ريبيكا آنا بروكتور
عاشت المرأة الكردية ” زينب ” والبالغة من العمر 73 عاما، في منزلها بمدينة ” عفرين” شمال غرب سوريا لمدة 13 عاما، وأصبحت وحيدة بعد أن توفي زوجها مؤخراً ولم تكن لديها الأولاد.
وفي العام 2018 ، دخلت قوات الاحتلال التركي مدينتها على أعقاب غزو شمال سوريا. وعلى نقيض السكان الآخرين الذين فروا إلى الشهباء القريبة من ” عفرين ” ، كانت زينب متمسكة بالأرض ومصممة على البقاء، إلى أن أجبرتها القوات التركية على المغادرة بعد ممارسات وحشية مورست بحقها.
وأوضحت سينام محمد، الممثلة الخارجية لمجلس سوريا الديمقراطية بالولايات المتحدة، كيف جاء رجال من ميليشيا سورية مدعومة من تركيا ذات يوم وطردوا ” زينب” ولم يسمحوا لها بأخذ أية ملابس. حيث قالت ” محمد ” لصحيفة “The Defense Post” :”إنهم يقومون بترهيب سكان عفرين بالتعذيب، الأمر الذي يدفعهم لمغادرة المدينة حفاظاً على حياتهم”.
لا زالت زينب، التي تم تغيير اسمها حفاظاً على سلامتها، تعيش في ” عفرين” وتتنقل بين منازل أبناء إخوتها. وفي أثناء تواجدها هناك سألت الأشخاص الذين سلبوا منزلها والذين هم عناصر ضمن صفوف الميليشيات السورية المدعومة من تركيا فيما إذا كان بإمكانها العودة، بيد إنهم لم يسمحوا لها.
إن قصة ” زينب” حالها كحال العديد من الأشخاص في شمال سوريا الذي مزقته الحرب . وتشهد المناطق التي ترزح تحت الاحتلال التركي انتهاكات بحق السكان واتساع دائرة العنف، حيث تلجأ جماعات المعارضة المدعومة من تركيا إلى الأنشطة الإجرامية لاستغلال المواطنين، وخاصة الكرد والإيزيديين.
عملية ” غصن الزيتون” التركية
مرّت على احتلال عفرين أربع سنوات. حيث باشرت الدعاية التركية حينها تبربر احتلالها بأنها تسعى إلى تحقيق” الأمن والاستقرار”. وبحلول آذار / مارس 2018 كانت المدينة تعيش تحت وطأة الاحتلال. لم يسر ذلك إلاّ المستوطنين العرب والتركمان الذين استقروا في عفرين، وذلك على حساب تهجير الكرد الذين كانوا يشكلون الأغلبية بالمنطقة.
يواجه الكرد في مدينة عفرين بسوريا، مثل زينب، الاعتقالات التعسفية والتعذيب والانتهاكات الجنسية وسرقة الممتلكات والقتل خارج نطاق القضاء إضافة للعنف ضد المرأة. ومأساتهم لاتزال طي الكتمان لا يعلم أحد بما يكابدوه.
تحريف الواقع
العديد من الوسائل الإعلامية الإخبارية الدولية، أبرزها “نيويورك تايمز” وصحيفة “الموندو” الإسبانية، قامت بتزييف هذه الحقيقة المروعة واتهمت بـ ” الدفاع عن الاحتلال العسكري التركي لعفرين وما صاحب من ذلك من عمليات التطهير العرقي للشعب الكردي على الأرض.
في فبراير/ شباط ٢٠٢١ ، وصفت صحيفة “نيويورك تايمز” أنه بينما تعرضت تركيا لانتقادات واسعة عندما أرسلت قوات إلى سوريا، فإن جنودها الآن “يقومون بحماية ملايين السوريين من مجازر محتملة قد يتعرض لها هؤلاء على يد قوات الرئيس بشار الأسد”.
وفي هذا السياق رفض” مركز روج آفا للمعلومات “، وهو وكالة أنباء في شمال شرق سوريا، التقرير قائلاً إن عفرين ” تعاني من اختطاف نساء وفتيات الإيزيديات والكرد، حيث وصل العدد إلى أكثر من 150 حتى الآن، فضلاً عن جرائم عنف أخرى، وجُل هذه الجرائم ترتكب من قبل الميليشيات التابعة لتركيا”، وذلك بناء على أرقام من ” تقرير نساء عفرين المفقودات” لعام 2020.
وقالت ميغان بوديت، مؤسسة ” مشروع مفقودات عفرين ” ، لصحيفة” The Defense Post” :” لقد أضحت عفرين واحدة من بين أسوأ الأماكن في سوريا التي كانت تصون قبل هذا الاحتلال، حقوق المرأة إضافة للتمثيل السياسي بالمؤسسات”.
وأضافت بوديت، منذ الاحتلال التركي، تم التضييق على حريات النساء في الحياة العامة، ولا سيما السكان الأصليين من النساء الكرديات الايزيديات.
وبالمقارنة بين مناطق الاحتلال التركي ومناطق الإدارة الذاتية تقول بوديت :” لقد تم تطهير الكرد عرقياً من قبل تركيا والقوات التي تعمل بالوكالة عنها بعفرين. وقالت لم يعد هناك وجود للمرأة في الحكم أو الحياة العامة، وهو تناقض كبير مع ما نراه في ظل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وما حققت المرأة من مكتسبات هناك”.
وعلى نقيض الكرد بمدينة عفرين، يشعر سكان مدن مثل ” جرابلس وأعزاز” ذات الغالبية العربية إضافة للتركمان والتي ترزح أيضا تحت الاحتلال التركي بالطمأنينة للتواجد التركي بتلك المناطق.
وتعقيباً على ذلك قال توماس شمينغر، أستاذ العلوم السياسية ومؤلف كتاب روجافا ” الثورة والحرب ومستقبل كرد سوريا” :” في حال أجرى الصحفيون مقابلات مع هؤلاء الأشخاص فقط، فمن السهل أن يصبحوا أداة لترويج الدعاية التركية بالمنطقة”.
كما وأوضح شمينغر لصحيفة ” The Defense Post” أنه في حال أراد الشخص السفر إلى عفرين، فإن الاحتمال الوحيد هو أن يكون منمقاً للإحتلال التركي : “الصحفيون الذين يزورون عفرين لا يمكنهم التحدث إلى الكرد ضحايا الاحتلال التركي بدون” مترجم “، وبالتأكيد لا يمكنهم إجراء مقابلات مع النازحين داخلياً الذين فروا من الاحتلال التركي”.
قصص التعذيب
في أبريل / نيسان 2021 ، سافر صحفيون من مركز “روج آفا للمعلومات ” إلى إقليم الشهباء للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في عفرين وحالة مخيمات النازحين.
هناك قابلوا محمود، وهو كردي يبلغ من العمر 18 عاما من قرية” تل ريندي” في عفرين ، الذي نزح هو وعائلته إلى الشهباء بعد الغزو التركي لعفرين، لكن مع مرور الوقت ساءت أوضاعهم الاقتصادية. ونتيجة لذلك طلبت منه والدته الذهاب للبحث عن عمل في تركيا. اضطر إلى العبور بشكل غير قانوني من الشهباء إلى عفرين ومن ثم العبور إلى تركيا بيد إنه وبعد شهر من تواجده في عفرين تم اعتقاله.
وصف محمود حادثة اعتقاله :” لقد سحبوني من قدمي وأخرجوني من السيارة لمسافة 500 م صوب مركز للشرطة العسكرية، وبدأ المرتزقة من الجبهة الشامية ومرتبطون بالشرطة العسكرية ينهالون بالضرب عليّ بأعقاب بنادقهم وقاموا بتعذيبي”.
لقد كان محمود مقيدا بالسلاسل، وتم تعليقه في السقف، كما وأُجبر على الاستلقاء على الأرض ورجلاه متجهتان لأعلى ، واللتان كانتا تضربان بسوط.
يضيف محمود :” تتعرض النساء لنفس التعذيب الذي كان يمارس علينا “، كما أكد بأن في زنزانته أيضًا جنودًا من تنظيم داعش، وأذريين، وروس، وكردا ،وألماني، وامرأة فرنسية، بالإضافة إلى جنود النظام”.
وذكر محمود في شهادته عن حادثة اغتصاب في السجن :” على سبيل المثال، كانت هناك فتاة تبلغ من العمر 16 عاما من قرية “مرسكي” في عفرين التابعة لناحية شرا. تناوب عشرة رجال على اغتصابها أمام النزلاء الآخرين وضربوها أثناء قيامهم بذلك أمامنا. في المرة الأولى التي أخذوها فيها، كان بأمر من ضابط تركي. ولكن بعد أن تمرد السجناء ضد هذا العمل الشنيع، تم فك أسرها “.
لقد أمضى محمود تسعة أشهر في السجن. وأُجبر والديه على دفع مبلغ 4000 دولار لإطلاق سراحه. ساعده أحد المهربين في العودة إلى الشهباء.
الهوية الكردية على وشك الاندثار
تعمل تركيا على توسيع نفوذها في شمال سوريا منذ عدة سنوات. وإن وجودها بالمنطقة لا يقتصر على الجانب السياسي أو العسكري فحسب بل تشير مصادر عديدة إلى استحواذها الآن على ثقافة المنطقة واقتصادها وحتى تعليمها، مما جعل الكثيرين ينظرون إلى مثل هذه الإجراءات على أنها محاولة “لتتريك” شمال سوريا.
وفي هذا السياق، ذكرت ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية بواشنطن، سينام محمد، :” في الوقت الذي يدعي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن بلاده لا تنوي احتلال سوريا، فإن عمليات” التتريك ” جارية على قدم وساق بالشمال السوري وخاصة في عفرين”.
وتضيف أيضا :”هناك الآن دروس إلزامية للغة التركية في المدارس إضافة لجعلها لغة إدارية في المنطقة. لقد أضحت ثقافتنا وهويتنا الكردية مهددة بالانقراض “.
لقد قام المتمردون المدعومون من تركيا بتغيير أسماء الشوارع في عفرين، وإزالة أي إشارات إلى اللغة والهوية الكردية. وقالت محمد إن المعالم الأثرية في عفرين وكري سبي / تل أبيض وسريكانيه / رأس العين” نُهبت وأرسلت إلى تركيا، لا سيما من تل عفرين الأثري.
كانت نسبة الكرد بمدينة “عفرين” قبل الاحتلال التركي تشكل نحو ١٠٠٪ ، بيد أنها الآن انخفضت لنحو ٢٠٪ مقابل ارتفاع نسبة المستوطنين العرب والتركمان حيث بلغت ٨٠٪ .
ووفقًا لمركز” روج آفا للمعلومات” ، فإن المناظر الطبيعية في “عفرين” تتعرض لتدمير ممنهج. فمنذ عملية “غصن الزيتون” ، تم قطع حوالي ثلاثة مائة ألف (300000) شجرة غابة وزيتون، بينما تم حرق أكثر من عشرة آلاف (10000) هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة. ويتم الآن بيع الكثير من المنتجات الزراعية المتبقية، بما في ذلك الزيتون في تركيا.
دعوات للتدخل الدولي
بعد أن أعطى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تركيا الضوء الأخضر لغزو “عفرين”، ارتفعت الأصوات بوجوب قيام المجتمع الدولي المساهمة في إعادة بناء المنطقة من الدمار الذي تعرضت له.
في آذار / مارس 2018 ، طالب البرلمان الأوروبي تركيا بمغادرة عفرين ووقف الهجوم ، بيد إنه لم يلق أذانا صاغية. كما وأبدت الأمم المتحدة قلقها حيال ارتفاع مستوى العنف في شمال سوريا. وذكرت الأمم المتحدة في تقريرها إن الضحايا يشملون أولئك الذين ينتقدون الجماعات المسلحة التابعة لتركيا.
تناشد سينام محمد منذ عدة سنوات أعضاء الكونغرس الأمريكي في واشنطن العاصمة، حيث يوجد مقرها، إلى إرسال منظمة مستقلة إلى عفرين للتحقيق في الجرائم، لكنها لم تتلق أي رد، بيد أن هنالك بصيص أمل حيال هذا الموضوع في هذه الآونة.
فقد اتخذت الولايات المتحدة مؤخراً سلسلة خطوات لمعاقبة الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا على جرائمه في شمال شرق سوريا. وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية نهاية يوليو / تموز من هذا العام، عقوبات على جماعة “أحرار الشرقية” المتطرفة، مستهدفة ذراعاً تابعاً لتركيا لأول مرة منذ بدء الحرب في سوريا.
كما ووضع ” تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الاتجار بالبشر” لعام 2021 الحكومة التركية على قائمة الدول المتورطة في “تجنيد الأطفال”، لتصبح أول دولة من دول الناتو تقوم بعمليات تجنيد الأطفال.
ولكن تركيا رفضت التقرير الأمريكي، واتهمت واشنطن بـ “الكيل بمكيالين والنفاق” وتأكيدها على دعم أمريكا لقوات سوريا الديمقراطية.
بالنسبة للكرد السوريين، مثل “زينب ومحمود”، تستمر معاناتهم اليومية في ظل الاحتلال التركي، الأمر الذي يتسبب في استمرارية العنف إضافة لحدوث صدمات نفسية تصل إلى مرحلة اليأس. هنالك خشية من عدم عودتهم يوم ما إلى مسقط رأسهم ومدينتهم.
المصدر: ذا ديفينس بوست