صلاح الدين مسلم
تقع كوباني بين حدود مصطنعة وضِعَتْ عَقِبَ اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، حيث جزأت عوائل بين تركيا وسوريا، يحدها نهر الفرات من الغرب والجنوب الغربيّ وهو الذي يفصلها عن مدينة حلب، 160 كم شمال شرقاً. تعرضت المقاطعة ممثلة بالمدينة ومئات القرى التابعة للتشويه عقوداً كما سائر مدن وقرى روج آفا، وبعد الثورة السورية التي بدأت عام 2011.
تحرير كوباني.. الكرد والخط الثالث في 19-7-2012 كنت متواجداً في حلب، عندما قرأت على صفحات التواصل الاجتماعي خبر تحرير كوباني وإنهاء تواجد النظام البعثي الأمني الممتد لعقود، حينها سألت صديقاً لي ما الذي يحدث في كوباني؟ قال لي حينها: تعال لترى الحلم وقد صار واقعاً، لم أفهم هذه العبارة حينها! كيف استطاعوا إخراج جنود النظام السوريّ من هذه المدينة الكردية بسهولة؟! فقد كان النظام البعثيّ يحاصرها، ويمنع عنها كل شيء حيّ، حتى كانت مياه الفرات تمرّ بالقرب منها 30 كم، ولم يستجرّ الماء إليها خوفاً من انتزاع الصداقة الحميمة بينه وبين تركيا حينها، مع أنّ والده استجرّ المياه إلى قرى الرقّة العربيّة المالحة التي لا تعادل خصوبة سهل سروج السهل الممتدّ والمنبسط قبل رسمْ الحدود بين تركيا وسوريا، كل ما سبق دفعني إلى الذهاب شخصياً لرؤية الاستقلال الذي يتحدّثون عنه؟!وفي طريق السفر إلى كوباني اجتزتُ حاجزً للجيش السوري في الشيخ مقصود، ووصلت بعد مئة متر قرب الشقيّف إلى حاجز تفتيش تابع للجيش الحرّ الذي كان فيه الملتحي وغير الملتحي حينها، ووجوههم مبتسمة وكأنّ النصر على النظام قريب جدّاً، لم أفهم حينها لماذا كان النظام راضياً عنّي لأنّي من كوباني والجيش الحرّ أيضاً، فكلا المتصارِعَين كانا راضييَن عنا نحن الكرد، لأنّ معظمهم قرّروا حينها أن ينتهج الخطّ الثالث المحايد، دون أن يدرك المتصارعين معنى الخطّ الثالث. شعور الغبطة انتابني لدى وصولي كوباني ورؤية لافتة مكتوب عليها اسم المدينة باللغة الكرديّة، ولأوّل مرّة مررْتُ بشوارعها والأعلام الكرديّة وحدها التي ترفرف أنحاء المدينة بعد اجتثاث كلّ الأعلام الغريبة عن ثقافة كوباني الكرديّة، وكلّ الأسماء قد تغيّرت، فمراكز الاعتقال والتعذيب تحوّلت إلى مقرّات حزبية ومراكز للفنّ واللغة والثقافة والصحّة…شعور غريب انتابني وأنا أتجوّل في مقامات هذه المدينة المنتشية التي زاد عدد سكانها، وتضاعف إلى ثلاثة أضعاف خلال سنة بعد التحرير، وبات العمران والبناء أمراً ملحوظاً وملفتاً للنظر في كلّ رقعة من المدينة، واللغة الكردية الصافية الخالية من المفردات الدخيلة طغتْ على الحياة اليومية بين الناس، وأنا لا أفهم معظم الكلمات الجديدة التي تحوّلت إلى العربيّة والتركيّة بعد أن فقد المجتمع مؤسساتِه الثقافيّة.
تجربة الإدارة الذاتيّة والأمّة الديمقراطيّة
إنّ تجربة مقاطعات روج آفا الثلاث في ترسيخ مبدأ الإدارة الذاتيّة، جُوبِهَ بالرفض المُسْبَقْ من البعض حتى دون الاطّلاع على هذه التجربة، وكان الحكم عليها مسبّقاً بأنّه مشروع انفصاليّ هادف إلى تقسيم سوريا، دون التمعّن في هذا المشروع الذي يعدّ حلّا لسوريا، بل ويمكن أن يُطَبق على مستوى دول الشرق الأوسط.لقد كان الفشل نصيب هذا المشروع المتكامل من خلال عدم قدرته حينها على إيصال هذه الفكرة المتكاملة إلى الشعب السوريّ على وجه الخصوص، وذلك من قبل وصول الإعلام الكردي إليهم لأنّه مهمّش عمليّاً من قبل منظومة الإعلام العالميّة التي توجِّه العالم، وبما أنّ الإدارة تجري عمليّاً على الأراضي السورية لذلك تكمن الطامّة الكبرى في استصغار المشاريع المنبثقة من الشعب، والتطلّع دائما إلى المشاريع العالميّة، لعدم تخلّصنا من سيطرة الفكر الغربيّ علينا، ولضعف قدرة الإعلام الكرديّ على إيصال هذه الفكرة إلى الشعب السوريّ وليس إلى الطغمة الحاكمة والطبقات المهيمنة على الفكر العربيّ والكرديّ على السواء.تعتبر فكرة (الأمّة الديمقراطيّة والإدارة الذاتيّة) من وجهة نظري، خلاصاً للشعوب المضطهدة التي عانت ولا تزال من الديكتاتوريات التي استغلتهم وسرقتهم، وخرجت من رَحِمِها الطبقات المسيطرة التي تقود المجتمع وتفرّقه وتشتّته بل تخصيه وتجعله فردانيّاً لا يؤمن بالجماعة أو الاتّحاد، وبذلك يمكن الانقياد بسهولة إلى اليأس والحزن في أيّة مصيبة تنهال عليه، وإن كانت صغيرة جدّاً. لقد كانت تجربة الأمّة الديمقراطيّة التي ترفض السلطة فيما بينها وتعتمد على مأسسة المجتمع عبر مؤسّساته الحياتيّة اليوميّة كالخدمات والصحّة والسياسة وصولا إلى الحماية، وكانت مؤسّسة الجيش المتجسّدة في وحدات حماية الشعب (YPG) التي تعدّ مؤسّسة اجتماعية تنبثق عن المجتمع ولا تعدّ طبقة عسكرتاريّة منفصلة عن المجتمع، والعلاقات بين هذه المؤسّسات هي علاقة أفقيّة لا هرمية من الأعلى إلى الأدنى، بل علاقة تسلّم التقارير فيها من المجتمع إلى القيادة، وتعاد إلى المجتمع، وكذلك دور المرأة الفعّال في المؤسّسات كافّة، فالمرأة لها مؤسّساتها الخاصّة إضافة إلى المؤسّسات التي تعمل فيه مع الرجل معاً، ففي كلّ المؤسّسات طبّقت النسبة الدنيا لكلا الجنسين وهي نسبة 40% ، وهنا موطن النجاح أيضا في تمثيل المرأة الجاد والفعّال في المؤسّسات كافّة منها مؤسّسة الحماية الذاتيّة.وتكمن قوة وحدات حماية الشعب في سعيها وراء الترسيخ الدائم لمبادئ الأخلاق الاجتماعيّة والسياسيّة اليوميّة، وفي دور المرأة الفعّال والاستفادة من المرأة وطريقتها المختلفة في القتال التي تكسب الدفاع تنوّعاً، كذلك التركيز على الدفاع وعدم الاعتماد على الهجوم إلا في حالات الدفاع، فالهجوم وسيلة وليس غاية، وهذا ما افتقرت إليه معظم كتائب “الجيش الحر” و”داعش” والنظام على حدّ سوا .لم تضع وحدات حماية الشعب قيوداً للانضمام في صفوفها، ولم تنظر إلى لونه أو عرقه أو لغته، واعتمدت شعار الأخوّة والعيش المشترك والديمقراطيّة المجتمعيّة أسس تقدّمها. كلّ ما سبق لم يرضي الدول التي تحتل كردستان، وعلى وجه الخصوص الدولة التركيّة التي تقود حرباً خاصة ضد الكرد وتحاول القضاء على الوجود الكرديّ وعلى وجود الشعوب غير التركيّة ضمن حدود الدولة التركية الحالية، وضمن الدول المحاذية لها، وبعيون مركز القيادة والقوات الخاصّة والدولة العميقة في تركيا، فإن استمرار مشروع روج آفا مستقراً آمناً يجعل منهُ مثالاً يُحتذى به في كل منطقة الشرق الأوسط على المدى البعيد، فهو مشروع يهدّد المصالح الإستراتيجيّة لدول العالم الاحتكاريّ، وسيكون الاتّفاق الاجتماعيّ بديلاً عن الاتّفاق السلطوي، فالإدارة الذاتيّة تشبه الاتّفاق العشائريّ بصورة مصغّرة، فالعادات والعرف تحلّ محلّ القانون، ومفهوم العكيد أو حماة العشيرة بديل عن الجيش البعيد عن الأمّة، والأكاديميّات المعرفيّة والعلميّة والتدريبيّة التي تقام في المضافات بديل عن مركز الدراسات الإستراتيجيّة التي تضخّ المعلومات التي تقود المجتمع وتسيطر عليه وتقوده.لكن بعد استنزاف المركز العالميّ كلّ الحلول المطروحة من دول قومية انهارت، إلى دول ليبرالية لم تلق القبول الاجتماعي حيث يتفكّك الجيش ويصبح مؤسّسة عالة على المجتمع، وكذلك مشروع الإسلام السياسيّ الذي أنتج داعش وأعاد إحياء الهيمنة والتوسّع والمدّ الإسلامويّ والسلطنة التي تريد إحياء أمجاد العثمانيين. وما يقود المجتمعات ومن ضمنها المجتمع العربيّ هي هذه المؤسّسات الاحتكاريّة الليبراليّة من خلال الإعلام العربيّ المتضارب، الذي يشتّت الفكر ولا يوحّد، ومن خلال التيّارات الدينيّة التي تكفّر بعضها البعض، والتيارات اليساريّة والليبراليّة واليمينيّة التي تتناحر فيما بعضها البعض، ناهيك عن الفكر القومي الذي يعيش في ذهنيّة الفرد التي وضعته في حدود ولغة وعلم يقدسون كل تفصيلة من تفاصيله.وهذا ما أدّى إلى شرذمة الفكر العربيّ وتشتيته وحالة اليأس وعدم الإيمان بكينونته ووجوده بعد مأساة فلسطين التي جزّأت شخصيته عندما وقف محتاراً لا حلّ أمامه، بعد أن قتلت السلطاتُ هذه المقاومة أمام العدوّ الصهيوني، وجعلته لا حول له ولا قوّة أمام عدوّ يمكن القضاء عليه بكل يسر وسهولة إذا اتّحدت إرادات المجتمع.فمجازر الغوطة ودير الزور وداريا وغيرها، لم تحرّك لها المجتمعات العربية قط ولم تستطع أن تجبر أي سلطة في الوطن العربيّ أن تتّخذ موقفاً مصيريّاً، بل لم تستطع أن تشعر العربيّ أنّ له أخاً يسانده في أوقات المحن.وتجربة مظاهرات الأمّة الديمقراطيّة في تركيا في مساندة كوباني يجب أن تكون درساً تحتذي به الأمّة العربيّة التّي عاشت ربيعاً جميلاً لكنّه لم يدم ولم يبلور بسبب كلّ ما ذكرناه سابقاً.إنّ الإدارة الذاتية التي أعلنتها مقاطعات غربي كردستان تُعَدُّ طعنةً في خاصرة الدولة القوميّة وعلى الأخص الدولة القوميّة التركيّة التي دأبت وما تزال تدأب على دق إسفينها في جسد الأمم الديمقراطية وخاصة الأمة الكردية، ومن خلال الاطلاع على نتائج هذا المشروع الذي لا يحقق آمال هذه الدول المتوغلة في الشرق الأوسط والتي لمّا ترضَ أن يتكاتف أيّ مجتمع على وجه الأرض لئلا يكون أنموذجا يُحتذى به لدى أمم العالم أجمع، ولئلا تتهاوى إمبراطوريّتها الخلّبيّة، فقد سعت بدبلوماسيّتها، وابتسامتها الودود أن تبثّ سمومها في هذه التجربة التي لا تستسيغها، حتى وإن كانت تقول في قرارة نفسها: إنّ هذا حلم. لكنها عندما فشلت في قتل هذا المشروع من خلال إصباغ تهمة “التقسيم” عليه، عبر اللعب بمشاعر القوميين، وبعدها تحوّلت إلى فكرة أنّ هذا المشروع خطر على الإسلام، فاستخدمت ورقة الإرهابيين الجاهزة تحت الطلب أينما ضاقت بها السبل، مع العلم بخطورة هذه الورقة، التي أدركتها أميركا سابقاً في أفغانستان والعراق. وكأنّها مجبرة، لا خيار آخر لها. والآن قد قدمت آخر ورقة لها من خلال حربها الضروس ضد مشروع الإدارة المجتمعية التي لم ترَ لها مكاناً فيه.
حصار كوباني والهجمة البربرية من تنظيم “داعش”
في بداية الأمر بدأ الحصار على كوباني من خلال جماعات أو مجموعات وكتائب متشدّدة تابعة للجيش الحرّ ، عبر قطع الكهرباء عن المقاطعة والتضييق على أهالي كوباني، حتّى أعلنت “جبهة النصرة” حصارَها من الشرق بعد سيطرتها على كري سبي “تل أبيض”، ولاحقاً تحوّل الحصار من “النصرة” إلى “داعش”، الذي سيطر بدوره على جهات كوباني كافّة وبالطبع الحدود الشماليّة متاخمة للحدود التركيّة، وقد دام الحصار على كوباني مدّة سنة ونصف حتّى الهجوم البربري الأخير لمقاطعة كوباني في 15-9-2014.لقد كانت هجمة شرسة منظّمة على كوباني، وكانت تعبيراً صارخاً عن الحقد الدفين على تقدّمها وتطوّرها، وردّاً همجيّاً على سعيها الحثيث نحو الديمقراطية المجتمعية، ووصول بناها المعرفية إلى درجة باتت تفضح فيه الكيانات الاستبدادية، والعقليّات القومويّة البدائية، وهذا الظلام الذي لطالما كرّسه المحتكرون، كشفت هذه الحرب بشاعة الذين يحاربون ضدّ كوباني، ومدى همجيتهم ووحشيتهم، هذا الوحش الداعشي البعيد عن كل مظاهر الإنسانية، إذ لا مناصّ من أنّ هذه الإدارة الذاتيّة ستحقّق القوّة للمجتمع، وستؤكّد على هويّة الأمّة الديمقراطيّة الّتي سيعيها الكرد والعرب والفرس والترك والسريان والآشور وكلّ الأثينيات في الشرق الأوسط. بدأت المؤامرة على الشعب الكرديّ في كوباني كما قلنا سابقاً في 15- 9- 2015، وبدأ التحضير للمقاومة التاريخيّة، وبدأت الدهشة أمام الخلطة الداعشيّة السحريّة التي تحضّرت لأعنف هجوم برّي على مدينة صغيرة مثل كوباني، حيث نضَجَ الامتزاج التشويهيّ الإسلامويّ المطعّم بالفكر القومويّ، ودمجه بالخلطة الحداثويّة الرأسمالية، لتصل في النهاية إلى مجتمع مفكّك مشوّه تسهُل السيطرة عليه، من قبل أشرس المنظومات العدائيّة على مرّ التاريخ، وبدأت نبتة الفكر القومويّ الإسلامويّ المدجّج بالمال في معامل التدجين الحداثيّة وهي تحضّر نفسها للعشاء الأخير، عامٌ على بداية النهاية لهذا الخليط الداعشيّ، الذي أرعب المفكّر الطبقيّ الانعزاليّ، وأتباعه هذا التشوّيه الانقياديّ لينضمّ مع الانتهازيّين أمثاله إلى قافلة العبيد.لقد قرّرتْ وحدات حماية الشعب في كوباني منذ اليوم الأوّل لهذا الهجوم الوحشيّ المدمّر عدم التخلّي عن شرف المقاومة، والدفاع عن الوطن والعرض والشرف والثأر من أولئك “الأوغاد” الذين دنّسوا طُهر حضارة ميزوبوتاميا، وقرّر الشعب الكردي في كوباني الالتفاف حول هذه الوحدات، وعدم التخلّي عنها بكلّ السبل الممكنة، عبر إرسال الشباب إلى خنادق الشرف، وأعلن بعض العظماء الخالدين في الخنادق؛ أنّ شرف النضال الحقيقيّ في الدفاع، وإن داست الدبابات عليهم، فإنّهم لن يتركوا الشعب عرضةً لوسن الصهر والإبادة، فصار المناضل المغبرّ في المعارك المصطخبة متعباً منهكاً، بعد أن أثقل كاهله استشهاد رفاقه العِظامْ وهو متعهّد بعدم التخلّي عنهم، استطاعت المناضلات الجسورات إيصال أصواتهنّ إلى أقاصي العالم، فكان نضالهنّ في كوباني الأنموذجَ المتكامل للوصول إلى التحرّر من الطبقيّة والتفاوتيّة والفوقيّة والانعزاليّة، وبات اسم الكرد يتردّد على كلّ الشفاه، وباتوا يؤسّسون منظومة فكريّة متراصّة مترابطة، تقوى وتنضج بالتزامن مع الوقت بعد أن تحرّرت من سياسات القيادات العديدة المتشعّبة الّتي عرقلت عمليّة التّاريخ بدلاً من قيادتها ودفعها إلى الأمام، نعم إنّها كوباني التي حرَّرت العقليّة الانعزاليّة الإقصائيّة التي أبعدت الكرد عن ساحات الحياة، لعُقم العقليّة القومويّة الإسلامويّة الراديكاليّة الدوغمائيّة ناهبةَ الحضارات، جنود الحداثة الرأسماليّة العالميّة، تكفينا ملاحمكن كي ننسج من عطر شموخكن آيات الترتيل في المساء، ونروي قصصاً لأحفادنا الذين سيرفعون رأسهم أمام المترامي على أبواب السلاطين، ويبتهلن بصور اللواتي ينسجن من خيوط الشمس وشاحاً يقي خوفنا من زمهرير الغيلان وغِلّ الغربان.كان الصراع في كوباني بين المجتمع الذي بات يسترجع ذاكرته الأخلاقيّة السياسيّة وبين القوى الظلامية الراديكالية المتوحشة، بين المجتمع والسلطة، بين الذهنية العاطفية الأنثوية وبين الذهنية الذكورية التحليلية الجافة العمياء ، بين الدفاع المشروع والتوسع السلطوي، بين الحب والكراهية، بين الإنسانية والتوحش، بين التاريخ الاجتماعي المنفي وتاريخ السلطة الذي دوّنه الذكور السلطويون، وهذا ما أدركه العالم بأسره. لطالما كان الدين الإسلاميّ دين الأخلاق والهداية والتكافل الاجتماعي، لكنّ جماعات الإسلام لا تكف عن استغلال الدين وزجه في السياسة لأغراض ومصالح باتت معروفة للجميع، فكانت الثورة المضادة بعد وفاة الرسول حتى الآن أقوى من ثورة الرسول الاجتماعية نفسها، وما “داعش” إلّا نهاية هذه الثورة المضادة على أيدي الكرد الذين توحّدوا في هذه الحرب الضروس على كوباني الأبيّة. انهار بعض المعوّلين على سقوط كوباني عندما صعقهم خبر تحرير المدينة، فانهاروا في خطاباتهم، لأنّ عرشهم بدأ يهتزّ، فالمقاومة أوصلت الشعب إلى هذا النصر، وأدرك العالم ماذا يعني انتصار الشعوب الذي اختصر ضمن معركة الحياة في كوباني. شرفٌ لنا نحن الكرد أن نسطر مقاومتنا عبر العصور ونقول: -هكذا انتصرت كوباني، ودحرت أعتى المجموعات بربريةً. أدرك العالم أنّ كوباني تحارب عن العالم هذا الإرهاب المدمّر وأدرك الجميع لماذا تموِّل الاحتكاراتُ هذا الجيشَ الأسود الملتحي المقنع، سوف يأتي يوم تُعَلَمْ فيه بطولات ومقاومة المدينة دفاعاً عن الإنسانية جمعاء………………………………………انتهى الجزء الأوّل..