“الأسد” و”أوروبا”.. هل يتحرك الغرب لتقديمه إلى المحاكمة؟

نتاليا نوكريد | “ذا غارديان”

مع استمرار الحر ب الاهلية السورية، فإن قتل الأبرياء والاعتقالات العشوائية أيضاً في استمرار، ولكن الأمل موجود في أن تنظر المحاكم الدولية عن قرب إلى الجرائم التي يقوم بها الرئيس السوري بشار الأسد، وأعوانه وأتباعه . هناك أخبار جيدة حتى الآن، حيث تم توقيف ثلاثة من المخابرات السورية في ألمانيا وفرنسا، يشتبه في تورطهم في عمليات تعذيب مخيفة. وقد تصدرت مذكرات التوقيف هذه مقدمة إصدار مذكرات من بين عشرات شكاوي للجرائم في عدد من الدول الأوروبية، بما فيها السويد وأستراليا.

قد تأخذ هذه الجرائم وقتاً وطويلاً لإثباتها، وقد تبدو الأدلة ضعيفة في الوقت الحالي. لكن المحققون الجنائيون في النهاية سيستمرون في العمل لإثبات مسؤولية المجرم والطاغية السوري في قتل شعبه لمدة ثماني سنوات متتالية. بعض المحامين والنشطاء -بروح عالية- يبذلون جهوداً رائعة للتحضير لهذا اليوم الذي سيتم فيه المحاسبة على جميع الجرائم التي ارتكبت ضد الأبرياء في سوريا، وفي أوروبا بدأت هذه الجهود تثمر بأفضل النتائج.

لفهم كل هذا، ولماذا؟ دعونا نمعن النظر لماذا مئات الآلاف من السوريين وصلوا للقارة بعد هروبهم من الكابوس في بلدهم الأم، فمنهم من فر هارباً لإثبات هذه الجرائم والمساعدة في توثيقها، وهناك المقربين من نظام “الأسد” الذين كانوا يستفيدون بطريقة كبيرة، فقد كانت الدول الأوروبية بمثابة رحلة استجمام ولحفظ الممتلكات. والعديد من الدول الأوروبية -على الأقل ألمانيا- تقبل فكرة (الولاية القضائية الدولية)، حيث تسمح للمحاكم الوطنية بالتحقيق ومحاكمة المسؤولين عن مجموعة من الجرائم، حتى لو أنه لم يقم بارتكاب تلك الجرائم على أراضي تلك الدولة من قبل أحد مواطنيها أو ضد أحد رعاياها.بموجب علم الجغرافيا السياسية وقوانينها، خرج “الأسد” مستفيداً عندما تدخلت إيران وروسيا بقوة لساحة المعركة لصالح “الأسد” لحمايته من أي ضرر قد يصيبه.

وبالطبع، ما دعم موقف روسيا، هو أنها كانت متأكدة من عدم قدرة الاتحاد الأوروبي على وقف حرب الدماء المهدورة أو حتى إحالة سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. الولايات المتحدة ايضاً فشلت في سوريا في وقوفها مكتوفة الأيدي دون التدخل لإنهاء الأعمال الوحشية في سوريا. نوعا ما، أوروبا أيضا فشلت، حيث إن جميع المحادثات تتركز الآن على تقليص مساحة سيطرة “داعش”، وقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا.

بالطبع هناك نقاشات مكثفة بين الديموقراطيين، حول ما يمكن فعله حول مصير مواطنيها الذين حاربوا جنباً إلى جنب مع “داعش” أو تم جذبهم لسوريا تحت اسم عبادة مميتة. المنسيين تقريباً في كل هذا، هم السوريون الذين عانوا طويلا.. الأطفال الذين اختنقوا بغاز السارين وغيرها من الأسلحة الكيميائية، وغرف التعذيب، والاختفاء القسري، والمدن والأحياء التي تعرضت لهجمات صواريخ سكود والبراميل المتفجرة التي سقطت بشكل عشوائي.لكل هذا، فإن أمر الرجال المتعلقين في فرنسا والمانيا مهم للغاية. أحد اللاجئين السوريين قال في نشرة للأخبار إنه تعرف على أحد الرجال المعتقلين، حيث كان جلاده، وقال: “لقد بكيت، وبابتسامة على شفتي جعلني ارتعش لساعات.. أستطيع أخيرا القول: الإفلات من العقاب الذي استفاد به عملاء (الأسد) من أوروبا قد انتهى. لذلك الأمل كبير في أن (الأسد) نفسه يمكن أن يقف في المحكمة يوماً ما”.

إن مقاضاة مرتكبي الجرائم الجماعية بالطبع ليس دواء لكل داء، سيكون من الأفضل منع حدوثها. لكن من بعد محاكم حرب نيروبي لعام 1990، تشكلت المحاكم الجنائية الدولية لـ(يوغوسلافيا) السابقة و(روندا) . جميعنا نعلم مدى أهمية القصص المخيفة التي تمت روايتها من قبل ناجين وعائلات الضحايا. هنا حيث إن المبادئ الأساسية المنصوص عليها في اتفاقيات حقوق الإنسان، لا يتم تجاهلها.ونحن نعلم أيضا من داخلنا أنه ليس من النزاهة الوقوف كمتفرجين عن بعد، فهذا يجعلنا عرضة للخطر. عندما تعود الأجيال القادمة لحقبة الماضي، وتكتشف أن نصف مليون من البشر تم ذبحهم وتم تهجير الملايين فقط لأن شخص ما أراد التشبث بالسلطة، سوف يتساءلون: “ماذا كنتم تفعلون؟”. منذ 2011 كانت حقول القتل في سوريا هي الدوامة التي اختفت فيها بداية “لم يسبق لها مثيل”، والتي تم ذكرها في كثير من الأحيان بعد الحرب العالمية الثانية.

بدون شك، فإن السعي لانصاف السوريين عملية معقدة جداً، لكن في حال علَّمنا التاريخ أي شيء، فإن هذا يعني أن معظم الانتهاكات لحقوق الانسان لا يجب أن تمر من دون عقاب، حتى لو أنها تستغرق وقتاً طويلاً لتكون بين يد العدالة. وليس فقط لأن المحاكمات يمكن أن تعمل على الردع ضد المزيد من الذبح. إن جمع الأدلة بلا هوادة وإثبات الحقائق أمران أساسيان لمنع إعادة كتابة التاريخ من قبل أولئك الذين سيغريهم إنكار مثل هذه الجرائم. من المؤكد أن محاكمات (الخمير روك) في كمبوديا التي عقدت بعد عقدين من الإبادة الجماعية، واعتقال (بينوجيت) بعد ثماني سنوات من انتهاء ديكتاتوريته في (تشيلي)، ووفاة (سلوبودان ميلوسفيس) في السجن وليس في القصر، يثبتون هذه العدالة في أوقات عصيبة. لكن في حال أنه لا يمكن للمحكمة الدولية مساعدة السوريين لإنصافهم، فإنه يمكن للمحاكم الوطنية تقديم المساعدة.

بعد الاعتقال في فرنسا وألمانيا، أنا أدعو (كاثرين مارجي أوهيل) القاضية الفرنسية السابقة التي تترأس عملية سيرالية التحقيقات التي تم إنشائها في 2016 لتحضير ملفات القضايا الجنائية لسوريا. أتساءل: هل سيحاكم الأسد؟ كان الجواب “ربما”، ليس فقط (الأسد)، لأن الأمم المتحدة سوف تنظر في جميع الجرائم في سوريا، بما في ذلك “داعش” والمتمردين السوريين. لكن الرسالة الرئيسية لـ(مارجي أوهيل)، هي أن العدالة الدولية سوف تجد طريقة ما. وأصرت على أن “الوضع لن يبقى مسدوداً للأبد.. يجب أن نؤمن بهذه الرؤية”. فريقها (مارجي أوهيل) بحاجة إلى للمزيد من الموظفين والمصادر، ومتحدثين باللغة العربية ومحللين خبراء التكنولوجيا لإدارة الأدلة الرقمية. هذا هو النداء، إذا كنت مهتما، فعليك دعم فريق العدالة، وبهذا سوف يحققون هدفهم. مسبقاً، كان هناك الكثير من الأدلة متوفرة، حيث قام النظام السوري بالاحتفاظ بسجلات شريرة عن أعماله السيئة، وتم تهريب الوثائق للخارج، وهناك كميات هائلة من البيانات الوصفية للبحث فيها، وفي قمة هرم هذه البيانات يجلس “الأسد”. دعونا لا ننسى أن عمره فقط 53 عاما.

ترجمة: هندرين علي

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد