سري ثريا أوندر: فائض الحرب في تركيا أكبر من مخزون السلام

عرفان أكتان

ما هو مصير السياسة بأدواتها وركائزها الحالية في تركيا إذا ما تم اعتماد السلام الداخلي خياراً استراتيجياً للحكومة وممثلي القضية الكردية معاً؟ بحسب سري ثريا أوندر، السياسي المخضرم، والشخصية الفاعلة في مفاوضات السلام السابقة بين الدولة وزعيم حزب العمال الكردستاني الأسير عبدالله أوجلان، ستفقد الأحزاب التركية الحالية، بما في ذلك الحزب الحاكم،  القدرة على ممارسة السياسة. لكن كيف يمكن أن يصبح مثل هذا الهدف “النبيل” (السلام) في العلاقات السياسية تفريغاً للسياسة من مضمونها؟ هذا السؤال ينقلنا مباشرة إلى التحالف الذي توّجه حزب العدالة والتنمية مع ألد خصومه السابقين، وهو حزب الحركة القومية، بعد انتخابات 7 يونيو، حزيران 2015. مع بناء هذا التحالف استأنفت الدولة الحرب عبر كافة أدواتها، من بينها ما وصفه أوندر بالتحالف بين أنصار الحرب بما فيهم العنصر الذي بات يتضح دوره أكثر في السنوات الماضية، وهو “الرأسمال المحارب”، الذي يرافق القوات العسكرية في حروبها الخارجية، وينتشر بين الجبال في منطقة الحرب الحالية كآكل جيف ويجمع حتى حطب الغابات التي باتت تحت احتلال الجيش التركي. ولعل من إفرازات هذا الرأسمال زعيم المافيا “سادات بكر”، الذي يبالغ في تصوير دور مركزي خفي لنفسه – بحسب أوندر – لكنه يضيء على زوايا مظلمة في كيفية صناعة القرار في تركيا.

على الرغم من مرور ست سنوات فقط على انهاء مسار السلام بتفاصيله المكشوفة والمعروفة من قبل الجميع ، إلا أن أسئلة من قبيل من قام بإنهاء هذا المسار؟ وكيف؟ ولماذا؟ لا تزال ضمن الاستفسارات المتكررة.

سري ثريا أوندر، أحد أهم الفاعلين والشهود على عملية السلام منذ انطلاقها، وهو نائب سابق عن حزب الشعوب الديمقراطي. يتحدث أوندر في هذا الحوار حول السياقات المحلية والإقليمية والدولية لفشل عملية السلام، ويشخّص بحرص مسؤوليات كافة الأطراف، بما في ذلك مسؤوليته الشخصية، لكنه يستعرض الأخطاء المرتكبة ضمن سلسلة تبدو أنها معدة بعناية للعودة إلى الحرب.

فيما يلي نص الحوار الذي أجره الصحفي عرفان أكتان في صحيفة “Duvar”:

س- يقول سادات بكر في آخر فيديو له، وهنا اقتبس على لسانه « في اليوم التالي لخروجي من السجن (10 مارس 2014) رأيت في منطقة طرابيا (منطقة سياحية في اسطنبول) قافلة من السيارات لحفل زفاف، تحمل أعلام حزب العمال الكردستاني. لم تكن سيارة واحدة فقط، بل جميعها، كان هذا في اسطنبول، سألت مرافقي: يا بني ما هذا المكان الذي أتينا إليه”؟ هكذا كانت تركيا عندما خرجت. قلت، “يجب أن أفعل شيئًا”. فكّرت على الفور، نظّمت لقاءً جماهيرياً لرفض الإرهاب في ريزي (مدينة في شرق تركيا)… ثم بدأ الناس يتداولون الموضوع. أنا من قام بإشعال الفتيل». وقال بيكر في ذلك اللقاء الجماهيري وهو يشير إلى الحركة الكردية «سنريق دمائهم بغزارة»، وذلك بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، أي قبل يوم واحد من مذبحة “غار” المرعبة في أنقرة والتي راح ضحيتها حوالي 107 شخص من المدافعين عن عملية السلام، خلال هذا اللقاء الذي شجب فيه سادات بكر عملية السلام. يؤكد على أنه من ساهم في إنهائها، وكان أول من « أشعل تلك الشرارة». كما أوحى وزير الداخلية سليمان صويلو، الذي يستهدفه بكر عبر ( فيديوهاته) في مقابلته على قناة ” خبر ترك” أيضاً، بأنه، أي بكر، كان لاعباً محورياً في إجهاض عملية السلام. كيف انتهت عملية السلام بالضبط، ومن قبل من؟

ج- لا يوجد جديد فيما يقوله بكر، عملية السلام كانت أول تجربة سياسية لتركيا. أي أنها كانت مساراً ولّدت اجتهاداتها الخاصة حسب حاجتها الملحة. لم تشهد تركيا من قبل مثل هذه العملية من حيث طبيعتها النوعية التي اتصفت بالمنطق والوضوح. بهذا المعنى فإن عملية السلام تعتبر تاريخية، لكنها كانت تحمل أيضًا الكثير من المشاكل والمخاطر والتهديدات الناشئة. الأسماء التي ذكرتها ليست سوى قلة قليلة من التي ظهرت على السطح، قياساً بالتهديدات الشاملة التي رافقت عملية السلام من قبل أطراف عديدة.

س- حسناً من كان المسؤول عن إيقاف عملية السلام؟

ج- أي تقييم عندما يبدأ في إزاحة التهمة عن كاهلنا، ونتذرع بوجود أسباب خارجية محضة، ستكون نسبة الحقيقة ناقصة دوماً. وقد يبدو الأمر مثيراً للسخرية، ولكن بصفتي عضواً في اللجنة الموفدة إلى إيمرالي، فإنني أتحمل بذاتي، المسؤولية الأكبر عن إنهاء عملية السلام. بدون الافصاح عن هذا الجانب، لا يمكننا البحث عن مسببات وراء إنهاء عملية السلام، وما هي الأجندات الخفية التي تقف خلف ذلك، ومن كان يدير هذا الانقلاب.

س- ماذا كانت مسؤوليتكم؟

ج- اليوم، بتنا على قناعة تامة بأنه ينبغي تكثيف طاقاتنا على خلق مفهوم السلام لدى المجتمع. لا يمكننا أن نفسر انتهاء عملية السلام بالاستفزازات فقط. عندما ننجح في جعل المجتمع يطالب بالسلام ويتمسك به بصلابة، فذلك سيشكل درعاً واقياً للسلام المجتمعي، حينها لن تؤثر أصوات المستفزين على العملية.

س- حسناً لماذا لم تبذلوا طاقاتكم الأساسية على تهيئة المجتمع ليكون مطالباً للسلام؟

ج- خلال عملية السلام، واجهتنا تحديات كبيرة للتعامل مع كمية مشاكل متراكمة ومتضخمة، مما أدى إلى عرقلة مهمتنا المتمثلة بإضفاء الطابع الاجتماعي على أهمية عملية السلام. كان ينبغي أن نتعامل بصورة أكثر جدية مع مسألة صعبة وحيوية كهذه، ونضعها في إطار أوسع وأشد صلابة. كان علينا أن نبرهن بأن السلام لا يتعلق فقط بإنهاء حرب ناشبة في الجبال، ونوضح أن السلام والحرب عمليتان تحددان نمط الحياة بأكملها، من الخبز الذي نأكله إلى الراتب الذي نحصل عليه، إلى الهواء الذي نستنشقه. حينها فقط سيكون بإمكان الناس إجراء المقارنات بسهولة أكبر وسيواجهون أولئك الذين يريدون إنهاء هذه العملية. السلام والحرب لهما لغة ودبلوماسية وأدوات خاصة بهما. للبندقية مكانة صغيرة جداً ضمن أدوات الحرب. الحرب تبدأ باللغة أولاً. لهذا، يجب تهيئة العقول. إن دبلوماسية الحرب هدّامة أكثر من الأسلحة. لذا،  يجب إعطاء الأولوية للدبلوماسية من أجل تحقيق السلام، عوضاً عن لعب أدوار تمثيلية أو القيام برحلات متنقلة بين الأطراف المتخاصمة.

س- هل يمكنكم الشرح أكثر؟

ج- عندما نقول “صناعة الحرب” لا يجب أن يخطر على البال تجارة الأسلحة فقط، وعندما نقول أسياد الحرب لا نعني تجار الأسلحة فقط. لقطاع الحرب، وسائل الإعلام والسياسيين والأكاديميين والمنظمات غير الحكومية والمافيا وجماعات المصالح الخاصة به، بينما تزداد هذه الشرائح ثراءً خلال الحرب، يُحتجز المجتمع في السجن، ولا يُترك له حرية الاختيار بشرط أن يتخندق ويقاتل بصورة عدائية ضد الطرف الآخر.. لم يفسّر أياً من المفكرين الماركسيين من إتيان باليبار إلى رانسيير وألتوسير في القرن العشرين ظاهرة الحرب من خلال المفهوم (CONCEPT). بالنسبة لهؤلاء فالحرب كانت مشكلة ثانوية، ومهمة الاشتراكيين ليست التفكير في المشكلة، وإنما القضاء عليها. يبحث كارل ماركس أيضاً في مسألة الحرب في كتبه ” بؤس الفلسفة” و” البيان الشيوعي” و” الحرب الأهلية في فرنسا”، لكنه لا يعرّف الحرب كمفهوم. في كل هذه الكتب، فإن الحرب مشكلة يجب إيجاد حل لها. في مقالة ماركس المعنونة” الثامن عشر من برومير” لويس بونابرت” و كذلك تلك المقالة التي جاءت بعنوان “الحرب الأهلية في فرنسا”، تم تعريف الحرب على أنها «تأسيس حدود للدولة القومية» وبشكل عام، الحدود تمثل عقبة يجب اجتيازها.

س- لكننا لم نتمكن من تجاوز الحرب، لأنها أصبحت “مؤسسة حدودية وحيدة للدولة القومية”…

ج- هذا يرتبط أيضاً بمدة الحرب. استمرار الحرب يطيل من مداها. مع استمرار الحرب، تصبح القطاعات التي تكسب عيشها من الحرب أكثر عدداً وانتشاراً في جميع مجالات الحياة مثل الأخطبوط. تسيطر هذه القطاعات تقريباً على كل جانب من جوانب الحياة في تركيا، من أصغر التجمعات السكانية إلى المدن الكبرى. جميع المواقف الاجتماعية يسيطر عليها أشخاص لا يملكون الكفاءة والمقدرة. في مواجهة اقتصاد الحرب، الذي ينتشر في كل مكان من مؤسسات الدولة إلى المجتمع المدني، حتى وإن وصل السلام إلى حد مصافحة الخصم، يمكن أن تعود الأمور فجأة إلى نقطة الصفر مع إمكانية القضاء على أي احتمال مستقبلي للسلام.

س- لماذا؟

ج- هناك سببان رئيسيان. أحدهما يسمى اصطلاحاً فوبيا السلام “الخوف من السلام”، وينبع من عدم استعداد الأطراف، التي خلقت نفسها من خلال الحرب، لعملية السلام. والسبب الآخر، هو وجود قطاعات كبيرة وصغيرة استفادت من الحرب. في عملية السلام، كانت هناك حاجة إلى لغة ومحتوى وجهد لتطوير تحركات ديمقراطية وسلمية ضد هذين القطاعين، لكننا لم نتمكن من تحقيق ذلك. تذكر، عندما بدأ التفاؤل في المجتمع يتبدد، ازدادت الاعتداءات الكلامية والجسدية على أعضاء لجنة الحكماء الذين تبنّوا مهمة إطلاع المجتمع عن محتوى عملية السلام. كان هذا مؤشراً هاماً على أن السلام لم يكن قد تحول إلى مطلب اجتماعي. عندما يتم ترسيخ المطالبة بالسلام بين المجتمع، يمكن للمجتمع أن يقف في وجه مناصري الحرب، ليقول لهم «كفى.. يجب حل هذه القضية، ولا يمكنكم تعطيلها».

س- لكن في النهاية، ألم تكن حسابات القوة، هي التي دمرت عملية الحل، بخلاف الاستجابة الاجتماعية السلبية؟

ج- كما قلت، إذا تمكنّا من جعل السلام مطلباً اجتماعياً، فلن تستطع أي حكومة تعطيل هذه العملية. من السهل على الحكومة التي قررت العودة إلى خيار الحرب، ايجاد أدوات داعمة لخيارها. بل أنها لا تحتاج حتى العثور عليها، فالهياكل المساعدة على تدمير العملية هي التي ستجد الحكومة. علاوة على ذلك، فإن بعض تلك الهياكل ستبدأ بتطوير مبادرات واتخاذ خطوات مؤيدة للحرب دون العودة للحكومة. من ناحية أخرى، يجب أن تكون تقييماتنا واقعية. نحن نعلم من تجارب مماثلة حول العالم. إذا قام أحد أطراف الصراع بتحشيد قوة حربية كبيرة ما بعد الصراع العسكري تمهيداً لعملية السلام، أو حتى خلق تصور نظري بأنه يقوم بتجميع القوة، فقد تتحول هذه المقاربة إلى عنصر يعرقل عمليات السلام لا بد.

س- بمعنى آخر، هل كان لمراكمة القوة لدى الحركة الكردية أو ظهورها تأثيراً أيضاً على نهاية عملية السلام؟

ج- في ذلك الوقت، لاحظنا ظهور بعض التشكيلات اللامركزية في المحافظات الكردية، والتي كانت تأخذ أحياناً طابع «العصابات». بيد أنني لست على يقين بأن هذه التشكيلات تتطابق مع أهداف الحركة الكردية. على الأقل، بناءً على حواراتنا في تلك الفترة، أستطيع أن أقول إن الحركة الكردية لم تكن لديها مثل هذه الرغبة. فجأة، ظهرت هياكل ذات تكتلات متباينة، وتحركات مشبوهة، مثل سد الطرقات واحتجاز الناس.

س- هل هذه الهياكل ظهرت في نهاية عملية السلام؟

ج- نعم، لكنني أتحدث بالفعل عن نهج بدأ في التآكل مع انتشار الارتياح النسبي في المنطقة. أوجلان انتبه لذلك، ونقل هواجسه إلى محيطه. وكان هذا الطرح يأخذ مساحة في نشرات الأخبار بين الحين والآخر. كانت هذه واحدة من أكثر القضايا التي اعترض عليها أوجلان قال: «لا يمكن أن يكون هذا موقفنا، وأسلوبنا، وطريقتنا». بالنسبة لأوجلان، كان من غير المقبول القيام بمثل هذه النشاطات بالتزامن مع محادثات السلام، لذلك كان يطالب بـ«التحقيق في هذه القضايا». لكن كلا الجانبين لم يستوعبا بشكل كاف خطورة وتهديدات تلك التطورات السلبية، ولم يقدما مواقف معترضة بشدة. ربما نحن أيضاً، كأعضاء في اللجنة، لم نشدد بشكل كاف على هذا الخطر. لكن في النهاية، وصلت هذه الهياكل فجأة إلى وضعية باتت تحدد فيها قواعد اللعبة برمتها. بينما كان من المفترض مناقشة جميع القضايا في عملية السلام على نطاق واسع في كل مرحلة، من المستوى المحلي وصولاً إلى المركز، باتت عملية السلام مقترنة بقضايا مثل إغلاق الطرق هنا، واحتجاز الأشخاص هناك.

س- برأيكم من كان يقف وراء هذه الأحداث؟

ج- ربما لن تكشف ذلك أبداً. وإذا كان من الضروري دراسة هذا البعد من القضية تحت عنوان عام، وليس على أساس الأحداث، فسيكون من الأصح تسميتها بـ «أزمة ثقة». عندما ننظر إليها استناداً على تجارب عالمية، نرى أن عمليات كهذه (عملية السلام) يجب أن تمر أولاً بمرحلة بناء الثقة. ينبغي أن يتم اتخاذ خطوات متبادلة لبناء الثقة. وبذلك، تبدأ الأطراف المتصارعة بالحوار أولاً، بناءً على الثقة المتبادلة. وهذه لا تقتصر على المرحلة الأولية، بل يجب أن تكون منهجاً متكرراً ومسنوداً طوال فترة عملية السلام. وكوفد، كنا نعقد اجتماعات وزارية مع الحكومة بعد كل لقاء بين إيمرالي وقنديل. ومع ذلك، لم نتمكن أبدًا من تجاوز مثل هذه الأحداث، والتركيز على الأمور الحاسمة والأساسية على جدول الأعمال.

س- ما هي الأحداث التي كنتم تناقشونها مع الحكومة؟

ج- على سبيل المثال، كنا نطرح قضية المرضى من المعتقلين، الذين لم يتم الإفراج عنهم رغم استكمالهم لمتطلبات لإطلاق السراح وفق القوانين الطبية المعتمدة. لأن هذا كان يعتبر الخطوة الأولى لبناء الثقة. لكن عندما كنا نتحدث عن ذلك مع الوزراء، كانوا يضعون أمامنا التقارير الأمنية الواردة من المنطقة. كانوا يقولون «حسنًا، تم قطع الطريق هنا أيضاً، وتم حفر خندق هنا، وتم احتجاز شخص فلاني». لذا، لم تنشأ علاقة ثقة بين الطرفين أبداً. كنا دائماً في إطار الشك المتبادل والاتهام والشكوى. لا أريد لأي شخص يقرأ هذه المقابلة أن يرى فقط الجوانب السلبية للعملية بناءً على ما قلته. على العكس من ذلك، حتى العملية نفسها، على الرغم من كل مشقاتها، لها أهمية تاريخية وإيجابية. لكن الفجوة بين النقاط المشتركة التي يمكن للأطراف أن يجتمعوا ويتفقوا عليها كانت واسعة جداً.

س- لماذا لم يتم ردم هذه الفجوة؟

ج- لقد ركّز الحزب الحاكم بكل طاقاته على فرضية إلقاء حزب العمال الكردستاني سلاحه، على مبدأ «فليتم ذلك، وبعدها كل شيء سيكون سهلاً». بمعنى ما، كانوا يحوّلون رغباتهم إلى برنامج ويصدقون شكوكهم. بينما الطرف الآخر كان ينتظر خطوات ملموسة ومضمونة دستورياً في القضايا التي كان يعتبرها إشكالية. كانت هذه الفجوة واضحة جداً، وهي من أهم الاسباب الجوهرية في تعطيل مسار السلام. وإلاّ لما كان بمقدر عمل استفزازي تم هنا أو لقاء جماهيري عقد هناك أن يؤثر على هذا المسار، أو يصبح سبب محوري يجري تسليط الضوء عليه، خلال قراءة تفاصيل أسباب انتهاء عملية السلام بشكل عام.

س- حتى الآن نقوم بتقييم انهاء عملية السلام على أساس فشل حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى السلطة بمفرده نتيجة نجاح حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات 7 يونيو/حزيران. في واقع الأمر، قبل 7 يونيو/حزيران، كان أنصار حزب العدالة والتنمية يدلون بتصريحات تشير إلى أن عملية السلام ستنتهي إذا تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي العتبة. في هذه الحالة، ألا يُنظر إلى فشل حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى السلطة بمفرده في 7 يونيو/حزيران كعنصر أساسي في عملية السلام، وليس عنصراً ثانوياً؟

ج- بكل تأكيد، كنت من أوائل الذين صرّحوا بأن النجاح الانتخابي لحزب الشعوب الديمقراطي، والهزيمة الكبرى لحزب العدالة والتنمية، ستدفعان المشهد صوب نقطة الانهيار في عملية السلام. لكن لو تم وضع الركائز على أرضية صلبة وجعل السلام مطلباً اجتماعياً، لما كان بالإمكان أن يتم التضحية بعملية السلام من قبل حزب العدالة والتنمية. لما كان بإمكان حزب العدالة والتنمية ولا أي حكومة أخرى تدمير هذه العملية.

س- اعتباراً من 7 يونيو/حزيران 2015، مباشرة عقب انتهاء عملية السلام، بدأت حرب جادة مع جماعة فتح الله غولن، ومع لقاء “يني كابي” الجماهيري، الذي تم في 7 أغسطس/آب 2016 غداة محاولة الانقلاب، تم تشكيل ائتلاف حاكم جديد يتكون من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وبعض الهياكل الأخرى. عندما ننظر إلى العلاقة بين الدولة والمافيا والسياسة، ما الذي يخبرنا به ائتلاف السلطة الذي تشكل بعد عملية السلام؟

ج- للموضوع أبعاد عديدة. أولاً، فائض الحرب لدى الدولة أكبر بكثير وأكثر ضخامة من مخزون السلام. لذلك، بمجرد اتخاذ قرار العودة إلى الحرب، يمكن التحرك بهذا الاتجاه بسهولة بالغة. نتيجة لذلك، هناك مخزون من ذاكرة تاريخية لـ 100 عام، واحتياط من الحرب الفعلية لـ 40 عاماً. هناك جمهور واسع جاهز للاستماع إلى أي خطاب تقوم الدولة باقتباسها من هذا التاريخ ومن ثم التصرف وفقاً لذلك. بالإضافة إلى البعد الاجتماعي للقضية، هناك أيضًا بُعد مالي. أي قوة سياسية لا تخضع لاختبار عسكري، ليست قوة سياسية.

س- ما الذي تقصدونه بذلك؟

ج- المسألة الكردية ليست قضية قومية فقط بل اقليمية أيضا. وبالنظر إلى المساحة الجغرافية التي تشملها، فهي قضية عالمية. كانت حكومة حزب العدالة والتنمية عازمة وحريصة على أن تصبح فاعلاً سياسياً واقتصادياً في المنطقة والشرق الأوسط. كانت تعتقد أن المجال العسكري، بمثابة الطريقة الوحيدة لإحساس المنطقة بثقلها. اليوم، بات واضحاً من القذارة المتناثرة التي نراها، إن الهم الوحيد الذي لا يتم التفكير به هو العلم والمسألة الوجودية. بخلاف ذلك، كل أنواع المخاوف الهامشية الأخرى تحتل صدارة الاجندة السياسية. اتضح أن التنمية الاقتصادية كانت تنتظر شرارة فتيل الحرب. على سبيل المثال، التدمير وإعادة البناء هو نشاط اقتصادي في ظل اقتصاد الحرب. وعليه، فرأس المال المهيمن في تركيا يكتسب اليوم شخصية جديدة هي «شخصية المحارب» الذي ينعش ذاته من خلال صناعة الحروب. على هذا النحو، وجدت هستيريا الحرب قاعدة هائلة، من وسائل الإعلام إلى قادة الرأي، ومن المنظمات الإجرامية إلى بعض المنظمات غير الحكومية.

س- إذا كانت القضية الكردية قضية عالمية فما هي حصة “العالم” في هذه القضية وفي هذه الحرب؟

ج- لقد أمّنت الدول الغربية المتقدمة رفاهية شعوبها من خلال تصدير تناقضاتها الداخلية وصراعاتها إلى الدول النامية. بالمقابل، قامت تحالفات تركيا السيادية بتصدير كل تناقضاتها وصراعاتها وتحميلها إلى الأكراد. كانت النزاعات الداخلية في سوريا والعراق وهمجية داعش قضايا إقليمية، وكانت عملية السلام لقمة سهلة ليتم ابتلاعها في هذا المشهد الإقليمي. مطالب المساواة والسلام الاجتماعي كانت من شأنها أن تحول هذه اللقمة السهلة إلى لقمة صعبة، لكن للأسف لم ننجح في تحقيق ذلك.

س- إذا ماهي كلفة مقاطعة عملية السلام على الدولة والمجتمع؟

ج- تكلفتها على المجتمع واضحة، لكن تكلفتها على الدولة لن تكون واضحة إلا في النهاية، ولم نصل بعد إلى تلك النهاية. من ناحية أخرى، فقد المجتمع أغلى ما يملكه، فقد وحدته، وفقد الأرواح. لا توجد ما يعوّض أي خسارة في الأرواح. وبالمثل، فقد المجتمع وقتاً ثميناً ولا يمكن تعويضه بأي ثمن كان، ويبدو أنه سيفقده لفترة طويلة. بمجرد نفاد الوقت، فإن قانون التنمية غير المتكافئة يعمل ضدك بإيقاع متسارع قد يبلغ عشرات أضعاف. بينما يقطع الآخرون مسافة شاسعة، تبقى أنت تدور حول إحباطك، مثل القطة التي تطارد ذيلها. بينما الهياكل المهيمنة الدولية لا تعاني من هذا القنوط.

س- لماذا؟

ج- لأن الحرب بالنسبة للحكام وسيلة للتغلب على الكساد والمآزق. عندما ننظر إلى قضايا الشرق الأوسط اليوم، نرى بوضوح أن القدرة على الإدارة في العالم الجديد تعتمد على احتكار إدارة الديون. القوات العسكرية والأسلحة لم تعد فعالة بقدر احتكار ملف الديون. الأموال في النظام المالي الغربي تراكمت كالجبال. يعيش جزء كبير من سكان الشرق الأوسط في منطقة غير منظمة اقتصادياً، وقد أصبحت الحرب أداة لتأسيس النظام الاقتصادي هناك.

س- هل يشير هذا إلى استحالة إحلال السلام؟

ج- لا، في الحقيقة، إنني أحاول لفت الانتباه إلى احتمالات السلام وليس استحالته. لسبب واحد، بغض النظر عن مدى الخوف الذي قد يبدو على قطاع الحرب أو إرادة الحرب، فإنه عاجز عن الوقوف ضد الإرادة الشعبية العريضة. كانت مطالبة الشعب الأمريكي بالسلام هي التي جعلت أمريكا تجثو على ركبتيها في فيتنام. وهذا ما دفع الغرب للقيام بالأبحاث في قطاعات ديمقراطية اجتماعية نسبياً. قد يبدو حجم قطاع الحرب كبيراً، لكن عندما تتجلى إرادة الشعب لصالح السلام، يكون أضعف من الوقوف ضده. هذا يوضح لنا أين يجب أن نبذل طاقتنا.

س- في الأيام الأخيرة خاصة مع تأثير تصريحات سيدات بيكر وتسريباته، تظهر معلومات مهمة حول ملفات الفساد والأعمال غير الشرعية التي تورطت فيها شخصيات في السلطة الحالية المشكّلة من خلال الحرب. لهذا السبب، يُعتقد أن هناك رد فعل اجتماعي جاد وشيك ضد الحكومة. هل تعتقد أن رد الفعل الاجتماعي المتصاعد ضد الحكومة الحالية قد يكون أيضًا حاملًا للمطالبة بالسلام؟

ج- مستحيل. السلام لا يأتي من العدم. حالياً، لا تعاني السلطة من أي تكاليف لانتهاجها سياسات الحرب.

س- هل تقصد أن الإصرار على سياسات الحرب لا تضع الحكومة في مأزق؟

ج- ما هو الذي يضع الحكومة في مأزق بسبب سياسات الحرب؟ هل طورت المعارضة اعتراضاً واحداً أو برنامج حاسم في القضايا المتعلقة بالحرب وفقدان الأرواح ووضعت الحكومة في موقف صعب؟

س- عندما لا تطالب شرائح المجتمع الأوسع بالسلام، هل يصبح السلام خطاباً غير مربح بالنسبة للمعارضة؟

ج- بالطبع، السلام عمل صعب وخطير للغاية. في بلد يوجد فيه الكثير من المناطق المضطربة واستمرت الحرب فيه لفترة طويلة، بات هناك الآلاف من الناس المضطرين إلى التفكير في كيفية إعادة تأهيل هذه المناطق والعمل على إيجاد طرق وأساليب. السلام يتطلب جهدا أكثر جدية من الحرب. نحن نعلم الآن أنه عندما تقول ” لنتصافح ونصنع السلام” ، فإن المصالحة لا تتحقق، بل يمكن تحقيقها والمحافظة عليها بعلاقة ثقة، وتتطلب جهداً هائلاً. بينما تنشب الحرب بالضغط على الزناد فقط.

س- هل تقصد أن إفلاس وانتهاء الحكومة الحالية في كل مجال من الاقتصاد إلى العلاقات الخارجية لن يعني الإفلاس وانتهاء سياسات الحرب في الوقت ذاته؟

ج- بالطبع، يمكن أن يخلق إفلاس الحكومة فرصة للسلام. لكن بالتزامن مع إفلاس الحكومة بتنا نشهد من يتحدث أحدهم من داخل كتلة المعارضة عن تغيير أسمائنا. فيقول: “أرى أسماء صلاح الدين وسرّي وحسيب وفاطمة وأمين، منتشرة بكثرة بين أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي”.

س- هذا كلام يافوز أغيرالي أوغلو، نائب رئيس الحزب الصالح (تتزعمه ميرال أكشنر)؟

ج- بما أن الشخص الذي قال هذا ويدعي أنه من خلفية محافظة أو إسلامية، أود مخاطبته بقاعدة مماثلة “الحقيقة – الأشياء لا تتغير بالأسماء”. بمعنى آخر ، لا تتغير الحقائق مع تغيير الأسماء. نحن أمام معضلة تعتقد أن الأعمال العبثية هي براعة، بينما تعتبر الهراء، أفكاراً. هذا جزء من المعارضة. بينما ترتكز الحجة الأساسية لجزء آخر من المعارضة حين انتقاده الحكومة، على عدم صوابية عملية السلام قائلاً “ألم تتحاوروا مع إيمرالي؟”. ما الأمل الذي سننتظره إذا كان القادم المحتمل بعد رحيل الحكومة الحالية، ينتظرنا بسكينه؟ شخص ما لا يعتبر أسماءنا مناسبة لنا، عندما غيّر تودور جيفكوف أسماء الأتراك في بلغاريا، كتب عزيز نسين مقالاً يعكس النفاق بعنوان “الأتراك في بلغاريا، والكرد في تركيا”، فتعرض للكثير من المضايقات. وآخر يبني خطابه من خلال انتقاد العملية الأكثر قيمة في تاريخ هذا البلد. الكرد شعب له خبرة تاريخية هائلة. يتمتع كل الكرد الذين يحمون هوياتهم القومية الديمقراطية بتجربة سياسية كبيرة. يقومون دائماً بتحليلاتهم من هذا المنظور.

س- وبالتالي؟

ج- هذه الحكومة تعيش آخر أيامها، لكن هؤلاء الذين ينتظرون رحيل هذه الحكومة دون مد يدهم للماء والصابون سيبقون متسخين.

باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي، فإن المعارضة تحافظ على اتساخها دون مد يدها إلى الماء والصابون. لست متشائماً. عندما ننظر إلى الأشهر الستة الأخيرة من حياة تركيا، نرى أن هناك اضطرابات هائلة. أحد الاستنتاجات التي توصلت إليها عندما فكرت في مصدر هذا الاضطراب هو أنه: عندما حوصر حزب الشعوب الديمقراطي من جميع الجهات وانخفض البعد المسلح للقضية الكردية في تركيا، أصبحت كل من الحكومة والمعارضة غير قادرة على ممارسة السياسة. لا يوجد سوى شعور واحد مهيمن على كل فرد، بما في ذلك الفئات الحاكمة في المجتمع: ضبط النفس. عندما تتراجع القضية الكردية، لا تعرف المعارضة كيف تعارض ولن تعرف الحكومة كيف تصبح قوية. دعونا نتخيل للحظة: إذا خرجت التيارات المقاتلة من الأكراد قالت ” لقد تركنا القتال دون قيد أو شرط، فليبارك الله في عملكم وسلطتكم” ستسود الفوضى في البلد. لا يوجد تصور للسلطة ولا نشاط حاسم للمعارضة. دعني أخبرك، باستثناء اقتراحات وجهود كاتب صحيفة “دوفار” أوندير ألجيديك وعدد قليل من النخب لا يوجد من يتحدث عن الخيارات الخاطئة التي تغرق البلاد في الفوضى.

س- يعني اذا رحلت الحكومة فإن الوضع لن يتغير؟

ج- بالشروط الحالية لا! لست بحاجة لتكون منجّماً، عندما تذهب هذه الحكومة، إذا أصرت على طيشها، فإن هذه المعارضة ستذهب أيضاً. مع مجيئ حزب العدالة والتنمية في عام 2002 كان هناك العديد من الهياكل السياسية التي تعتقد أنها باقية إلى الأبد لكنها اندثرت. إذا لم تقم بالتطوير، فإنها محكومة بالاختفاء. يتطلب الأمر الكثير من التفاؤل للقول “إنهم سيذهبون، وسيأتي آخرون، وكل شيء سيكون على ما يرام” عندما تكون هناك معارضة لا تزال تحسب حساب نسبة 1٪ تأخذ في الاعتبار هذا الوضع المتدهور.

س- من سيقرر مصير هذا الأمر اذاً؟

ج- المصير بين يدي حزب الشعوب الديمقراطي. المعارضة خارج حزب الشعوب الديمقراطي تفتقر إلى السياسة، وهذا أكثر ما ترغب فيه الحكومة. لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكنّها من الاستمرار في سياساتها. انظروا، أمهات السبت، على سبيل المثال ، هم أحد رموز هذا البلد، حتى في أكثر الأوقات قمعاً. في الوقت الحالي، تم اغتصاب حق أمهات السبت في التجمع والإدلاء ببيانات. هؤلاء الأمهات بحملن نداءات هي الأكثر سلمية في العالم. لكن باستثناء عدد قليل من نواب حزب الشعب الجمهوري الحساسين، لا أحد يكترث بهم. أليس من المفترض على المعارضة أن تقول لهم «سنخصص لكم غرفة اجتماعات مجموعتنا حتى يتم فتح ساحة غلطة سراي أمامكم، سنكون مرة واحدة على الأقل منصة لمطالبكم كل سبت»؟ نحن أفقر دولة في العالم وأكثرها بؤساً من حيث استيعاب المعنى الحقيقي للديمقراطية.

س- لكن سيقال أن حزب الشعوب الديمقراطي لم يفعل ذلك أيضاً

ج- حزب الشعوب الديمقراطي مع هؤلاء الأمهات كل أيام السبت، ويناضل لفتح المجال أمامهم. ليس فقط السياسات الكبيرة بل حتى بالخطوات الصغيرة لا يتم تقييمها بشكل صحيح. أحدهم يعتبر بأن أسمائنا لا تناسبنا، والآخر يعتبر المحادثات مع إيمرالي جريمة، ما الذي يحب أن يأمله الأكراد من هكذا معارضة؟ كحزب الشعوب الديمقراطي إذا وقعنا في دوامة اللا سياسة هذه، فإن المصير ذاته سيكون في انتظارنا أيضاً.

س- بمعنى آخر، السياسة الوحيدة التي لا تعارضها المعارضة باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي هي سياسة الحكومة باتجاه الملف الكردي، صحيح؟

ج- السياسة الحكومية تجاه الكرد، ليست السياسة التي لا تعارضها المعارضة فقط، بل إنها تدعمها.

س- ما الذي يجب أن يفعله حزب الشعوب الديمقراطي في مواجهة ذلك، وماذا يمكنه أن يفعل؟

ج- حالياً ليس لدي دور فاعل في الحزب، لكنني متأكد من أنه على الرغم من كل الضغوطات والمصاعب، فإن آليات صنع السياسات في الحزب لا زالت تعمل. لكن بما أننا تحدثنا عن اللاسياسة، دعني أخبرك باقتراح يتبادر إلى ذهني الآن. إذا نشر حزب الشعوب الديمقراطي بياناً مؤلفاً من ثلاثة بنود وقال “1- تاريخ المحاكمات في العشر سنوات الأخيرة في هذا البلد يستند إلى تدخلات سياسية في عمل القضاء، وبالتالي فإنه يجب إصدار عفو عام إلزامي لجميع القضايا التي تُعرّف على أنها جرائم سياسية. 2- ضرورة حل القضية الكردية بالطرق السلمية. 3 – لا لبناء أي طريق ولا سد ولا جسر.. الخ إلا بموافقة أبناء المنطقة. سنتعامل في الانتخابات فقط مع أولئك الذين يعلنون ويتعهدون بذلك. بغض النظر عن ماهيته فمن يقبل بهذه البنود الثلاثة فنحن جاهزون للتحدث معه وفق شروط معينة، وليس “في إعطاء أصواتنا له”. هذا ما يعنيه أن تكون في صلب السياسة. يعد نشر هذا البيان أو بيان مشابه من ثلاثة إلى خمسة بنود ستكون أكثر فاعلية من السياسة التي تقول «سنفعل هذا، وسنفعل ذلك». صباحاً مساءً.

س- ولماذا لا يفعل ذلك؟

ج- من المحتمل أن يتم ذلك. تم سجن الإدارات والسياسيين والرؤساء المشاركين في جميع المقاطعات والمناطق والمؤسسات التابعة لحزب الشعوب الديمقراطي أربع أو خمس مرات، وقد استلزم العمل في حزب الشعوب الديمقراطي أو في مؤسسة صديقة لحزب الشعوب الديمقراطي. العديد من كوادرها المخضرمين إما في السجن أو في المنفى. لذلك، في ظل هذه الظروف، فإنني أتردد في لوم حزب الشعوب الديمقراطي.

س- ألا تعتقد أن الضربات التي وجهتها الحكومة ضد حزب الشعوب الديمقراطي تقوي يد المعارضات الأخرى ضد حزب الشعوب الديمقراطي؟

ج- نعم، لكن التغلب على ذلك يتم بإنتاج السياسة. نتيجة لذلك، أصبح ظهور حزب الشعوب الديمقراطي ممكناً من خلال إنتاج السياسة. كنت في السجن أثناء الانتخابات المحلية، ولكن على سبيل المثال، كان من الممكن تحديد مجموعة من المبادئ لدعم مرشحي بلدية العاصمة، مثل البنود الثلاثة التي ذكرتها للتو. قدرتنا ومبادئنا تستحق أكثر بكثير من معارضة مصنّفة.

س- أي كان على حزب الشعوب الديمقراطي فرض شروط مقابل الدعم؟

ج- أنا لا أتحدث عن شروط متطرفة. على سبيل المثال، كان يجب أن يُقال إنه «يمكننا مناقشة دعم أي مرشح يتعهد بعدم تطوير مساحات خضراء في المناطق الرئيسية بالمدينة». كان من الممكن تقديم عدد قليل من مبادئنا العديدة، بما في ذلك المساواة بين الجنسين، والحفاظ على البيئة كشرط أساسي للدعم. لكن اليوم، لا نشاهد أي من هذه المقاربة ضمن “بلديات الإسمنت” وهي فشلت أن تلامس مفهوم “بلدية اجتماعية ديمقراطية”. تصبح السياسة، سياسة حقة، إذا انتقلت إلى أرضية لمناقشة المبادئ.

س- وإلا؟

ج- خلاف ذلك، ستفقد امكانية وجودك في الحياة اليومية، وستغرق في الطوفان.

س- من أهم العوامل التي حددت أجندة تركيا في الأيام الأخيرة، هي فيديوهات سادات بكر الذي كان مؤيدا للحكومة حتى وقت قريب، هل شاهدتها؟

ج- لم أشاهدها، لكنني قرأت محتواها.

س- ما الذي تقرأه في تسريبات بكر؟

ج- هل هناك أحد يمكن أن يدعي بأن بكر جاء بمعلومات جديدة؟

س- لكن هذه أيضاً اعترافات..

ج- هل ما يتم في العلن أقل خطورة مما كشف عنه بكر؟ هل من المنطق أن تظل صامتاً لما يحدث بشكل واضح، ثم تنظر إلى هذه الاعترافات وتستغرب؟ في هذا البلد كان هناك جلادين يخرجون ويقولون “عذبنا، وقتلنا الناس”. ألا يعلم هذا المجتمع أن سياسيين تعرضوا للتعذيب وأن الناس قتلوا علانية؟ لذلك، ما نحتاجه هنا هو الموقف الذي سنتخذه ضد ما يجري بالفعل علنًا، وليست المعلومات الجديدة. لدينا فرصة. سيجري البلاد انتخابات في غضون عامين على أبعد تقدير. الكتلة المسيّسة في البلاد منحازة إلى حزب الشعوب الديمقراطي. عندما نطرح مطالبنا كمبدأ واضح ومنفتح، فإننا نساهم أيضاً في التحول الديمقراطي للمعارضة. يجب أن يتم الاستغناء عن اللغة الحالية ضد حزب الشعوب الديمقراطي والكرد. يجب على الجميع نطق كلماتهم بعد تقدير تأثيراتها المحتملة. كتلة الشعوب الديمقراطي لن تسلم رقبتها إلى هؤلاء الذين ينتظرونهم، والسكين في أيديهم.

س- تم إعداد لائحة اتهام جديدة لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي، وقد أعطى دولت باهجلي علانية “المجال” للمحكمة الدستورية للمضي قدماً. ما العواقب التي سيترتب على إغلاق حزب الشعوب الديمقراطي؟

ج- إذا كنت حزباً على الورق، فسوف تتأثر بما يكتب على الورق. بينما حزب الشعوب الديمقراطي حقيقة وله مطالب وادعاءات وأسباب وجودية وتاريخية. في حين أن الأرضية المضادة للحزب غير مكتملة، فلا يمكن الوصول إلى أي نتيجة بإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي. لن تعاني ذهنية الحزب من أي ضرر من هذا الإغلاق، ولكنه سيحدث خرقاً آخراً للبلد. أولئك الذين يريدون رؤية المستقبل يجب أن ينظروا إلى الأمس. من ناحية أخرى، فإن بعض الحجج المقدمة كأسباب لإغلاق حزب الشعوب الديمقراطي هي محادثات إيمرالي والبعض من وسائل الإعلام الحكومية نفسها يشير إلى أن هذا قد يكون سبب إغلاق حزب العدالة والتنمية غداً.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد