إيمي أوستن هولمز- ديوين هاوزي- بريت كوهين
في ديسمبر 2018، وهو نفس العام الذي فازت فيه الناجية من الإبادة الجماعية نادية مراد بجائزة نوبل للسلام، التقت بوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لمناقشة الضربات الجوية التركية التي استهدفت مسقط رأسها في شنكال بالعراق. ونشرت على تويتر صورة لاجتماعهما قائلة: ” يجب على تركيا والعراق العمل معًا لإيجاد حل لمنع أي تفجيرات أخرى في شنكال. نريد إعادة بناء ما دمره داعش ومساعدة الإيزيديين على العودة إلى ديارهم”. ولكن تم تجاهل دعوتها للعمل.
العدوان التركي في شنكال
على مدار السنوات الخمسة الماضية من عام 2017- 2021، نفذت تركيا غارات جوية في شنكال، الموطن التاريخي للإيزيديين، وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنه لا توجد مراقبة دولية جادة تركز على العمليات التركية في شنكال وتداعياتها على تعافي الإيزيديين من الإبادة الجماعية.
إذ تساهم الضربات الجوية التركية في زعزعة الاستقرار وعرقلة التنمية والنهوض في شنكال والتي تقع في محافظة نينوى، وهي منطقة متنازعة عليها تاريخياً بين كل من بغداد وأربيل، وكانت فقيرة وهامشية حتى قبل أن يهاجمها ” تنظيم الدولة الإسلامية”. إلى جانب التهديدات الأمنية الأخرى ونقص الخدمات الأساسية، يبدو أن الغارات الجوية والطائرات المسيرة التركية هي أيضًا أحد الأسباب العديدة التي تجعل الإيزيديين مترددين في العودة إلى منازلهم.
ففي شهر يوليو/ تموز وحده، انتهى الأمر بـ472 إيزيدياً قصدوا شنكال وإعادة بناء حياتهم، العودة مجدداً إلى مخيمات النازحين التي تقع في دهوك، وذلك وفق لمركز تنسيق الأزمات المشتركة في إقليم كردستان. وتمت الإشارة إلى انعدام الأمن والخدمات الأساسية والوظائف كأسباب رئيسية دفعتهم للعودة والعيش في المخيمات. وفقًا لأحد التقديرات، لا يزال حوالي 350.000 إيزيدي يعيشون في مخيمات للنازحين داخليًا وغير قادرين على العودة إلى شنكال.
وصدر بيان من قبل القيادة العامة لوحدات مقاومة شنكال مع وحدات حماية المرأة الإيزيدية في الشهر الثاني من هذا العام، جاء بعنوان” لا تسمحوا لتركيا بتدمير الإيزيديين في شنكال” ويفصل البيان الدمار التاريخي للأقلية الإيزيدية في تركيا والاضطهاد المستمر في سوريا وذلك في المناطق التي تحتلها تركيا، مما يسلط الضوء على أهمية شنكال كواحدة من الملاذات الأخيرة المتبقية للإيزيديين في الشرق الأوسط.
في أعقاب الإبادة الجماعية في عام 2014، تأسست وحدات حماية شنكال (YBS) ووحدات المرأة الإيزيدية (YJE)، وهي قوات دفاع محلية تضم العديد من الإيزيديين الأصليين في شنكال. وقاد الكرد السوريون في وحدات حماية الشعب مع حوالي 12 من كوادر حزب العمال الكردستاني في أغسطس 2014 جهود الإنقاذ الأولية في شنكال، مما فتحوا ممرًا سمح للعديد من الإيزيديين المحاصرين على قمة الجبل بالهروب إلى بر الأمان. وفقًا لأحد الناجين الإيزيديين الذي تمت مقابلته في عام 2014: ” لولا المقاتلين الأكراد، لكنا فقدنا حياتنا دون بد”. وعقب ذلك، بدأ حزب العمال الكردستاني، بتدريب الإيزيديين المحليين للدفاع عن أنفسهم وعن منطقتهم في الفراغ الذي نشأ بعد انسحاب قوات الأمن الأخرى.
حسب وجهة نظرة تركيا، ترى أنقرة أن وحدات حماية شنكال مع الجناح الدفاعي للمرأة على علاقة مع حزب العمال الكردستاني، مع أن تشكيل الوحدات الحماية في شنكال جاء للدفاع عن الإيزيديين في العراق من الإبادة الجماعية، ورغم أنهم تلقوا تدريباتهم في البداية من قبل حزب العمال الكردستاني، فقد ورد أن تلك الوحدات تتلقى منذ عدة سنوات رواتبهم من الحكومة المركزية في بغداد. علاوة على ذلك، أكد بيان مشترك لهذه الوحدات، ‘نهما “ تتبعان للحكومة العراقية” وتعملان بالتنسيق مع قيادة عمليات الموصل والفرقة 20 من الجيش العراقي التي تنتشر في شنكال. وفي 13 كانون الأول (ديسمبر) 2020، اقترح وزير الداخلية العراقي على الوحدات الحماية خيار وضعهم تحت قيادة الأمن القومي العراقي أو الحشد الشعبي كجزء من اتفاقية شنكال. وحسب ما ورد انضمت “YBS” إلى الحشد الشعبي تحت اسم الفوج 80 وتمت الإشارة إليه مؤخرًا باسم الفرقة الثالثة. بالإضافة إلى الجماعات الإيزيدية الأخرى، وأكدت مصادر محلية بأن هناك حوالي 2000 جندي عراقي من الجيش الاتحادي، و400 من الشرطة الفيدرالية وأكثر من 10000 شيعي من قوات الحشد الشعبي من ميليشيا بدر والنجباء وعصائب أهل الحق وكتائب سعيد الشهداء وكتائب حزب الله المتمركزة في العراق تنتشر في منطقة شنكال.
المنهجية
ومن أجل إنشاء قاعدة بيانات شاملة عن العمليات العسكرية التركية في شنكال، قمنا بتجميع معلومات من خمسة مصادر مختلفة: موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث، والمجلة الشهرية” Janes Intelligence Review “، ومؤسسة” الحروب الجوية”، والسكان المحليين، وتويتر. ومن خلال هذا الرصد التي تقتصر على شنكال فقط- لا تشمل أماكن أخرى في إقليم كردستان والعراق- استطعنا أن نقدر تقريبيًا المدة الزمنية التي وقعت فيها الضربات التركية على شنكال، وكلها حدثت بعد عام 2016.
وتظهر البيانات بأن تركيا نفذت غارات جوية أو تسير طائرات مراقبة بدون طيار على مدار 24 يومًا على الأقل بين 2017-2021. وتضمنت ثلاثة أيام من 24 يومًا من نشاط الطائرات بدون طيار دون الإبلاغ عن أي ضربات. بيد أن العدد الإجمالي للغارات الجوية غير معروف، لكن في بعض الحالات يزعم المسؤولون الأتراك أنهم ضربوا أكثر من 81 هدفًا في يوم واحد. وتزعم إنها قامت بـ “تحييد” عناصر حزب العمال الكردستاني ودمرت معسكراتهم وقدرتهم على شن هجمات من العراق صوب تركيا، وعلى الرغم من أن شنكال تقع على بعد أكثر من 150 كيلومترًا جنوباً من الحدود التركية.
يشكك البعض، بمن فيهم الإيزيديون في شنكال، حول المزاعم التركية التي تهدف من ورائها تسير العمليات الجوية تحت يافطة” مكافحة الإرهاب”. إذ قُتل ما لا يقل عن 33 شخصًا نتيجة لهذه الضربات الجوية التركية، بما في ذلك المدنيين والبشمركة الكردية وقوات الأمن العراقية والإيزيديين في YBS-YJE. وحسب معطيات مؤسسة” الحروب الجوية” فإن 13 مدنياً قتلوا في شنكال وحدها نتيجة العمليات التركية.
خمس سنوات من الغارات الجوية
ردت الولايات المتحدة على الإبادة الجماعية في أغسطس 2014 من خلال استدعاء شركاء دوليين في التحالف الدولي لهزيمة داعش، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، والتي تشكل أغلبية قياداتها من العرب الآن، والتي تصنفها تركيا أيضًا على أنها مرتبطة مع “حزب العمال الكردستاني”. وبحلول كانون الأول /ديسمبر2015، تم طرد مقاتلي الدولة الإسلامية بالكامل من شنكال.
واستنادًا إلى بيانات مفتوحة المصدر، كانت الغارات الجوية التركية الأولى التي استهدفت شنكال جاءت في أبريل/نيسان من عام 2017 – وذلك بعد فترة طويلة من تطهير المنطقة من مقاتلي داعش. فضلاً على أن هذه الضربات الجوية كانت جزءًا من عملية تركية أكبر في كل من العراق وسوريا، وأدانتها واشنطن وأربيل وبغداد والعديد من المدافعين عن الإيزيديين. وصرح الناطق باسم التحالف أن ” تحالف مكافحة داعش لم يوافق على الضربات الجوية”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إنهم “قلقون للغاية”، بينما قال مسؤول دفاعي إنهم تلقوا إشعارًا مسبقًا قبل ساعة واحدة فقط من شن الضربات التركية. ووصفها مجلس الوزراء العراقي بأنها ” انتهاك خطير لسيادة العراق”. كما انتقدت حكومة إقليم كردستان العمليات التي أسفرت عن مقتل خمسة من مقاتلي البشمركة. بينما أوضح الرئيس التركي أردوغان في وقت لاحق أن الضربات الجوية ” لم تكن على الإطلاق عملية ضد البيشمركة”، غير أنه تعهد بمواصلة قتال حزب العمال الكردستاني.
من غير الواضح سبب بدء الضربات الجوية التركية على شنكال في أبريل 2017. ولا يزال التحالف الدولي الذي تشترك تركيا فيه، يركز بشدة على محاربة ” تنظيم داعش”، نظراً لخطورتها في بعض المناطق من العراق وسوريا. وصادف عام 2017 أيضاً أن تجاوزت أنشطة التدخل التركي نظيرتها الإيرانية في المنطقة، وفقًا لتقرير جديد صادر عن “معهد كوينسي”، حيث قارن المعهد ست قوى شرق أوسطية على مدار العقد الماضي، مما يشير إلى أن الضربات الجوية في شنكال كانت جزءًا من طموحات تركيا الإقليمية التوسعية.
على الرغم من الإدانات الشديدة، استمرت الضربات الجوية التركية في شنكال – بل وزادت. وخلال فترة الخمس سنوات، شهد عام 2020 أكبر عدد من الغارات الجوية التركية في شنكال. وبعد جولة أخرى من الضربات الجوية في يونيو/حزيران 2020، أفادت التقارير باستخدام طائرات بدون طيار أمريكية الصنع من طراز F-16 وطائرات بدون طيار تركية الصنع من طراز ” بيرقدار”. وقالت جايل مانشين، رئيسة لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية والتي تعرف اختصاراً بـ (USCIRF) المكونة من الحزبين في ذلك الوقت، إن الضربات كانت ” تهدد مئات العائلات الإيزيدية التي أصيبت بالفعل بصدمة نفسية في الوقت التي تحاول العودة إلى شنكال”.
واستهدفت الغارات الجوية التركية عدة مواقع مختلفة في جبل شنكال، وكذلك مناطق في الشمال والجنوب، إذ أدرجت بيانات” موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث” جميع الضربات الجوية حول جبل شنكال على أنها تقع في المدينة نفسها، ولم تكن البيانات تحدد المناطق بصورة دقيقة. وعندما لا تتمكن مصادر البيانات البديلة من توفير مواقع أكثر دقة، نقوم بالاعتماد على إحداثيات “موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث”. لكن الغالبية العظمى من الضربات استهدفت مناطق حول جبل شنكال، حيث يعيش العديد من الإيزيديين. كما وقعت أحدث غارة جوية في شنكال في 30 يونيو/حزيران من هذا العام وأصابت مركبة تعود إلى وحدات حماية شنكال بالقرب من مخيم “سربست”، وذلك وفقًا لوصف الموقع من قبل موقع النزاع المسلح وبيانات الأحداث.
استغاثة الايزيديين تذهب سدى
بالإضافة إلى الحائزة على جائزة نوبل نادية مراد، ناشدت مجموعة إيزيديون بارزون آخرون، بمن فيهم باري إبراهيم ومراد إسماعيل، المجتمع الدولي إلى تقديم المساعدة. وفي بيان مكتوب بتاريخ 30 يوليو/ تموز، قال باري إبراهيم، مدير مؤسسة الإيزيديين الحرة: ” يذكر العديد من الإيزيديين في مخيمات النازحين أن الغارات الجوية هي أحد أسباب تخوفهم من العودة… لم تكن تركيا مهتمة بقصف شنكال عندما كانت تحت سيطرة داعش. يجب على التحالف الدولي أن يضع حداً فورياً لهذه الهجمات. إنها مزعزعة للاستقرار وخطيرة “.
وعمل مراد إسماعيل بلا كلل لسنوات كمؤسس مشارك ومدير سابق لـ “مؤسسة الإيزيديين الحرة“، وهي منظمة دعوية عالمية مكرسة لحماية الإيزيديين. ويحلم إسماعيل ببناء أول مؤسسة للتعليم العالي في شنكال. وفي الوقت الحالي، سيقوم بتقديم الدورات في أكاديمية شنكال عبر الإنترنت، لكنه يأمل في بناء حرم جامعي من الطوب وقذائف الهاون في منطقة شنكال خلال السنوات الخمس المقبلة. ولم يخفي إسماعيل في التعبير عن إحباطه قائلاً:” لقد طلبنا مرارًا من المجتمع الدولي الضغط على تركيا لوقف هذه الضربات التي لم تتوقف للأسف”.
إن مناشدتهم للمساعدة أمر مفهوم، لا سيما بالنظر إلى أن “الحفاظ على التعددية التاريخية الغنية في العراق” وإعادة دمج “مجتمعات الأقليات العرقية والدينية المضطهدة” تظل أولوية قصوى عبر الوكالات الحكومية الأمريكية.
هل سينهي اتفاق شنكال الضربات الجوية التركية؟
يأمل بعض المراقبين أن تمهد اتفاقية شنكال التي وقعت في تشرين الأول / أكتوبر 2020 بين أربيل وبغداد الطريق لحل المنطقة المتنازع عليها، على الرغم من غياب القادة الإيزيديين بشكل ملحوظ عن المفاوضات. وحسب الاتفاقية، الموقعة تحت رعاية بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، يجب على جميع الجماعات المسلحة الانسحاب من شنكال. ومن المقرر استبدالهم بنحو 2500 من “قوات الأمن المحلية”. ومع ذلك، فإن العديد من النساء والرجال في الوحدات الحماية هم بالتحديد الإيزيديون المحليون من شنكال – وهم نفس الأشخاص الذين نجوا من الإبادة الجماعية في عام 2014، ونظموا أنفسهم لحماية مناطقهم من المزيد من هجمات الإبادة الجماعية.
حول ضرورة المراقبة الدولية في شنكال
على الرغم من اتفاقية شنكال في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، استمرت الضربات الجوية التركية، وضربات الطائرات المسيرة والمراقبة في استهداف المنطقة في هذا العام. وعقب الغارات الجوية التي استهدفت شنكال ومخيم مخمور القريب للاجئين في يونيو/ حزيزان الماضية، اعربت ليندا توماس غرينفيلد، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، عن قلقه وقال إن ” أي هجوم يستهدف المدنيين في مخيم مخمور للاجئين، سيكون انتهاكًا للقانون الدولي والإنساني”. وعلى عكس الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التي تعمل بالوكالة المدعومة من تركيا مثل أحرار الشرقية في سوريا، والتي أقرتها وزارة الخزانة الأمريكية يوم الأربعاء، يمكن إرجاع الضربات الجوية التي نفذها الجيش التركي مباشرة إلى أنقرة نفسها.
من دون اتفاق مناسب على ما يمكن اعتباره جماعة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، من المرجح أن تستمر تركيا في استهداف المدنيين ووحدات المرأة وقوات حماية شنكال بطريقة مماثلة. من أجل الحد من العنف وضمان فرصة التنمية السلمية في شنكال، يجب تعزيز المراقبة الدولية.
وتماشياً مع قانون “إيلي ويزل” لمنع الإبادة الجماعية والفظائع وقانون “الهشاشة العالمية“، لدى إدارة بايدن فرصة لقيادة المجتمع الدولي في التعافي من الإبادة الجماعية، ويجب أن تعطي الأولوية لحماية المدنيين في العراق وسوريا. فبعد سبع سنوات من الإبادة الجماعية المدمرة، يستحق الإيزيديون فرصة إعادة البناء دون خوف من الموت يحوم فوق رؤوسهم.
المصدر: المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف
ترجمة: المركز الكردي للدراسات