الإبادة الأرمينية.. هل يمكن تناسي الحقد على تركيا؟

واشنطن بوست

بعد أيام عديدة سوف يُحيي الأرمن الذكرى الـ “100” في البلاد وحول العالم، للحدث الأكثر فاجعة في تاريخهم، والمتمثل “بالمذبحة التي ارتكبتها الإمبراطورية العثمانية بحق الأرمن”، وستكون هناك خطابات رسمية واحتفالات ومسيرات ودعوات ضد الحكومات التي لم تعترف بمقتلة الأرمن بوصفها إبادة جماعية. وسوف تكون هناك إدانة للموقف التركي الذي مايزال يرفض الاعتراف بارتكاب الدولة العثمانية لتلك المذبحة.

هذه الذكرى هي أيضاً فرصة جيدة لإعادة النظر في العلاقات التركية الأرمينية. فقد كانت السياسة الأرمنية، ولا تزال، من المواضيع المثيرة للجدل. حيثُ أنها نادراً ما تناقش بصراحة وصدق .هذا الموضوع طال انتظار مناقشته، وخصوصاً أنْ الساسة الأرمن لا يرغبون في إلحاق الضرر بأرمينيا، حيث أن سقف مطالبهم من الحكومة التركية، هو اعترافها بالمجزرة التي ارتكبتها ذات يوم بوصفها حملة إبادة.

أولا: يجب علينا إعادة النظر جذريا في مواقفنا تجاه الأتراك. فنحن لا يهمنا اعتراف العالم أجمع بهذه المذابح بقدر ما يهمنا اعتراف الدولة التركية بالإبادة الجماعية للأرمن. على الأقل في أرمينيا هكذا ننظر إلى الموضوع، علينا أن نتوقف عن التعامل بعداء تجاه الدولة التركية وتخفيف الانتقادات الموجهة لها، كما ويجب علينا العمل على إزالة الاحتقان بين الأرمن والأتراك أنفسهم.

علينا أن نسعى إلى كسب تأييد المواطنين الأتراك كحلفاء لنا في نضالنا من اجل الضغط على الحكومة التركية للاعتراف بالإبادة الجماعية للأرمن. كل ذلك سيكون بعيد المنال إذا واصلنا خطاباتنا المعادية لتركيا. فتمجيد الأرمن للإرهابيين الذين قتلوا الدبلوماسيين الأتراك سنة 1970و 1980 لن يخدم قضيتنا. كذلك تصوير الأتراك كبرابرة متعطشين لدماء أطفالنا الأرمن في المدارس والمخيمات لن يخدمنا، كل هذه المواقف آن الأوان أن نعيد النظر فيها، لأنها سياسة تهزم نفسها بنفسها.

ثانيا: يجب أن نقرر ما نريده بالضبط، هل ما نريده هو الاعتراف بالإبادة الجماعية، أو نريد استرجاع إقليم أرمينيا الكبرى؟، حيث أن بعض المنظمات الأرمنية، وهي الأكثر بروزاً وشهرة، تعتنق الإيديولوجية الرجعية، فهم يقولون بأن اعتراف تركيا والعالم بالإبادة الجماعية ليس إلا الخطوة الأولى في عملية استرجاع أرض أجدادهم الأرمن، وإقامة السيادة الأرمنية من جديد في أجزاء من شرق تركيا. وتحت ضغط من هذه المنظمات، أشارت الحكومة الأرمينية إلى هذه المطالب في إعلانها الأخير بمناسبة الذكرى الـ 100 للإبادة الجماعية، وهذا ما  تضمنه البيان الأخير: إذا وضعنا جانبا جميع أنواع القضايا الشائكة المتعلقة بالقانون الدولي والمعاهدات الإقليمية التي عقدت العزم على الوضع الراهن، فينبغي على الدولة التركية أن توضح موقفها بشأن الاعتراف بمطالب المنظمات الأرمنية في الخارج . لذلك إذا كان ما نريده هو الاعتراف، فلا يجب أن يكون هذا الاعتراف هو الأولوية، يجب التخلي عن هذه الفكرة.

ثالثا: ينبغي التوقف عن الضغط على الحكومة الأرمينية لكي تكف بدورها عن اتخاذ مواقف عدوانية تجاه تركيا، فهذا الأمر لا يدور حول ذكرى الأرمن الذين لقوا حتفهم في عام 1915 فقط، لكن لهذا الأمر تداعيات أخرى تخص أمن ورفاه الأرمن الذين يعيشون اليوم.في الواقع أن إعادة تطبيع العلاقات المجمدة مع تركيا التي انقطعت بسبب النزاع بين أرمينيا و أذربيجان في “ناغورنو وكاراباخ”،  هي مصلحة حيوية لهذه الدولة الضعيفة، والتي لا تمتلك أي منفذ مائي.

لكن وبالرغم من ذلك، عندما اعتمدت أول حكومة أرمنية في مرحلة ما بعد الشيوعية سياسة تعتمد على تطبيع العلاقات مع تركيا، أصبحت هدفا لحملة شرسة من بعض المنظمات الأرمنية في الخارج, وعلى رأسها  منظمة  (الاتحاد الثوري الأرميني). فهذه المنظمات تحتقر أنصار التطبيع مع تركيا، ويدعمون أي نظام في أرمينيا يحقق لهم رغبتهم في اتخاذ مواقف متشددة ضد تركيا، حتى ولو كان نظاما فاسداً ومعاديا للديمقراطية.

أنا لست ساذجا حتى اعتقد انه إذا تخلى الأرمن جذريا عن مطالبهم الإقليمية ضد تركيا، فإن الدولة التركية ستعيد النظر في موقفها بين عشية وضحاها، وسوف يتحول المجتمع التركي تحولا جذريا فيما يخص قضيتنا. بالتأكيد هذا لن يحدث بسرعة، وربما هذا التحول لن يحدث أبدا، وإنما قناعتي هي انهُ يمكن أن يكون هناك احتمال لمثل هذا التحول.

فالحملة الأرمينية هي “خطاب تقليدي ومطالب وإيديولوجية، لا تتعامل مع الدولة التركية إلا من خلال خلق العقبات في طريقها”.في الواقع تركيا شهدت بعض التغييرات الهامة فيما يتعلق بالقضية الأرمنية، ففي مجال الأدب هناك حرية التعبير المتاحة لأجل التحدث عن الإبادة الجماعية، وقد اعترف عدد كبير من العلماء والمثقفين الأتراك بالإبادة الجماعية وأدانوها. وتقام سنويا مراسم للاحتفالات في اسطنبول، كما أن الدولة التركية انتقلت من موقف إنكارها للمجازر، إلى الاعتراف بالمأساة التي حصلت وتقديم التعازي للأرمن.

ينبغي للأرمن أن يسيروا في هذا الاتجاه وان يعمقوه، كما أن على الأرمن إقناع المنظمات الأرمنية في الخارج على ضرورة دعم الموقف المعارض لتوجه الحكومة، وكالمعتاد فإن تأخير اعتراف تركيا بالمذبحة الأرمنية سيؤدي غلي زيادة تفاقم المشاكل بين تركيا وأرمينيا، وذلك سيساهم  في توطيد سوء الإدارة الأرمينية.الكاتب: أرمان غريغوريان \ أستاذ مساعد في العلاقات الدولية\ جامعة لاهاي. بالإضافة إلى أنهُ عَمِلَ كمحلل وضابط في الخدمة الخارجية للحكومة الأرمينية ما بين عامي 1991-1993.

* صحيفة (Washinton Post) الأميركية.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد