مجموعة الأزمات الدولية: احتواء تداعيات الانسحاب الأمريكي يكمن في التفاوض مع النظام وروسيا

مجموعة الأزمات الدولية

ما الجديد؟ قرار الرئيس ترامب المفاجئ بسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا، جاء في أعقاب تحذيرات سابقة بأن المبرر الوحيد لوجودها هو أنها جزء من حملة دحر (داعش). وقال “ترامب” إن المهمة قد أنجزت، رغم أن “داعش” لا يزال نشطا في كل من سوريا والعراق.

لماذا يهم؟ الولايات المتحدة لم تضع الأسس الرئيسية للانسحاب دون التسبب في التعجيل بصراعات جديدة. سيكون شركاؤها السوريون الذين يقاتلون داعش، بقيادة المقاتلين الأكراد، عرضة للهجوم من قبل النظام السوري أو تركيا المجاورة. يمكن أن يكون للصراع عواقب إنسانية مدمرة ويمنح “داعش” فرصة لإعادة التجمع.

ما الذي ينبغي عمله؟ الولايات المتحدة تحتاج إلى الضغط على تركيا من أجل منعها من مهاجمة قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد. يجب أن تشجع الولايات المتحدة كذلك قوات سوريا الديمقراطية على التوصل إلى صفقة استقرار مع النظام السوري، حيث إن المساحة والزمن الإضافيان اللذان تمنحهما “واشنطن” للمسألة، حتى وإن كانا محدودين، يمكن أن يسمحا للولايات المتحدة بالخروج بنظام.

نظرة عامة:

في 19 كانون الأول/ديسمبر، بعد أيام من المحادثة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، أعلن مسؤولون أن الولايات المتحدة بدأت في سحب قواتها العسكرية والأفراد المدنيين من شمال شرق سوريا. أبلغ “ترامب” نظيره التركي أنه كان ينوي بالفعل الانسحاب، ولكن بالنسبة للجميع كانت تلك الأخبار مفاجأة، وبالنسبة للكثيرين كانت خطوة محفوفة بالمخاطر: إذا تم ذلك بشكل سريع، فإن هذه الخطوة تهدد بحالة من الفوضى في أعقابها. إن شركاء “واشنطن” في الحرب ضد (داعش) بقيادة المقاتلين الأكراد، سيكونون عرضة للهجوم من قبل النظام السوري أو تركيا المجاورة، التي تعتبرهم إرهابيين. يمكن أن يتسبب الصراع أيضًا في دفع “داعش” نحو إعادة لم شتاته.

من غير الحكيم بالتأكيد أن تلتزم الولايات المتحدة بوجود عسكري مفتوح في شمال شرق سوريا، وهو ما كان المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عنه من قبل. لكن إذا كانت الولايات المتحدة تنوي سحب قواتها، يجب أن تضمن أن شركائها في قوات سوريا الديمقراطية (SDF)  يمكنهم البقاء والنجاة بدونهم. في هذه المرحلة، لا يوجد أساس سياسي يسمح للولايات المتحدة بالانسحاب بشكل مسؤول.

عندما تصل إلى المراحل النهائية من حملتها العسكرية ضد “داعش”، فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى الضغط على تركيا كي لا تهاجم القوات الكردية، وفي الوقت نفسه لتسهيل التوصل إلى اتفاق الاستقرار بين قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد والنظام السوري. ولن يكون هذا الأمر سهلاً، فقد جرت محادثات في وقت سابق من هذا العام بين ممثلي سوريا الديمقراطية و”دمشق”، ولكنها توقفت بعد أن رفض النظام الانحناء إلى مطالب اللامركزية والحكم الذاتي المحلي. قد يصبح الموقف التفاوضي للنظام أكثر مرونة الآن بعد أن أصبحت الولايات المتحدة خارج اللعبة، وبالتالي فإن ضمانات الحماية العسكرية من المقرر أن تنتهي.

مع ذلك، فإن الانسحاب الأمريكي الوشيك يجب أن يدفع بقوة إلى الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق؛ بحيث يكون اتفاقا يعيد السيادة السورية على الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، وينقل القوات السورية إلى الحدود مع تركيا، بدعم من روسيا، وهو ما سيهدئ من المخاوف الأمنية التركية والتي تمثلت في تهديدات الهجوم على قوات سوريا الديمقراطية؛ كما يسمح ذلك الاتفاق بدرجة من الحكم الذاتي الكردي. في الأشهر الأخيرة، لم تشجع الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية على السعي إلى مثل هذه الصفقة؛ ولكن يجب أن يتغير هذا الموقف الآن. تحتاج قوات سوريا الديمقراطية إلى المكان والزمان المناسبين للتفاوض بجدية مع دمشق. يمكن أن يكون البديل قد يكون صراعا عسكريًا مفتوحا للجميع، ناتج عن الصراع بين قوات سوريا الديمقراطية والقوات التركية والسورية، وهو ما يمكن أن يكون له عواقب إنسانية مدمرة، وقد ينتج عنه إعادة إحياء “داعش”.

الهزيمة الدائمة

يعتبر قرار “ترامب” بسحب القوات العسكرية من سوريا، أحدث تحول في سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا خلال رئاسته، حيث خاض موظفو الأمن القومي مراراً وتكراراً معركة مع غريزة الرئيس الخاصة لتجنب الارتباطات المفتوحة في الشرق الأوسط. وحتى يحدث تحول جذري في موقف “ترامب”، ربط هؤلاء المسؤولون الوجود الأمريكي بـ”الهزيمة الدائمة” لتنظيم “داعش”، والتي تتطلب -بتعريفها الواسع- تغييرًا جوهريًا للنظام السياسي في سوريا وخروج القوات التي يقودها الإيرانيون من سوريا. لكن الآن، ها هنا ” ترامب” يكرر ما قاله بنفسه مرة أخرى: “لقد هزم داعش في سوريا، وهذا هو السبب الوحيد لوجودنا هناك خلال رئاسة ترامب”، حيث كتب ذلك على موقع “تويتر” في صباح يوم 19 ديسمبر، وهو يوم الإعلان عن الانسحاب.

قام الرئيس “ترامب” أولاً بتغيير السياسة -بشكل غير معروف لدى وزارة الخارجية أو البنتاغون- خلال مكالمة هاتفية في 15 ديسمبر مع الرئيس التركي أردوغان. خلال الشهر الماضي، صعَّدت تركيا من ضغوطها على “واشنطن” بسبب الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا. لقد أصبح من الواضح لـ”أنقرة” أن “الهزيمة الدائمة” لتنظيم “داعش” تعني استمرار “واشنطن” في رعايتها لقوات سوريا الديمقراطية أو دعمها كيان إقليمي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية. تقود وحدات حماية الشعب (YPG) قوات سوريا الديمقراطية، وتعتبر وحدات حماية الشعب هي الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK)، الذي يشن تمرداً في تركيا على مدى عقود. وبناءً عليه، تعتبرها “أنقرة” منظمة إرهابية، ولا يمكن التغاضي عن أي دعم لها. حينما شكلت الولايات المتحدة مراكز المراقبة العسكرية على طول الحدود السورية التركية في أواخر نوفمبر -لحماية تركيا من التسلل عبر الحدود، بحسب ما قال المسؤولون الأمريكيون- أصبحت “أنقرة” أكثر غضبا فقط، حيث اعتبرت هذه الخطوة عملا عدائيا يهدف إلى حماية عدوها اللدود “حزب العمال الكردستاني”.

في 12 ديسمبر، أعلن “أردوغان” أن القوات التركية ستتدخل في سوريا “في غضون أيام”. أطلق هذا الإعلان أجراس الإنذار في “واشنطن”، وحذر “البنتاغون” من أن التوغل في شمال شرق سوريا سيكون “غير مقبول”. عندما تحدث “ترامب” مع “أردوغان” في 15 ديسمبر، توقع المسؤولون منه أن يكرر هذه الرسالة بقوة، ولكنه لم يفعل. وبدلا من ذلك، صدم مستشاريه ومسؤوليه من خلال وعده للرئيس التركي بأن هجوم تركيا على شمال شرق سوريا سيكون بلا معنى، حيث إن الولايات المتحدة ستنسحب قريبا من سوريا. ولتلخيص المزاج السائد بين البعض، أشار مسؤول كبير إلى الانسحاب الأمريكي الفوضوي من فيتنام قبل عدة عقود، وعلق قائلا: “لم يتم تعييني في الإدارة الأمريكية لأكون مسؤولا عن سايغون أخرى”.

رغم أن قرار “ترامب” كان مذهلاً، لكنه لا ينبغي أن يشكل مفاجأة حقيقية، فقد شدد “ترامب” باستمرار على أن أولوياته في سوريا تقتصر على هزيمة “داعش”. في آذار/مارس 2018، قوض “ترامب” التزامًا سابقًا غير محدد بالبقاء في سوريا بإعلانه، بدون أي عذر، أن الولايات المتحدة ستسحب قواتها من سوريا “قريبا جدا”. وفي المداولات الداخلية اللاحقة، وجد أن الانسحاب من سوريا رغم التكلفة المحتملة بترك فراغ، كما يحذر مساعدوه، فإن هذا الفراغ قد تملؤه روسيا وإيران.

في الأشهر التي تلت ذلك، أقنعه موظفو الأمن القومي -بمساعدة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون- بالبقاء في سوريا كجزء من استراتيجية إقليمية طويلة لتسليط أقصى قدر ممكن من الضغط على إيران. لكن تلك الاعتبارات لم تتمكن من تجاوز آرائه الصلبة لفترة طويلة.

في الواقع، كانت خطة إدارة “ترامب” لاستغلال الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا لتقليص النفوذ الإيراني في سوريا، غير واقعيًا (بضعة آلاف من الجنود الأمريكيين لن يتمكنوا أبدًا من إحداث فرق واضح في التأثير الإيراني) وغير عملي. كما أنه يخاطر بدعوة للتصعيد المضاد الخطير من قبل النظام السوري وحلفائه. ويمكن القول إن إعلان الانسحاب يحل هذه المشاكل المحتملة.

لكن إذا كان من الممكن أن يعالج هذا الانسحاب بعض المشاكل، فقد يخلق مشكلة أخرى: على الرغم من كل حديثهم عن “الهزيمة الدائمة” لـ”داعش”، قد يمنح هذا القرار فرصة جديدة للتنظيم للعودة إلى الحياة. في الواقع، إذا كان الانسحاب المتعجل من سوريا قد يكون سببا في حرب مفتوحة أمام الجميع تشمل قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري والقوات التركية، فإن “داعش” يمكنه استغلال الفوضى التي ستعقب هذا الانسحاب من أجل العودة إلى الظهور واستعادة قوته. على نطاق أوسع، وهو نوع من المفارقة، فإنه من خلال توسيع مفهوم “الهزيمة الدائمة” لـ”داعش”، ليشمل مجموعة متنوعة من الأهداف ذات الصلة بشكل مشكوك فيه عبر إطار زمني غير محدود -بدلاً من وضع هدف منفصل والتخطيط لمخرج صحيح- تسبب المسؤولون الأمريكيون في إضاعة فرصة لتأمين مكاسب حملات مكافحة “داعش” بعد الانسحاب الأمريكي. وبدلاً من ذلك، ربما جهزوا الولايات المتحدة لخروج مفاجئ ومؤلم، يزيد من خطر هزيمة “داعش” بشكل جزئي على الأقل.

على الرغم من تغريدة “ترامب”، فإن “داعش” لم يُهزم بعد، ولا يزال التنظيم يحتفظ بموطئ قدمي على طول ضفاف نهر الفرات بالقرب من الحدود مع العراق، حيث نجح مقاتلوه في صد قوات سوريا الديمقراطية منذ أكثر من عام. لدى التنظيم خلايا سرية تواصل تنفيذ التفجيرات والاغتيالات خارج حدود الجيب الذي يسيطرون عليه في كل من سوريا والعراق، كما أن لديه عددًا غير معروف من المتعاطفين من المجتمعات المحلية التي حكمها التنظيم لمدة ثلاث سنوات.

إن هزيمة “داعش” بفاعلية لا تتطلب وجودا عسكريا أمريكيا طويل الأمد في شمال شرق سوريا. في الواقع، قد يؤدي الانتشار العسكري إلى زعزعة الاستقرار على المدى المتوسط، حيث يشجع النظام السوري وغيره من الموالين والسكان المحليين الساخطين على المشاركة في أعمال العنف والتخريب. في النهاية، سيكون على القوات الأمريكية أن تغادر، بل إنها ستغادر فعلا، ولكن كان ينبغي أن يسبق ذلك الحد الأدنى من التحضير. وبدلاً من ذلك، تلى الإعلان عن الوجود الدائم إعلان آخر للخروج السريع. قد يتسبب الانسحاب الأمريكي المفاجئ وغير المنسق، في تعريض الحلفاء الأكراد لهجوم القاتل من قبل النظام السوري والقوات التركية، إضافة إلى الفوضى التي ستتلو ذلك، ما سيتسبب في عودة “داعش”.

الأكراد يتعرضون للخيانة من جديد

إن الأثر الأكثر إلحاحًا وإزعاجًا للإعلان عن الانسحاب الأمريكي هو ترك سكان الجزء الشمالي الشرقي من سوريا والحليف المحلي الرئيسي للولايات المتحدة في حملة مواجهة “داعش”، أي قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، في وضع حرج. في الأشهر الأخيرة، شاركت قوات سوريا الديمقراطية في محادثات حول الترتيبات الإدارية والسياسية المستقبلية مع النظام السوري، وإن كان ذلك دون نجاح. ملاحظات “ترامب” في مارس 2018، والتي أوحت بأن الولايات المتحدة على وشك الانسحاب، دفعت قوات سوريا الديمقراطية لبدء المحادثات مع دمشق؛ في يوليو وأغسطس، التقى وفد مدني مرتبط بقوات سوريا الديمقراطية مع مسؤولين حكوميين في العاصمة السورية. وراء الكواليس، كانت روسيا تلعب دور الوساطة، لكن سرعان ما وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود. واقترحت “دمشق” إجراء تعديلات طفيفة على الإدارة المدنية المحلية ضمن النظام الحالي، في حين أصر الممثلون المرتبطون بقوات سوريا الديمقراطية على إجراء مفاوضات حول الدستور السوري والمزيد من اللامركزية الموضوعية. في هذه الأثناء، وبمجرد أن قررت إدارة “ترامب” أن تبقى إلى أجل غير مسمى، أكد المسؤولون الأمريكيون لشركائهم في قوات سوريا الديمقراطية أن الولايات المتحدة باقية، وهو ما خفف من الكثير من الضغوط. وبعد ذلك، غير المسؤولون الأمريكيون من نبرتهم تجاه المفاوضات مع النظام، وشجعوا قوات سوريا الديمقراطية على وقف المفاوضات.

الآن، سوف تحتاج قوات سوريا الديمقراطية إلى استئناف المحادثات بشكل جدي، وإن كان ذلك انطلاقا من موقف مساومة أضعف. يمكن أن تساعد العلاقات التاريخية بين حزب العمال الكردستاني و”دمشق” في دفع المفاوضات إلى الأمام، لكن الطريق المسدود يتعلق بالفجوة الواسعة بين ما تريده قوات سوريا الديمقراطية وما تريد “دمشق” تقديمه. يجب إغلاق هذه الفجوة، وإذا توصل الجانبان إلى اتفاق يمكن أن يحول هذا الاتفاق دون وقوع هجوم تركي على قوات سوريا الديمقراطية.

لدى كلا الجانبين أسباب للتفاوض. لا شك أن قوات سوريا الديمقراطية لديها الحافز الأكبر، حيث إنها الطرف الوحيد الذي يواجه احتمال الغزو التركي في مكان ما على امتداد الحدود الشمالية الطويلة لسوريا. إن “أنقرة” على ثقة من أنه يمكنها تحطيم قوات سوريا الديمقراطية بعد أن تصبح محرومة من الدعم العسكري الأمريكي، خصوصا بعد أن تغلبت تركيا على وحدات حماية الشعب في وقت سابق من هذا العام في “عفرين”. لكن “دمشق” تحتاج أيضا إلى اتفاق، حيث إنه بدون وجود صفقة، يخاطر النظام بخسارة المزيد من الأراضي السورية لصالح تركيا. لا تزال سوريا تحتج على “سلخ” تركيا لمدينة “إسكندرون” الساحلية من سوريا عام 1938. ومنذ عام 2016، سيطرت تركيا أيضا على محافظة “إدلب”، ولا يزال من غير الواضح كيف ومتى ستغادر القوات التركية. بالنسبة للنظام، قد يعني الغزو التركي لشمال شرق سوريا إلى أجل غير مسمى التخلي عن الأراضي السورية الأغنى بالنفط والقمح.

ليس لدى المسؤولين الأتراك سوى ثقة محدودة بقدرة النظام السوري أو استعداده لتأمين الحدود التركية السورية وتحييد ما تعتبره “أنقرة” تهديدًا إرهابيا متمثلا في حزب العمال الكردستاني. في “عفرين”، واصلت تركيا هجومها على الرغم من دخول الوحدات شبه العسكرية المؤيدة للنظام في القتال إلى جانب وحدات حماية الشعب. ومع ذلك، فإن نشر قوات الجيش السوري على طول الحدود الشمالية الشرقية يمكن أن يجعل تركيا تفكر مرتين قبل خوض هذا الهجوم. قد لا تكون تركيا مستعدة لمهاجمة القوات العسكرية الرسمية لجارتها ذات السيادة، خاصة إذا كانت قواتها النظامية.

يمكن أن تلعب الولايات المتحدة دوراً مفيداً في كبح تركيا، بينما تتفاوض قوات سوريا الديمقراطية و”دمشق”. الولايات المتحدة لديها تأثير قسري واضح على تركيا، فضلاً عن العقوبات التي فرضتها على تركيا لضمان إطلاق سراح القس المحتجز أندرو برونسون. لكن إدارة “ترامب” عملت أيضا بما فيه الكفاية لإصلاح العلاقات الثنائية مع تركيا، بما في ذلك إجراءات مثل “خارطة الطريق” والآن الانسحاب من شمال شرق سوريا، وهو ما كان سببا في بعض النوايا الطيبة. يجب أن يستخدم “ترامب” نفوذه للحصول على موافقة تركية على عدم شن هجوم في الشمال الشرقي. بعد إعلان “ترامب”، قال “أردوغان” إنه سيؤجل أي عمل عسكري جديد في الوقت الحالي.

ومع ذلك ، فإن دعم روسيا الحقيقي لاتفاق قد يكون حاسما. إن روسيا في وضع جيد يؤخذ بعين الاعتبار كلا من المخاوف السورية والتركية من حيث أنها تدعم عودة سيادة دمشق على كامل أراضيها بينما لديها مصلحة في الحفاظ على روابط قوية مع أنقرة. في الحالة السابقة لعفرين ، كانت روسيا غير راغبة في دعم عودة النظام الرمزي لمجرد ترك قوات حماية الشعب في سيطرة فعلية والمخاوف الأمنية التركية دون معالجة. قد تكون هذه المرة مختلفة: كما فعلت روسيا مع إسرائيل والأردن في جنوب غرب سوريا في وقت سابق من هذا العام ، يمكن أن تعمل من أجل التوصل إلى حل يعيد حقا الشمال الشرقي إلى سيطرة النظام مع معالجة مخاوف تركيا الأمنية بشكل ملموس. بالنسبة إلى الدول المجاورة التي لا توجد علاقات معها أو غير فعالة مع النظام السوري ، يبدو أن روسيا مستعدة لتفاعلها مع دمشق.

وسواء كانت روسيا مستعدة للدفاع نيابة عن قوات سوريا الديمقراطية ، فهذه مسألة أكثر صعوبة. في جنوب غرب روسيا ، سهّلت عودة النظام السوري: نشر الشرطة العسكرية ، التوسط بين سلطات الدولة والسكان المحليين ، والتشفع لتأمين الإفراج عن المعتقلين. لكنها لم توقف النظام في مساره ، ولم تمنع الدولة السورية من ممارسة سيطرتها السيادية على المواطنين السوريين. ونظرا لروابطها مع قوات الدفاع الذاتى ، فمن المحتمل أن تهتم روسيا بترتيب شروط تفضيلية لها تحت سلطة النظام المستعادة – ولكنها تفضيلية ضمن حدود ، إذا كان الماضي دليلًا.

ومع ذلك، فإن الدعم الروسي الصريح للاتفاق سيكون هو العنصر الحاسم في تلك المسألة، خصوصا وأن روسيا في موقف جيد لتضع في اعتباراتها المخاوف السورية والتركية على حد سواء، وذلك من حيث أنها تدعم استعادة السيادة السورية على كامل أراضي البلاد، وفي نفس الوقت لديها مصالح في الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا. في الحالة السابقة في “عفرين”، لم تكن روسيا على استعداد لدعم النظام بشكل قوي في مساعي مساندة وحدات حماية الشعب الكردية في مواجهة تركيا، حيث إن هذا الأمر قد يتسبب في زيادة قوة وحدات حماية الشعب ويجعل المخاوف الأمنية التركية بلا حلول. أما هذه المرة فهي مختلفة تماما، فكما فعلت روسيا مع إسرائيل والأردن على الحدود الجنوبية الغربية لسوريا في أوائل العام الجاري، يمكنها أيضا أن تعمل على حل من أجل إعادة السيطرة السورية على أراضي الشمال الشرقي للبلاد، وفي نفس الوقت معالجة المخاوف الأمنية التركية. بالنسبة للدول المجاورة التي لا توجد بينها وبين النكظام السوري علاقات، فإنه يبدو أن روسيا على استعداد لأن تكون واجهتهم في التعامل مع “دمشق”.

هل روسيا على استعداد للدفاع نيابة عن قوات سوريا الديمقراطية؟ هذه مسألة يصعب الإجابة عنها حاليا. في جنوب غرب سوريا، سهلت روسيا عودة النظام السوري من خلال نشر الشرطة العسكرية والتوسط بين سلطات الدولة والسكان المحليين والتشفع لتأمين الإفراج عن المعتقلين. ولكن روسيا لم توقف النظام في مساره، ولم تمنع الدولة السورية من ممارسة سيطرتها السيادية على المواطنين السوريين. ونظرا لروابطها مع قوات سوريا الديمقراطية، فمن المحتمل أن تهتم روسيا بترتيب شروط تفضيلية لها تحت سلطة النظام المستعادة -ولكنها تفضيلية ضمن حدود معينة، والماضي خير دليل على ذلك.

مع ذلك، فإن مصالح روسيا ستجد طريقها الصحيح من خلال مساعدة أكراد سوريا. يبدو أن الأولوية الرئيسية لروسيا في سوريا هي استعادة سيادة الدولة السورية على كامل الأراضي السورية، كما أن روسيا لديها حافز لمنع تركيا من الاستيلاء على المزيد من البلاد، بما في ذلك شمال شرق البلاد، وكذلك لديها حافز للتوسط في ترتيبات معينة لقوات سوريا الديمقراطية، بحيث تكون ترتيبات تسمح للنظام بالعودة بأقل قدر من العنف. وبذلك، يمكنها أن تدعي أنها ساعدت جميع الأطراف الثلاث، وبالتالي عززت موقفها الإقليمي: سوريا بالسماح لها باستعادة سيادتها؛ تركيا من خلال الحد من سلطة الأكراد وحرمانهم من السيطرة على الحدود التركية؛ والأكراد من خلال تجنيبهم هجوم عسكري ضدهم.

استنتاج

ليس بالضرورة أن يكون الانسحاب الأمريكي من سوريا قرارًا خاطئًا، أو دافعًا لصراع دامي. ما يهم هنا هو “كيف” يحدث هذا الانسحاب. وفي حين لا يمكن استبعاد منعطف آخر، يبدو أن “ترامب” قد وضع الولايات المتحدة في مسار نحو مغادرة سوريا، لكن التفاصيل لا تزال غير واضحة. قد تكون هناك بعض المرونة في وتيرة التحرك. وأي وقت إضافي، حتى ولو كان محدودا، قد يسمح للحلفاء العسكريين وحلفاء التحالف الأمريكيين، بإعداد مخرج منظم.

في أي وقت لا يزال متاحا، تحتاج الولايات المتحدة إلى بذل كل ما في وسعها للضغط على تركيا وإقناعها بعدم شن هجوم على الأراضي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في حين تسمح بمواصلة محادثات قوات سوريا الديمقراطية ودمشق. خاضت قوات سوريا الديمقراطية جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة نيابة عن “واشنطن” حملة لطرد “داعش” من معاقله. وسيكون للتخلي عن قوات سوريا الديمقراطية، عواقب سلبية دائمة على قدرة الولايات المتحدة على الحصول على شركاء جدد في مكافحة الإرهاب؛ وسيكون من الخطأ أيضا التخلي عنهم.

يتعين على روسيا أيضًا استخدام الوقت الذي تحتاجه لضمان ألا تؤول مرحلة ما بعد الولايات المتحدة إلى الفوضى. يتعين على روسيا أن تبدأ مباحثات مع تركيا والنظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية، تهدف إلى إحداث تحول في شمال شرق سوريا من شأنه أن يجنبنا حرب مفتوحة العنان للجميع. ومن المرجح أن يتطلب هذا الانتقال عودة قوات النظام السوري إلى الحدود السورية التركية، فضلاً عن ترتيب سياسي يترك الأكراد السوريين يتمتعون بقدر من الحكم الذاتي المحلي.

ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد