كريستوفر فيليبس
الصراعات الأهلية في سوريا تضمنت أربع جبهات متمثلة ب: القتال بين “داعش” ودمشق، وبين “داعش” و غالبية المتمردين، وأخرى بين الثوار والأسد، و اخيرا بين “داعش” والقوات الكردية السورية، وبينما كان الإعلام العالمي منشغلا بالصراع في غزة، كانت سوريا تشهد الأسبوع الأكثر دموية في صراعها الأهلي، فقد قتل حوالي 1700 شخص في سبعة أيام، وذلك بالتزامن مع تجدد الضغط من جانب “داعش”.الثقة التي حاز عليها تنظيم “داعش” بعد انتصاراته في العراق، ونهبه للعتاد العسكري، قد أثر تأثيرا بالغا على ردود الأفعال داخل سوريا وخارجها، وأزاح الصراع عن محوره، متحديا العديد من الافتراضات و آليات التغيير، فالحرب قد دارت على أربع جبهات متداخلة متمثلة ب: حكومة الأسد، “داعش”، غالبية المتمردين، الكرد .
الجبهة الأولى هي بين “داعش” وحكومة بشار الأسد، التي سهّلت بدورها من ظهور “داعش” من خلال إطلاقها لسراح الجهاديين من السجن في محاولة لجعل المعارضة متطرفة، ومن ثم تجنبت، متعمدة، المواجهة العسكرية ضد التنظيم، فنمو التنظيم يخدم النظام، من خلال الرعب الذي يسببه “داعش” للعالم الغربي، الأمر الذي دفع البعض إلى الاعتقاد بأن التقارب مع دمشق هو الخيار الأقل سوءا. هذا بدوره عزز رسالة النظام القائلة بأنه يمثل خط الدفاع الوحيد، وبأنه يحارب أعدائه من خلال محاربته لغالبية المتمردين، بنفس الوقت الذي يتجنب فيه تنظيم “داعش” محاربة قوات الأسد. لكن جميع التحالفات الضمنية تحطمت بعدما هاجم “داعش” ثلاث مواقع منفصلة في حمص والرقة والحسكة، وقتل المئات من القوات الحكومية إلى جانب تصويره لفيديوهات تظهر فيها رؤوس الجنود معلقة بصورة بشعة. كان ذلك خسارة كبيرة للنظام زعزعت ثقة مؤيديه، وظهر ذلك من خلال الغضب والانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تكون عادة نادرة الحدوث. الغالبية تقف مع النظام في توصيفه للمعارضة بمجاهدين طائفيين، كما أن العديد، وخاصة العلويين، قد قاموا بإرسال الآلاف لمحاربة التنظيم حتى الرمق الأخير .تبدو “داعش” الأكثر وحشية من بين الجميع، وخاصة تجاه المكون الثاني “المسيحيين السوريين”، والذين كانوا قد ارتعبوا من التفجير الأخير الذي استهدف المسيحيين في الموصل.
هذه الهزائم حدت من قدرات النظام على حماية مؤيديه، فقوات الأسد أصيبت بالضعف بعد مهاجمة “داعش” للعراق، لان الميليشيات الشيعية في العراق اضطرت للعودة لتدافع عن بلادها، لكن النظام لم يترك الساحة خالية بل قام بحملات منسقة ضد “داعش” مما اضعف من امتداده، ولوحظ ذلك فيما مضى عندما استرد النظام حقل غاز الشعار في حمص.الأسد أساء تفسير الجبهة الثانية، المتمثلة بالحرب بين “داعش” والأغلبية المتمردة، فهو اعتقد أن “داعش” كان سيقضى على الثوار ويفقد الكثير من قدراته قبل أن يعود لمحاربة النظام، وفعلا قام “داعش” مؤخرا باحتلال العديد من اراضي الثوار، ودفع ب”جبهة النصرة” إلى خارج دير الزور، و جعل الغارات متوجهة نحو ريف حلب، لكن لعبة الأسد لم تستمر، فكلما توسع التنظيم واحتل أراض جديدة، كلما احتاج للمزيد من القوات و الإذعان من قبل السكان المحليين، وجعلهم ينضمون إلى صفوفه، وفي نفس الوقت الذي يسعى فيه إلى المزيد من الانتصارات على المجموعات المتمردة المنافسة له، بنفس الوقت يسعى لضمهم إلى صفوفه. وأفاد حسان حسان من معهد دلما في رأي له: فإنه يسعى جاهدا لكسب عقول وقلوب سكان المناطق التي يحتلها …”، فمن خلال توجيه نيرانه باتجاه الأسد فإنه يحقق هدفين: الأول: يدحض الاتهامات بأنه حليف لنظام الأسد، والثاني: بتقديم نفسه كأفضل الطرق للإطاحة بالنظام. من جهة أخرى فإن غالبية المتمردين تبدو منقسمة كما هي في العادة، على الرغم من أنها توحدت بشكل مؤقت لدحر تنظيم “داعش” من الشمال في يناير/كانون الثاني، إلا ان التناحر ظل مستمرا بين مختلف الفصائل المقاتلة من اجل النفوذ والموارد.
وأشارت صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية إلى أن الحليف الأقرب لواشنطن “حركة حزم” اصطدمت مع “أحرار الشام” من أجل السيطرة على معبر باب الهوى الأسبوع الفائت. ورغم محاولة الغرب إصباغ هؤلاء المتمردين بصبغة معتدلة، إلا أنه في الحقيقة معظمهم – بالتحديد الذين لا ينتمون ل”داعش” – هم مع “جبهة النصرة” المحسوبة على تنظيم “القاعدة”، وبالنظر إلى ولاء تلك الجماعات المقاتلة من المتمردين، فإن هناك فرصة كبيرة أن ينشق هؤلاء المقاتلون الشباب المنبهرين بإنجازات “داعش”. هذا وارد جداً، حيث أن المتمردين يواجهون الهزيمة على الجبهة الثالثة مع نظام الأسد الذي الحق بهم خسائر كبيرة .فالنظام الذي تجاهل “داعش”، ركز جهوده على إعادة السيطرة على حلب، مستفيدا من تجربته في حمص، من خلال استخدامه نفس التكتيكات الوحشية التي استعملها للسيطرة عليها في مارس/ آذار الماضي ، من خلال إفراغ المناطق المعادية له بأمطارها بالبراميل المتفجرة ثم مهاجمة ما تبقى من المتمردين. السيطرة على ثاني أكبر مدن سوريا، سيخوّل الأسد لإعلان الفوز في الحرب، حتى وإن كانت معظم المناطق الريفية خارج سيطرته، وبالتأكيد سيشل المتمردين. هذا التراجع وتوسع “داعش” دفع بواشنطن إلى المطالبة بتسليح المتمردين، حيث أصبح البعض يقترح تسليح المتمردين بغية محاربة الأسد و”داعش” بشكل متزامن. انه لمن الخيال، الاعتقاد بأن تنظيم “داعش” هزم الجيش العراقي الوطني خلال أيام، ومن غير المعقول الاعتقاد بأن مجموعة تتضمن ميليشيات متناحرة لا تنسيق بينها قد تجاوزت الانقسامات التي استمرت على مدى ثلاث سنين لتصبح افضل، و حتى وأن استطاعوا الاتحاد فالأرضية غير ملائمة. الرئيس أوباما قد سخر 500 مليون دولار لتدريب و تسليح المتمردين، ولكن هذا القرار لن يٌنفذ حتى حلول عام 2015 كما أن الإمدادات العسكرية السرية ستصل فقط لثماني قوى، مختارة بعناية فائقة ولكنها ذو تأثير محدود. بعد حادثة تحطم طائرة (mh17) في أوكرانيا، أصبحت هناك رغبة اقل لدى البيت الأبيض بتزويد مضاد الطيران (manpade) الذي يطالب الصقور بإرساله، وبالتحديد بعد ثلاث سنوات من دعم فصائل المتمردين المتنافسة، فأزمة “داعش” أيقظت كلاً من السعودية، قطر، تركيا ودفعها إلى تنسيق أعلى من سابقه، هذه الجهود قد تكون كافية لإبقاء الثوار في الميدان، ربما في أدلب ودرعا، وإنها قد تمنع العديد من مقاتليه للانضمام لتنظيم “داعش”، لكن ليس من الممكن أن يشكلوا ندا حقيقيا ل”داعش” إلى جانب أن زيادة الدعم سيكون متأخرا لمنع الأسد من الزحف إلى حلب . لقد حصلت تغييرات كبيرة في الجبهة الرابعة، ولكن قلّ تداولها على الإعلام، والمتمثلة بالقتال بين الفصائل الكردية السورية من جهة و تنظيم “داعش” من جهة أخرى، فالفصائل الكردية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، استفادت بدورها من الحرب الأهلية القائمة في سوريا، لإقامة إقليم مستقل، ليصطدم مع “داعش” المعادي لرغبتها. ففي شهر تموز شهدت كوباني قتالا مكثفا بين فصائل حزب الاتحاد الديمقراطي وتنظيم “داعش” الذي جاء من تركيا، وخوفا من تنامي الشعور القومي الكردي، قامت تركيا بإغلاق حدودها منعا لتسرب أي دعم من جانب حزب العمال الكردستاني، وفي الوقت نفسه غضت الطرف عن الدعم الذي كان يصل إلى تنظيم “داعش” عبر حدودها.هجمات “داعش” في العراق كان له بالغ الأثر على تركيا، فأنقرة أدركت أخيرا حجم التهديد الذي يمثله تنظيم “داعش”، وأصبحت تتخوف من أن مدينة عين العرب (كوباني) ستمنحه محطة للهجوم على تركيا، مما جعلها تفتح الحدود أمام عبور حوالي 1000 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني إلى سوريا لمساعدة حزب الاتحاد الديمقراطي لوقف تقدم تنظيم “داعش”. بينما سيستمر التصادم بين الكرد و”داعش”، اتخذ الاتحاد بين قوات العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي طابعا وآليات جديدة. ومن السخرية أن هذا الاتحاد من الممكن أن تدعم تركيا بحاجز يفصل بينها وبين تنظيم “داعش”، هي بأمس الحاجة إليه، لكنه في نفس الوقت يزيد من احتمالات منطقة حكم مستقلة للكرد في سوريا.
وعلى الرغم من هذه التكتيكات المتغيرة ، فإن أي مجموعة من المجموعات الأربع غير مؤهلة لفوز صريح. الأسد قد يأخذ حلب، لكنه سيواجه زيادة الضغط من قبل “داعش” الذي يتم مده بدعم عسكري محدود، وكذلك الأغلبية المتمردة قد تهزم هزيمة وشيكة، ولكن قد يساهم الدعم الخارجي في بقائها على وضعها. كرد سوريا الآن يتلقون الدعم من حزب العمال الكردستاني، لكن الحزب لا يزال حتى الآن مقيدا بوجود الحدود التركية، حتى تنظيم “داعش”، الذي يبدو مسيطرا على الوضع، يجب أن يتحول من غازي إلى محتل، ليكسب ما يكفي من المقاتلين والمدنيين لمواصلة زحفه نحو الغرب، فالحرب الأهلية قد تطورت بصورة واضحة بين الجبهات الأربعة لكن مع زيادة حدة الصراع تزداد الحاجة إلى إنهائه.
* موقع (The Royal Institute of International Affairs) البريطاني. الترجمة: رويا معو.