في الصراع التركي الجديد.. سلطات أردوغان على المِحَكْ

ياروسلاف تروفيموف

الحكومة التركية التي خَسِرت الانتخابات البرلمانية، والتي أجريت مؤخراً الشهر الفائت، تفتح جبهتين جديدتين ضد كل من القوات الكردية وتنظيم “داعش”، ويأتي ذلك كرد فعل متأخر جداً لمحاربة الإرهاب. لكن على الجبهة الثالثة، ألا وهي الداخلية، هذا العنف من الممكن أيضاً أن يساعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزب العدالة والتنمية في استعادة السيطرة من جديد. في السابع من شهر حزيران\يونيو الفائت، خسر حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي ينتمي إليه أردوغان، الغالبية في البرلمان للمرة الأولى منذُ أثني عشر عاماً، وهو الآن في مفاوضات داخلية لإنشاء الحكومة. يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إذا ما فشلت هذه المفاوضات خلال الأسابيع القادمة فإنه سيعيد البلاد إلى الانتخابات”.

حالة النمو في المشاعر القومية وسط المشهد الحالي المليء بإراقة الدماء، بالإضافة إلى حالة القمع المتكشفة التي تستهدف خصوم الحكومة من السياسيين الكرد، يمكن أن يدعم حزب العدالة والتنمية في حال حدوث مثل هذه الانتخابات وفق ما يقول بعض المحللين. حصول حزب العدالة والتنمية على نقطتين زائدتين عن الانتخابات السابقة من الممكن أن يعيد له الأغلبية، يجعل من غير الضروري التحالف مع الشركاء السياسيين بخصوص حرية الصحافة، محاكمات الفساد، والسياسة الخارجية. هذا الأمر من الممكن أيضاً أن يسمح للرئيس التركي بمواصلة خططه المثيرة للجدل والمتعلقة بتحويل تركيا إلى جمهورية رئاسية، بالإضافة إلى تقوية وتعزيز سلطته الشخصية.يقول سولي أوزيل المعلق السياسي والأستاذ في جامعة قادر باسطنبول: “باتت السياسة الداخلية والخارجية في تركيا مخلوطة على نحو كبير، والآن من الصعب جداً فصل الاعتبارات السياسية المحلية، عن الأمن وعن الاعتبارات الإستراتيجية لأولئك الذين بدءوا تنفيذ الضربات الجوية.

 يقول عثمان جان، المُشرّع في حزب العدالة والتنمية، خلال رده على اتهامات تطال حزبه وتقول بأنه يستغل الحرب لأغراض سياسية بهدف إعادة الانتخابات البرلمانية مجدداً “الأمر ليس صحيحاً، نحن الآن في مفاوضات جدية، ونحاول قدر الإمكان لإقامة اتفاقية ائتلافية ناجحة، مع حزب الشعب الجمهوري، ثاني أكبر حزب في البلاد”. بينما يركز الاهتمام الدولي على تنظيم “داعش”، فإن القضية الكردية التي طال أمدها في تركيا هي أساسية في هذه الحسابات.

حصلَ حزب الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان، على دعم طويل من الشعب الكردي، حيث هنالك كثيرون يؤيدون حزبه الإسلامي المحافظ.كما وسعت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، أيضاً وراء عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني (PKK) المجموعة الكردية المسلحة المصنفة على لائحة الإرهاب لدى تركيا والولايات المتحدة، والتي تحارب بهدف إقامة حكم ذاتي للكرد في تركيا منذُ ثمانينات القرن المنصرم. توصل كلا الجانبين إلى اتفاق وقف إطلاق النار عام 2013، الأمر الذي فتح الباب للاستثمارات التي تحتاجها تركيا، السياحة، وفرص العمل وبالأخص المنطقة الكردية، الواقعة جنوب شرق البلاد.في السابع من شهر حزيران، العام الجاري، تخلى العديد من الناخبين الكرد الذين كانوا يصوتون في السابق لصالح حزب العدالة والتنمية، وصوتوا لصالح حزب الشعوب الديمقراطية (HDP) الحزب الجديد المدعوم من حزب العمال الكردستاني المحظور، الذي نجح في حملته الانتخابية خارج قاعدته الكردية، وحصل على 13 % من مجموع الأصوات على المستوى الوطني. بعد هذا التوبيخ، وفي افتتاحيته أشاد الرئيس أردوغان، ولمرة واحدة بالكرد الذين تراجعوا ودعاهم إلى اتخاذ موقف “أكثر وطنية”.

يوم الثلاثاء الفائت وبعد انهيار وقف إطلاق النار بين الجانبين، وبالتزامن مع خطف وقتل قوات حزب العمال الكردستاني عدد من الجنود الأتراك بعد قصف الطائرات التركية، معسكرات حزب العمال، طالب رجب طيب أردوغان، بمقاضاة نواب حزب الشعوب الديمقراطية لـ “دفع الثمن”. وأضاف  أردوغان قائلاً بأنهُ “مثلما تنظيم داعش هو إرهابي، فإن حزب العمال الكردستاني الذي يدعّي محاربة داعش، هو أيضا إرهابي”.

واتهم رئيس حزب الشعوب الديمقراطية، صلاح الدين ديمرتاش، حزب العدالة والتنمية، بتعريض مستقبل تركيا للخطر، من أجل المنفعة السياسية الضيقة للحزب الحاكم. حيث قال ديمرتاش للصحفيين “حكومة مؤقتة، برئيس وزراء مؤقت، يجرون البلاد خطوة، بخطوة، نحو الحرب الأهلية، نحو حرب إقليمية”.

 وأضاف ديمرتاش “القتال يجب أن يتوقف على الفور”. احتضان وقبول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، العادات والتقاليد القومية التركية، المصممة لجذب القوميين الأتراك ليصوتوا له، ربما يكون له أثر عكسي، حيثُ أنه قد يدفع العديد من الكرد المناصرين لحزب العدالة، بالتبديل والتصويت لحزب الشعوب ومناصرته.وأدانَ السيد صلاح الدين ديمرتاش، القتل من كلا الطرفين. ولكن إذا ما قام في الأسابيع القادمة بالدفاع عن قضية إراقة دماء مقاتلي حزب العمال الكردستاني، فإنه من الممكن أيضاً أن يخسر الدعم والمساندة وبالأخص، خارج دائرته الانتخابية الرئيسية الكردية. عبر كسر وقف إطلاق النار، وضع حزب العمال الكردستاني، “كل شيء في الخطر، حيثُ أن حزب الشعوب كسب شروط الشرعية السياسية كحزب دستوري قانوني” حسب قول فرانسيس ريتشاردوني، الذي شَغِلَ منصب السفير الأمريكي في أنقرة حتى العام الفائت، ويشغل الآن منصب مدير مركز الشرق الأوسط، في المجلس الأطلسي بالعاصمة الأمريكية واشنطن.

 انزلاق تركيا إلى الأزمة الحالية بدأ في العشرين من الشهر الجاري، وذلك بالتزامن، مع الانفجار الذي حصل بمدينة سروج الحدودية المحاذية لكوباني، والذي بدا واضحاً بأنهُ نُفِذَ على يد تنظيم “داعش”، وراح ضحيته 32 متطوع كردي.

المتطوعون كانوا يخططون السفر إلى كوباني القريبة، المدينة التي هُزم فيها تنظيم “داعش”، في بداية العام الجاري، على يد مقاتلي وحدات حماية الشعب(YPG)، فرع حزب العمال الكردستاني في سوريا، بمساعدة الضربات الجوية الأمريكية، الأمر الذي أرعب أنقرة. بدلا من أن تبتهج تركيا لهزيمة “داعش”، رأت أنقرة هذا التقدم الكردي الحاصل، بأنه مثل خطراً أكبر من خطر وجود “داعش” على حدودها.

قام حزب العمال الكردستاني وكرد على تفجير مدينة سروج، باغتيال عنصرين من الأمن التركي، على علاقة بتنظيم “داعش”، حسب إدعاء حزب العمال. منذُ ذلك الحين، أطلقت أنقرة حملة عسكرية ضد تنظيم “داعش” في سوريا، ومواقع حزب العمال في شمال العراق، عبر قصفها بالطائرات. كما وقامت السلطات التركية بإلقاء القبض على مئات الأعضاء المشتبه بهم من كلتا المنظمتين.

كلاهما القصف بالطائرات وعمليات الاعتقال التي جرت، استهدفت الكرد فقط في أغلبها ولم تستهدف تنظيم “داعش”، ما حض حزب العمال إلى تنفيذ عمليات جديدة في الآونة الأخيرة، الأمر الذي أدى إلى انهيار عملية وقف إطلاق النار تماماً. يقول الباحث السياسي الكردي، مولوت جيفر أوغلو، “الأمر كله سخرية”، وأضاف “تركيا تتظاهر بأنها تريد محاربة داعش، لكن ما تريده في الحقيقة هو محاربة حزب العمال الكردستاني”. يجادل سنان أولجن، دبلوماسي تركي سابق، ويدير حالياً مركز (EDAM) للأبحاث بمدينة اسطنبول، بأن التحول الحاصل في سياسة أنقرة، تجاه تنظيم “داعش”، هو أمر حقيقي، ويضيف بأن تركيا رأت مجموعات مقاتلي التنظيم بمثابة “عدو مفيد” ضد كلٍ من حزب العمال الكردستاني، ونظام بشار الأسد، ولكن تركيا أدركت بأن هذه السياسة القديمة تأتي برد فعل عكسي.

وأضاف أولجن قائلاً “الحملة العسكرية ضد تنظيم داعش، ستكون طويلة الأمد، على الأرجح لسنوات، طالما لم يتم هزيمة التنظيم”. ويكمل أولجن حديثهُ “الضربات الجوية ضد حزب العمال ذات شدة وفعالية أكبر، لكنها على الأرجح ستكون قصيرة الأمد. إنها إشارة من تركيا، بأنها لن تسمح للعمال الكردستاني بالإساءة إلى الفضاء السياسي الناتج عن محادثات التسوية الكردية”.يعلق فاهاب كوسكون، أستاذ في جامعة دجلة بمدينة ديار بكر، أكبر مدن جنوب شرق تركيا، وأحد “الحكماء المشاركين” في محادثات واتصالات السلام، “مثل هذا النهج، على أية حال، يحمل الكثير من المخاطر، فعندما انهارت الهدنة السابقة عام 2011، تَبِعَ ذلك اضطرابات وعنف راح ضحيته 700 قتيل.”. ويضيف كوسكون “صراع أكبر بدءَ واستمر لـ 14 شهر”، “أما الآن، هنالك خطر كبير فيما يتعلق ببدء صراع دموي جديد”.

 * صحيفة (وول ستريت جورنال)

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد