سميح إيديز | المونيتور
على مدار الفترة الماضية، تسببت الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة بسبب شراء “أنقرة” منظومة الدفاع الجوي الروسية (إس400)، قد غطت على التهديدات التركية بشن توغل عسكري في شمال سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)، لفترة من الوقت. ولكن مع ذلك، عاد ذلك الموضوع إلى جدول الأعمال من جديد، حيث عززت “أنقرة” وجودها العسكري على طول الحدود السورية، ما أدى إلى تكهنات جديدة بأن عملية تركيا وشيكة.
هناك أيضا شعور بالإلحاح على الجانب التركي بعد أن استجابت بريطانيا وفرنسا بشكل إيجابي لدعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإرسال قوات إلى الأراضي التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب بدعم من الولايات المتحدة. كما أشارت تقارير متعددة منذ نوفمبر/تشرين الثاني، إلى أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية قد أرسلتا قوات إلى المنطقة لمساعدة القوات الأمريكية، ما دفع بالمزيد من التوتر لإحساس أنقرة بالحاجة الملحة.
ولا تزال تركيا تشكو بمرارة من الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب الكردية، حيث تتهم “أنقرة” تلك الوحدات بأنها فرع من حزب العمال الكردستاني المحظور، وتعتبر تركيا الحكم الذاتي للأكراد السوريين تحت أي ستار أو اسم تهديدًا وجوديًا لأمنها. ومع ذلك، فإن “واشنطن” تنظر إلى وحدات حماية الشعب بتعاطف بعد أن ساعدت المجموعة في هزيمة “داعش” في شمال سوريا بدعم من الولايات المتحدة، وباتت وحدات حماية الشعب تحت حماية الولايات المتحدة.
وهدد “ترامب” في يناير/كانون الثاني بـ”تدمير تركيا اقتصاديًا إذا ضربت الأكراد” في شمال سوريا. وفي إحاطة الصحفيين حول لقائه مع “أردوغان” على هامش قمة مجموعة العشرين الأخيرة في اليابان، تباهى “ترامب” مرة أخرى حول كيفية منع “أردوغان” من محاولاته لـ”القضاء على الأكراد”.
وهناك أيضًا تكهنات متزايدة تربط بداية عمليات تسليم طائرات S-400 بتركيا الأسبوع الماضي، وتهديد العقوبات الأمريكية بسبب ذلك، بعملية عبر الحدود شرق الفرات. وقال بولنت أيديمير، الذي يرأس مكتب “أنقرة” لصحيفة “خبرتورك” اليومية الشعبية، إن صواريخ S-400 سيتم تفعيلها في غضون شهر إلى شهر ونصف، وستوفر الأمن للعملية المقبلة لتركيا في سوريا، والتي قال إنها “قاب قوسين أو أدنى”. وكتب “أيديمير”: “إلى جانب طائرات S-400 سيكون من غير الممكن منع العملية التركية ضد أهداف [YPG] شرق الفرات مع تهديد العقوبات الأمريكية”، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال يوم 15 يوليو/تموز إن S-400 لن يتم نشرها بالكامل قبل أبريل/نيسان 2020.
ومع ذلك، قال الجنرال المتقاعد نعيم بابورو أوغلو إنه يعتقد أن فرض عقوبات أمريكية قوية على شراء تركيا S-400 قد يزيد من احتمال توغل تركي جديد في شمال سوريا. وقال “بابورو أوغلو”، في مقابلة لـ”المونيتور”: “إذا كانت العقوبات صارمة، فيمكن أن تقول تركيا: علي تأمين مصالحي الوطنية وأمن وطني، والقضاء على تهديد الإرهاب من سوريا، والقيام بعملية عسكرية”. والنتيجة الطبيعية لذلك، هي أنه إذا قام “ترامب” بتأخير العقوبات، كما يأمل “أردوغان” ويتوقع، فإن هذا قد يؤخر أيضًا العملية التركية.
ومع ذلك، إذا أمر “أردوغان” بشن هجوم عسكري شرق الفرات، بصرف النظر عن المخاطر، فإن هذا سيقوض بشكل أكبر العلاقة التركية الأمريكية التي مزقتها الأزمة بالفعل. وتعهد “أردوغان” علناً بالقضاء على وجود وحدات حماية الشعب في شمال سوريا على الرغم من الوجود العسكري الأمريكي هناك.
كانت “أنقرة” و”واشنطن” تتفاوضان منذ شهور، ولكن دون جدوى، حول “منطقة آمنة” تقترح تركيا إقامتها في شمال سوريا، والتي تريد تأمينها حصريًا من قبل القوات التركية. وتريد “أنقرة” استخدام منطقة بطول 32 كيلومتراً ليس فقط لردع وحدات حماية الشعب، بل لإعادة بعض من السوريين البالغ عددهم حوالي 4 ملايين الذين لجأوا إلى تركيا.
وبعد فشله دبلوماسيا، لوح “أردوغان” بالبطاقة العسكرية ضد وحدات حماية الشعب منذ البداية بنهج “قد نأتي ليلة واحدة بشكل غير متوقع”. وقد نطق بهذه الكلمات، وهي عبارة من قصيدة تركية شهيرة، قبل أن يأمر بعملية درع الفرات التركي في شمال سوريا في أغسطس/آب 2016.
ونقل ريان براون، من شبكة “سي.إن.إن”، عن مسؤولين في وزارة الدفاع، يوم 13 يوليو/تموز، قولهم إن “الجيش الأمريكي يراقب عن كثب الحدود السورية التركية بسبب المخاوف المتزايدة من أن القوات الأمريكية في شمال شرق سوريا ستقع في عملية عسكرية تركية عبر الحدود محتملة تستهدف الأكراد في الأيام المقبلة “.
وفي الوقت نفسه، قال المتحدث باسم البنتاغون شون روبرتسون، لقناة كردستان 24، إن “أي عمل عسكري أحادي الجانب باتجاه شمال شرق سوريا من قبل أي طرف، خاصة وأن الأفراد الأمريكيين قد يكونون حاضرين أو في المنطقة المجاورة، يشكل مصدر قلق بالغ”. وأضاف “روبرتسون”: “سنجد أن مثل هذه الأعمال غير مقبولة”.
كانت احتمالية مواجهة القوات التركية والأمريكية في حالة حدوث توغل تركي مصدر قلق لبعض الوقت. وقد أوضح “أردوغان” أن هذا لن يردع تركيا، رغم أنه أشار أيضًا إلى أنه لا يتوقع مثل هذه المواجهة. وقال “بابورو أوغلو” إنه يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تمتنع عن أي مواجهات مباشرة مع القوات التركية، مفضلًة بدلاً من ذلك تقديم الدعم إلى وحدات حماية الشعب لمحاربة الجيش التركي وحلفائه من الجيش السوري الحر.
ومع ذلك، يقول آخرون إن خطر احتمال أن تواجه تركيا الولايات المتحدة أو قوات أخرى من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في سوريا لا يمكن استبعاده. ويقولون إنه إذا حدث ذلك، فسيكون ذلك بمثابة تغيير فوري في اللعبة بالنسبة لتركيا، ليس فقط في سوريا بل في شرق البحر المتوسط أيضًا. وتقوم “أنقرة” حاليًا باستعراض قوتها العسكرية ضد التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في شرق البحر المتوسط، والذي يدعم قبرص ضد مطالبات تركية بحقوق التنقيب عن الطاقة البحرية.
وفي محادثة هاتفية مع وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة مارك إسبير في 12 يوليو/تموز، نوقشت فيها قضية S-400، أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، عزم “أنقرة” على ردع وحدات حماية الشعب وإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا. وقالت وكالة الأناضول الرسمية إن “آكار” أبلغ “إسبير” أن “القوة العسكرية الوحيدة الجاهزة والكفؤة والملائمة لإنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا هي القوات المسلحة التركية، وإنه سيتعين على تركيا اتخاذ التدابير اللازمة ولن تسمح للجماعات الإرهابية بالبحث عن ملاذات آمنة عبر حدودها”، بيد أن هذه التحذيرات المتكررة من “أنقرة” على مدار الأشهر كانت جوفاء، لأن تركيا لم تكن قادرة على شن أي توغل عسكري شرق الفرات على الرغم من تهديداتها الكثيرة.
وبخيبة أمل واضحة لأن هذا هو الحال، فإن الموالين في وسائل الإعلام التابعة للحكومة يحثون “أنقرة” على شن عملية دون مزيد من التأخير. وكتب إبراهيم كاراجول، رئيس تحرير صحيفة “يني شفق” اليومية قائلاً: “كان شرق الفرات ولا يزال مسألة وجودية بالنسبة لتركيا.. إذا تدخلت تركيا في المنطقة الآن، فلن تكون محاصرة في شرق البحر المتوسط”، في إشارة إلى الوضع قبالة ساحل قبرص.
وعلى الرغم من أنها لا تزال تقدم خدمة كبيرة لاحتياجات تركيا الأمنية، وقبلت من حيث المبدأ الحاجة إلى منطقة آمنة، فإن “واشنطن” ليست على نفس الصفحة وليس هناك تفاهم مع “أنقرة” بشأن مسألة من سيؤمن هذه المنطقة. تعارض “واشنطن “سيطرة تركيا على هذه المنطقة بمفردها، وهي مستعدة في أحسن الأحوال، للسماح بمشاركة تركية تحت القيادة الأمريكية.
من وجهة نظر “أنقرة”، ما يقدمه الجانب الأمريكي ليس ترتيبًا لتوفير الأمن لتركيا، بل هو ترتيب لتوفير الأمن لحماية وحدات حماية الشعب ضد تركيا. ومن شأن عملية تركيا ضد وحدات حماية الشعب أن توحد البلاد مع “أردوغان” على رأس. إنه بحاجة إلى ذلك سياسياً بعد أن فقد حزب العدالة والتنمية سيطرته الكبيرة في الانتخابات البلدية التي أجريت في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، يعتمد هذا الأمر على تحقيق مثل هذه العملية لأهدافها، وهو أمر غير مضمون. إذا فشل “أردوغان”، فقد يؤدي هذا إلى كارثة سياسية بالنسبة له في الداخل، وأيضًا من شأنه أن يضعف يد تركيا في سوريا إلى حد لا يُحصى. وقال دبلوماسي غربي لـ”المونيتور”، طلب عدم الكشف عن هويته: “أردوغان لم ينفذ تهديداته حتى الآن، ومن المرجح أن يستمر هذا الموقف في ضوء المخاطر العسكرية والسياسية التي تنطوي عليها”.
أما موقف روسيا، فهو غير معروف في هذه المعادلة. لقد أوضحت “موسكو” في الماضي أن “أنقرة” يجب أن تسلم الأراضي التي استولت عليها في العمليات السابقة في شمال سوريا من “داعش” ومن وحدات حماية الشعب إلى نظام “الأسد”. وتخوض تركيا وروسيا أيضًا حربًا بالوكالة في “إدلب”، على الرغم من ظهور علاقات عسكرية متنامية بينهما.
كيف ستمكن “أردوغان” من إدارة هذا الوضع المعقد في سوريا؟ هذا سؤال متروك للوقت للإجابة عليه، ولكنه سيكون له أهمية حاسمة في تحديد مصالح تركيا الأمنية على المدى الطويل.
—-
*سميح إيديز: كاتب عمود في نبض تركيا في “المونيتور”. صحفي يعمل على تغطية قضايا الدبلوماسية والسياسة الخارجية في الصحف التركية الكبرى منذ 30 عامًا. يمكن متابعة مقالاته في صحيفة “حريت ديلي نيوز” باللغة الإنجليزية. كما تم نشر مقالاته في مجلة فاينانشال تايمز، تايمز أوف لندن مجلة البحر المتوسط الفصلية والسياسة الخارجية.
ترجمة: المركز الكردي للدراسات