عددهم 18 مليون نسمة.

ذكرت الإدارة الذاتية بأنه ما لا يقل عن 55 ٪ من حوالى 4.6 مليون شخص يعيشون فى منطقة الإدارة الذاتية هم من الكرد. في المقابل، هناك أيضاً أعداد كبيرة من العرب والمسيحيين الآشوريين، إضافة إلى عدد أقل من السكان من الأقليات التركمانية والأرمنية والشركسية والإيزيدية.

قال الرئيس المشترك لدائرة العلاقات الخارجية عبد الكريم عمر: « كانت هناك حروب طائفية في سوريا والعراق. أما في منطقتنا فقد حافظنا على السلم الإجتماعي والتعايش».

تعتمد الإدارة الذاتية على مجموعة من المجالس متعددة القوميات والديانات. كل هيئة لها رئاسة مشتركة تضم رجل وامرأة. فضلاً عن لعب النساء دوراً بارزاً كمقاتلات، بما في ذلك في الخطوط الأمامية.

في حين أن بعض هذه الخطوات لازالت هشّة وضعيفة في الواقع على عكس ما هو منصوص لها أن تكون، إلا أنها بمثابة ضمان التنوع والمساواة بين الجنسين والتي لا نشاهد مثل هكذا خطوات في معظم بلدان الشرق الأوسط.

واجهت الإدارة الكردية الفتية تهديدات أمنية واقتصادية مستمرة من جميع الأطراف تقريباً، بدءا من الحكومة السورية، إضافة إلى كردستان العراق من الشرق. لكن الخطر الأكبر هو تركيا.

خارج مبنى المكتب حيث يحاول السيد عمر صياغة سياسة لمنطقة تتمتع باستقلال سياسي، ولكن لا تعترف بها أي حكومة، تتلألأ أضواء مدينة نصيبين التركية عبر جدار مرتفع على بعد بضع مئات من الأمتار.

غزت تركيا، التي حاربت مقاتلين الكرد في الداخل منذ عقود، المناطق التي تسيطر عليها القوات الكردية بهدف إبعادها عن الحدود. تعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية مصدر تهديد أمني بسبب صلاتها بالحركة الكردية التي تخوض كفاحاً ضد الدولة التركية منذ عقود.

تمت الموافقة على العملية العسكرية التركية من قبل الرئيس دونالد ترامب، الذي سحب القوات الأمريكية من بعض المناطق الكردية بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي. شاركت في هذه العملية أذرع تركيا من الفصائل السورية.

تربط إقليم كردستان العراق علاقات اقتصادية وثيقة مع تركيا. وفي الشهر الماضي، أقدم الحزب الحاكم بإقليم كردستان العراق على إغلاق المعبر مع منطقة الإدارة الكردية في سوريا، مما تسبب بأزمة اقتصادية خانقة أدت إلى ترك المحلات التجارية خالية من السكر والمواد الأساسية الأخرى .

في أحد الأيام، انتظرت طوابير طويلة من الناس وهم يرتعشون من برد الشتاء حاملين أوعية لشراء الكاز خارج محطات الوقود. عند نقاط التفتيش، تصاعد أعمدة الدخان الأسود الخانقة من الإطارات المحترقة التي أشعلتها قوات الأمن للتدفئة.

ألقى مظلوم كوباني، القائد العام للقوات الأمنية بالمنطقة، باللوم على الضغوط التركية في إغلاق العراقيين للحدود، والتي شملت وقف صادرات النفط التي تُصدرها المنطقة الكردية في سوريا إلى أقليم كردستان العراق، وهو مصدر رئيسي للإيرادات.

وفي سياق متصل، قال الجنرال كوباني عن جيرانه الكرد في العراق: « كلانا كرد، وعلينا التكاتف ومساعدة بعضنا البعض، لكن مصالحهم مع تركيا هي التي تعيق ذلك». تحدث الجنرال كوباني، المدرج على قائمة المطلوبين في تركيا، من قاعدة عسكرية يتقاسمها مع القوات الأمريكية. وقد اختار الموقع لردع تركيا عن شن غارة بطائرة مسيرة لقتله.

إبّان الحرب مع داعش قبل سنوات، قامت قوات سوريا الديمقراطية بعقد شراكة مهمة مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي يعمل على مكافحة الإرهاب في كل من سوريا و العراق. كانت قوات سوريا الديمقراطية تعتبر أكثر القوات البرية قوة عندما يتعلق الأمر بقتال التنظيم المتطرف.

دفع هجوم السجن في يناير/ كانون الثاني الجيش الأمريكي إلى معاودة القتال، تزامناً مع إرتفاع حدة الإشتباكات مع داعش والتي تعتبر الأعنف منذ أن تم القضاء على الخلافة المزعومة قبل نحو 3 سنوات.

وقال الجنرال كوباني لصحيفة نيويورك تايمز:« إنه بعد الهجوم على السجن، يتوجب على الولايات المتحدة أن تزيد عدد قواتها بالمنطقة، لأن الإبقاء على 700 جندي لم يعد يفي بالغرض» .

وأضاف :« لو سألتني عن مسألة الوجود الأمريكي، ستكون إجابتي إننا بأمس الحاجة لمزيد من القوات الأمريكية بالمنطقة».

أخيراً، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم حالياً ما بين 80 إلى 100 ألف مقاتل، إنها فقدت حوالي 13 ألف مقاتل في المعارك التي خاضوها لطرد داعش من المنطقة منذ عام 2014. أما في معركة السجن الأخيرة، فقد أستشهد 43 مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية.

في هذه الأيام، تسير المركبات القتالية المدرعة التي ترفع الأعلام الأمريكية على طول الطرق السريعة، في محاولة للابتعاد عن طريق القوات الروسية بمساعدة إجراءات « فضّ النزاع» التي تستلزم تقديم إشعار مسبق لتحركات بعضها البعض.

إن حلم الكرد في سوريا لم يكتمل بعد على الرغم من استطاعتهم الاعتماد على الولايات المتحدة لحمايتهم على المدى الطويل. الشيء الوحيد المؤكد فيما يتعلق بهذه المنطقة من سوريا هو أن مستقبلها يعتمد بالكامل تقريبًا على قوى خارجة عن سيطرتها.

في المقبرة بمدينة قامشلي” قامشلو” من يوم الأربعاء ، بدا من المؤكد أن جيلاً جديداً في هذا المجتمع العسكري سيخوض المعركة. قَدِمت جيان هساري التي تبلغ من العمر 16 عاماً مع صديقاتها للمشاركة في تشييع جثامين 12 من المقاتلين. لقد قررت بالفعل مصيرها. حيث قالت :« حلمي هو حمل أسلحة جدي وعمّي والانتقام لدمائهم».

المصدر: نيويورك تايمز

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد