قمة العشرين.. هل تكون المحطة الأخيرة قبل تحطم قطار العلاقات الأمريكية التركية؟

متين غوركان* | المونيتور

لا تزال تركيا لا تعرف كيف ترد على التهديد الأمريكي بشأن العقوبات، هذا هو ما أخبر به مصدر أمني بارز موقع “المونيتور” الأمريكي، حيث قال إن رسالة وزير الدفاع الأمريكي بالإنابة باتريك شاناهان إلى نظيره التركي خلوصي أكار، بثت حالة من الصدمة في المؤسسة السياسية والأمنية الخارجية في تركيا، وأن تركيا لا تعرف حتى الآن كيف ترد. وقال المسؤول أيضًا إن الخطاب “أكثر تهديدًا” من الخطاب الذي تم إرساله من “واشنطن” إلى “أنقرة” في عام 1964، وهو العام الذي اتسم بأكبر توترات بين تركيا والولايات المتحدة منذ تأسيس الجمهورية التركية الحديثة.

يذكر خطاب “شاناهان” العقوبات الملموسة التي ستواجهها تركيا، بما في ذلك إلغاء برنامج F-35 التدريبي للطيارين الأتراك، ومنع المسؤولين الأتراك من دخول مكتب برنامج F-35 اعتبارًا من 31 يوليو/تموز، وإلغاء المشتريات من الشركات التركية اعتبارًا من 2020.

لم تكن تركيا تتوقع مثل هذا الإنذار قبل الانتخابات التي ستجري في 23 يونيو/حزيران على منصب عمدة إسطنبول. ويمكن رؤية الصدمة التي أحدثتها الرسالة في البلاد بسهولة، من خلال صمت “أنقرة” طوال أيام قبل أن تقرر كيفية الرد. لقد مر ما يقرب من أسبوع منذ أن تسربت رسالة “شاناهان”، التي أرسلت في 6 يونيو، إلى وسائل الإعلام، وبدأت “أنقرة” للتو في التحدث.

تشير لغة الخطاب إلى أن الولايات المتحدة رفضت أي صيغ أو حلول وسطية على هذا النحو تسمح بحصول تركيا على صواريخ S-400 ، حتى وإن لم يتم نشرها ودخولها في الخدمة أو حتى نشرها في دولة ثالثة. بمعنى آخر، مع هذه الرسالة، تطالب الولايات المتحدة صراحة وبشكل لا رجعة فيه بإلغاء مشتريات S-400 لتجنب العقوبات ذات الصلة بالطائرة إف35.

وقارن مصدر رفيع المستوى في “أنقرة” رسالة شاناهان برسالة الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون المؤرخة 16 مارس/آذار 1964، إلى الزعيم التركي عصمت إينونو لردع تركيا عن التدخل العسكري في قبرص. وقال المسؤول لـ”المونيتور”: “خطاب شاناهان يحتوي على ما هو أكثر من خطاب جونسون، وقد كُتب بطريقة أكثر تهديدًا”. وقال المسؤول إن “شاناهان” يستحق الرد، بالطبع، لكن “أنقرة” لم تحسم بعد كيفية الإجابة.

عندما سُئل لماذا تؤخر “أنقرة” ردها، أشار هذا المسؤول إلى انتخابات إسطنبول في 23 يونيو، والتي تحولت إلى نوع من التصويت على الثقة بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان. تم طرح العديد من الخيارات على الطاولة من قبل الجانب التركي لحل الأزمة، وكان أحد تلك الخيارات هو نقل S-400 إلى دول صديقة مثل قطر، أو تشكيل لجنة فنية لتجنب أن تشكل هذه الأنظمة “المستقلة” تهديدًا لأنظمة حلف الناتو. ومع ذلك، تظهر الرسالة أن أيًا من هذه الخيارات لم يكن مقبولا بالنسبة إلى الجانب الأمريكي.

أيضًا، كانت لدى “أنقرة” ثقة كبيرة بالرئيس دونالد ترامب لإدارة الأزمة، لكن هذا التوقع أثبت أيضًا أنه خاطئ. كانت “أنقرة” تأمل حقًا في أن يتمكن “ترامب” من إقناع “الكونغرس” والبيروقراطية الأمنية الأمريكية بالتصرف بشكل مختلف، لكن ذلك لم يتحقق.

وقال ليفنت أوزجول، وهو محلل دفاع في أنقرة، إن الرسالة تشير إلى نهاية دبلوماسية “أنقرة” المكوكية المستمرة منذ 6 سنوات بين روسيا والولايات المتحدة، وأن “أنقرة” عليها أن تقرر جانبًا بحلول شهر يوليو. وقال “أوزجول” لـ”المونيتور”: “لا شك في أن القرار بشأن S-400 ليس عسكريًا بل تاريخيًا واقتصاديًا وسياسيًا”.

تعتقد “أنقرة” الآن أن أمامها فرصة أخيرة: قمة مجموعة العشرين التي ستعقد في “أوساكا” باليابان يومي 28 و29 يونيو. وتأمل “أنقرة” أن يكون اجتماع “ترامب-أردوغان” في “أوساكا” وسيلة للتغلب على الأزمة. حتى أن هناك خططا لتجنيد دعم الهند، والتي تخاطر أيضًا بالتعرض لضحايا قانون مكافحة خصوم أمريكا (CAATSA)، ويعمل الوسطاء على قمة ثلاثية في “أوساكا”.

ومع ذلك، فإن الوقت ليس في صالح “أنقرة” في هذه اللعبة، فبينما سيتم تسليم الدفعة الأولى من S-400 إلى تركيا في يوليو، من المقرر تسليم الصواريخ نفسها إلى الهند في عام 2020. على عكس تركيا، لم تسدد الهند أي مدفوعات بعد. لذا، فإن الهند ليست في نفس المأزق الذي وقعت فيه تركيا، كما أن الهند أيضا ليست عضوا في الناتو.

وقال أردا مولود أوغلو، وهو محلل دفاع، إن خطاب “شاناهان” يحتوي على “عنصرين مهمين”، أحدها هو الموعد النهائي في 31 يوليو، والآخر هو أنه يعلن أن بعض العقوبات الملموسة سارية بالفعل “ويقدم خريطة طريق لاستبعاد تركيا من برنامج  المقاتلة إف 35”.

يمكن النظر إلى الأزمة من خلال ثلاثة سيناريوهات محتملة حول كيفية تطور الأحداث. أولاً، تستطيع تركيا إلغاء شراء S-400 مباشرة. ومع ذلك، اتفق كل من “أوزغول” و”مولود أوغلو” على أن هذا هو السيناريو الأقل ترجيحًا. وقال “مولود أوغلو” إن قرار الإلغاء يمكن أن يكون ممكنًا فقط في حالة نشوب أزمة خطيرة غير متوقعة في العلاقات التركية الروسية.

ويمكن أن يكون الخيار الثاني هو تسليم وتفعيل S-400 كما تم الاتفاق عليه مسبقًا. ويعني هذا السيناريو استبعاد تركيا من برنامج F-35 وتنفيذ عقوباتCAATSA ، وتعليق توفير قطع الغيار للمعدات والأسلحة الأمريكية، وإنهاء التعاون في التدريب العسكري ومع صناعة الدفاع التركية. يتوقع هذا السيناريو أن تقوم تركيا أولاً بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة بسبب أزمة S-400 ثم مع الكتلة الأمنية الغربية. هنا، على المرء أيضا أن يضع في الاعتبار أنه في هذه الحالة، ستتردد الدول الأوروبية والصناعات ذات الصلة في التعاون مع تركيا. يشير “مولود أوغلو” إلى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا كأمثلة على البلدان التي قطعت تعاونها الدفاعي مع روسيا، كما نصحت الولايات المتحدة، ورفضت فرنسا تسليم حاملتي طائرات من طراز “ميسترال” دفعت روسيا بالفعل ثمنهما. هذا سيناريو غير محتمل، لكنه في كل الأحوال سيناريو لا تستطيع “أنقرة” تحمل تبعاته الاقتصادية.

وقال “مولود أوغلو” إن السيناريو الأكثر ترجيحًا قد يكون تمزقًا جزئيًا في العلاقات الأمريكية التركية. تبعا لذلك، سيتم تسليم نظام الصواريخ الروسي وستواجه تركيا المرحلة الأولى من العقوبات من “الكونغرس” الأمريكي. ومع ذلك، فإن صناعة الدفاع الأمريكية التركية والتعاون العسكري سوف تستمر في بعض المجالات. لملء الفجوة التي أوجدها استبعاد تركيا من برنامج إف35، يمكن للولايات المتحدة أن تسمح لتركيا بشراء قطع غيار لصيانة المخزون الحالي من طائرات F-16 ولتحديثها بالوسائل الوطنية، وحتى السماح لتركيا بشراء مقاتلات إف16. وهكذا، يمكن أن تطير تركيا بطائرات F-16 لمدة 15 إلى 20 سنة أخرى.

ويشير “أوزغول” إلى حل آخر ممكن، قائلا: “قد يتم نشر بطاريات S-400 التركية في أنابا في روسيا، وهو ما يجنب تركيا تحمل تكلفة تأمين خط أنابيب الغاز من روسيا إلى تركيا، وقد يتم تعيين موظفي مراقبة أتراك في تلك المنطقة”. وأشار “أوزغول” إلى أنه في يناير/كانون الثاني 2018، منحت تركيا لكونسورتيوم “يوروسام” الفرنسي الإيطالي عقدًا لدمج صواريخ Hisar التركية مع نظام الدفاع الصاروخي بعيد المدى SAMP-T . وقد تم تخطيط النظام ليتم تثبيته في المدمرات التركية. وأضاف “أوزغول”: “لتلبية الاحتياجات العاجلة حتى يتحقق هذا الهدف، استأجرت تركيا بعض بطاريات Aster 30 من فرنسا وإيطاليا، وحتى بعض بطاريات باتريوت من إسبانيا”.

ما هو واضح حاليا، هو أن “أنقرة” تولي اهتمامًا خاصًا لقمة مجموعة العشرين واجتماعاتها لحل الأزمة. لهذا السبب يمكن اعتبار قمة مجموعة العشرين، المحطة الأخيرة قبل حطام قطار العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا.

—–

*متين غوركان: كاتب عمود في نبض تركيا الخاص بـ”المونيتور”. خدم في أفغانستان وكازاخستان وقرغيزستان والعراق مستشارًا عسكريًا تركيًا من عام 2002 إلى 2008. وبعد استقالته من الجيش، أصبح محللًا أمنيًا مستقلًا في إسطنبول. حصل “غوركان” على الدكتوراه في عام 2016 مع أطروحة حول التغييرات في الجيش التركي على مدى العقد السابق. وقد نشر على نطاق واسع في المجلات الأكاديمية التركية والأجنبية، ونشر كتابه “ما الذي حدث خطأ في أفغانستان: فهم مكافحة التمرد في البيئات القبلية والريفية والإسلامية” في أغسطس/آب 2016.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد