نيڤيل تيلر | جيروزاليم بوست
إن العالم المتحضر يدين بالثناء والشكر للأكراد، للشعب الكردي بشكل عام، ولمقاتليهم الشجعان لجهودهم الناجحة لمحاربة “داعش”.
إن العامل الرئيسي وراء قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا، هو الموقف المهيمن الذي اتخذته روسيا بتحالفها مع إيران التي ساهمت في استعادة الرئيس السوري بشار الأسد لقوته. ومن الواضح أن النقاش الهاتفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل عيد الميلاد في مطلع العام الجديد كان مثيراً للقلق.
إن الهزيمة العسكرية التي لحقت بـ”داعش” خلال الثماني سنوات الطويلة من الصراع الأهلي السوري تعود إلى حد كبير إلى الدور الذي لعبه المقاتلون الأكراد. لكن بالنسبة لـ”أردوغان”، فإن الأكراد وطموحاتهم سواء للحقوق المدنية أو للحكم الذاتي، أو الأسوأ من كل ذلك وهو الاستقلال، يعدون بمثابة شوكة عالقة في الحلق بالنسبة لتركيا. تشمل الأراضي التي يقطنها الأكراد مناطق كبيرة من تركيا، ولكنها تشمل أيضًا سوريا والعراق وإيران على امتداد حدودها. لذا لا يواجه “أردوغان” تهديدًا سياسيًا محليًا من أكراد تركيا فحسب، بل الدعم العسكري الذي يتلقونه من الخارج وتحديدًا في شمال شرق سوريا.
قبل فترة طويلة من الحرب الأهلية، كان مليونان من الأكراد في سوريا يمثلون 15% من السكان، يطمحون إلى درجة معينة من الحكم الذاتي. جاءت فرصتهم مع الانتفاضة الداخلية في عام 2011 ضد نظام “الأسد”، بينما أدت الحرب الأهلية داخل سوريا إلى فوز “داعش” بمساحات شاسعة من الأراضي، وبدأ الأكراد السوريون في قتال التنظيم في الشمال الشرقي. وبدعم من القوات الجوية والقوات الخاصة من الولايات المتحدة وحلفائها، بدأت القوات الكردية في الانتصار، واستعادة مساحات واسعة من الأراضي التي يقطنها الأكراد.
واليوم، تعرف المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد والتي تشكل حوالي 25% من سوريا القديمة رسمياً باسم “الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا” (DFNS)، وهي منطقة يتم حكمها بموجب دستور فيدرالي وديمقراطي جديد. إنها ليست دولة ذات سيادة إذا ما سلمنا بصدق تصريحات قادتها، في أنها لا تطمح لتكون دولة مستقلة. إنها منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي، وكانت هناك تحركات رسمية من قبل قادتها للتوصل إلى تسوية مع الرئيس السوري.
في سبتمبر/أيلول 2017، قال وليد المعلم وزير الخارجية السوري إن بلاده منفتحة على فكرة منح سلطات أكبر للأكراد في البلاد. وقال إنهم “يريدون شكلاً من أشكال الحكم الذاتي في إطار حدود الدولة.. هذا قابل للتفاوض ويمكن أن يكون موضوع حوار”. وأشار باتفاق مع روسيا، على ما يبدو، إلى أن المناقشات قد تبدأ بمجرد انتهاء الصراع المدني.
وقال المشرع الكردي عمر أوسّي الذي يشارك في البرلمان الوطني السوري في “دمشق” مؤخرا، إن الحكومة تريد من الأكراد “تسهيل دخول الجيش السوري وعودة مؤسسات الدولة إلى المناطق ذات الأغلبية الكردية شرقي الفرات”، وفي المقابل تقدم “اعترافًا دستوريًا للمجتمع الكردي وحقوقه الثقافية”.
كل هذا قد ينتج في النهاية نسخة سورية من كردستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي، والتي تعترف بها الحكومة العراقية. لكن أي اعتراف رسمي بهذا النظام سيكون بمثابة لعنة لـ”أردوغان”، فمهما كانت درجة الاستقلالية التي يمكن أن يحققها أكراد سوريا، فإن ذلك سيعزز المطالب الانفصالية للأكراد في تركيا.
هذا ما يفسر توغل “أردوغان” في كانون الثاني/ يناير من العام الماضي في منطقة عفرين في شمال غرب سوريا. نجاحه في هزيمة القوات الكردية هناك، يشير إلى أن “أردوغان” قد سمح -وهو يعمل بحرية- باتخاذ إجراء يهدف إلى الحصول على الهيمنة على طول الحدود التركية السورية، مما أدى إلى تدمير المنطقة التي يحكمها الأكراد.
في أعقاب إعلانه عن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، يبدو أن “ترامب” سمح للمستشارين الأكثر حكمة بالانتصار. ببساطة لم تكن الولايات المتحدة لتسمح للجميع بالتوسع داخل سوريا، وإعطاء تركيا تفويضا مطلقا في ثأرها ضد الأكراد، وإلقاء حليفها وشريكها الناجح منذ فترة طويلة في فك عدوهم. لذا، بغض النظر عن مضمون محادثاته الهاتفية مع أردوغان، يشير ترامب الآن إلى أنه لن يكون هناك انسحاب أمريكي متسرع من سوريا. وسيتم ذلك، ولكن بطريقة مناسبة وفي الوقت المناسب.
من المعروف أنه ضمن العلاقات الخارجية ليس هناك أي مجال للأحاسيس، فالواقعية السياسية هي التي تحكم كل شيء. ولكن العالم المتحضر مدين بالعرفان للشعب الكردي بشكل عام، ولمقاتليهم الأكراد على وجه الخصوص، لجهودهم الناجحة لمحاربة تنظيم “داعش” الشرير وغير الإنساني. لقد كانت هناك صراعات طويلة من أجل الاعتراف وتقرير المصير. لقد حان الوقت لتكريم العالم الذي يدين لهم، على الأقل من خلال السماح للأكراد في سوريا بالتفاوض بشأن مستقبل مقبول لأنفسهم كجزء من التسوية بعد الحرب.