اللوبي التركي في “واشنطن”.. شبكة شركات وعلاقات متعددة تورط فيها “ترامب” ومستشاريه

آدم كلاسفيلد | كورت هاوس نيوز

أنهت شركة “بالارد بارتينرز” التي يطلق عليها لقب “أقوى جماعات الضغط في (واشنطن) في عهد (ترامب)” ، عقدها الذي دام لسنوات مع “خلق بنك” التركي الذي تديره الدولة، الأسبوع الماضي، بعد يوم من اتهام هذا البنك في قضية غسيل أموال تتجاوز كل المعايير والقضايا السابقة. وتأتي إدانة “خلق بنك” وسط انسحاب سريع للقوات الأمريكية من سوريا، في أعقاب مكالمة هاتفية بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث كانت القوات الكردية تسيطر على منطقة شمال شرق سوريا حتى قبل أسبوعين، عندما بدأ غزو القوات التركية في دفعها جنوبًا.

قبل 4 سنوات، أقر الرئيس الأمريكي الذي تزين علامته التجارية “ترامب تاورز” مدينة “إسطنبول” التركية، بوجود “تضارب في المصالح” لديه في تركيا، إلا أن السجلات العامة تظهر أن المصالح التركية أكثر عمقا من إمبراطوريته التجارية.

قضت “بالارد بارتينرز”، التي يديرها أكبر جامع تبرعات لـ”ترامب” في ولاية “فلوريدا” الأمريكية براين بالارد، في تمثيل الحكومة التركية و”خلق بنك” لما يزيد عن عامين، وحققت أرباحا تقترب من مليوني دولار، حيث ضخ “بالارد” حوالي 295 ألف دولار، في الربع الأخير من هذا العام، لصالح لجنة العمل السياسي “ترامب فيكتوري”، وهي حملة ترشح الرئيس الأمريكي، كما تبرع بعشرات الآلاف الإضافية من الدولارات، لصالح حملة “ترامب” وشركائه.

وتظهر السجلات التي تم الكشف عنها بموجب قانون تسجيل الوكلاء الأجانب، قانون “فارا”، أن مدفوعات تركيا لـ”بالارد” تتزامن مع تغلغل تركي واسع في وزارة الخارجية ووزارة الخزانة والبيت الأبيض، في لحظات حرجة من تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. في 11 مايو/آيار 2017، وقعت شركة “بالارد بارتينرز” عقدا بقيمة 125000 دولار شهريًا مع الحكومة التركية، بعد أقل من شهرين من اتهام المدير التنفيذي لـ”خلق بنك” حاقان آتيلا، بالمساعدة في تحويل مليارات الدولارات إلى إيران، فيما يعد انتهاكا للعقوبات الأمريكية.

كذلك، وقع “خلق بنك” عقدًا منفصلاً مع “بالارد” بنفس القيمة المالية في أغسطس/آب، قبل شهرين من بدء المحاكمة في تلك القضية، لكن “بالارد بارتينرز” أعلنت، يوم الأربعاء الماضي، أنها لن تمثل البنك الذي تديره الدولة التركية والذي تم توجيه الاتهام إليه في نيويورك قبل الإعلان عن فسخ التعاقد بيوم واحد.

ولا تعد تلك هي الشركة الوحيدة التي ترتبط بـ”ترامب” وقررت أن تنأى بنفسها عن المسألة، ففي يوم الجمعة الماضية، عندما سعى ممثلو الادعاء الأمريكي إلى إدانة “خلق بنك”، أعلنت شركة “كينج&سبيندينج” للمحاماة، أنه ليس لديها تصريح بقبول التعاقد مع البنك الذي كانت تمثله على مدار العامين الماضيين. وتعد شركة “كينج&سبيندينج”، من بين الشركات التي ارتبطت بالرئيس الأمريكي، حيث إن مديرها هو كريستوفر وراي المستشار السابق لإمبراطورية الرئيس دونالد ترامب العقارية، ولكن الشركة لم تستجب لطلب التعليق على الأمر، بعد جلسة يوم الثلاثاء، التي أعلن فيها المدعى العام أن البنك بات “طريدا”.

قبل أن يقطع “بالارد” تعاقده مع البنك التركي، قاد حملة الضغط التي أدت إلى تعيين ثلاثة من كبار الشخصيات في الشركة للعمل نيابة عن تركيا، وهم: عضو الكونجرس الأمريكي السابق روبرت ويكسلر، وجيمي روبن المسؤول السابق بوزارة الخارجية في عهد “كلينتون”، وسيل لوكيس الشريك الإداري في الشركة.

وفي العام التالي، نشر مقال يفخر بنفوذ الشركة الضخم في إدارة “ترامب”، في مجلة “بوليتيكو”، حيث يعمل “روبن” كمحرر مساهم. وقال “روبن”، لـ”كورت هاوس نيوز” في مقابلة عبر الهاتف، إن “الشركة حاولت التأكد من أن الوكالات الأمريكية ستدرك كيف يمكن أن تؤثر التهم الموجهة ضد خلق بنك على العلاقات الدولية مع أحد حلفاء الناتو”. وقال “روبن”، موضحًا سبب إنهاء الشركة لعقدها، إنه “بمجرد توجيه لائحة الاتهام، تم تقليص عملنا لصالح خلق بنك، لأن الأمر بات في أيدي القضاء. وقد توصلنا إلى أنه ليس هناك ما يمكن أن نقدمه”.

تشير السجلات العامة إلى أن “روبن” نفسه كان له اتصالات محدودة تتعلق بعقود تركيا وخلق بنك، والتي تُظهر أن الدبلوماسي الذي تحول إلى أحد أعضاء جماعات الضغط، أجرى مكالمتين هاتفيتين مع ماثيو بالمر نائب مساعد وزير الخارجية في وزارة الخارجية.

في 11 مايو/آيار 2017، اليوم الذي وقعت فيه “بالارد بارتينرز” مع تركيا كعميل، أنفق “ويكسلر” أكثر من 8000 دولار من أموال الحكومة التركية على نفقات السفر”. وبعد خمسة أيام، عقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أول قمة في المكتب البيضاوي مع “ترامب”، حين هاجم حراس “أردوغان” المتظاهرين المسالمين في شوارع “واشنطن” وبقي البيت الأبيض صامتًا بشأن الحادث، وبعد شهرين تقريبًا في يوليو/تموز 2017، اتصل “بالارد” بأحد مستشارى “ترامب”، وهو شون كايرنكروس، لأسباب لم يكشف عنها في السجلات العامة.

وبعد أكثر من عام بقليل، عقد “بالارد” اجتماعًا شخصيًا مع نيك آيرز رئيس طاقم موظفي نائب الرئيس مايك بنس، في 24 يوليو 2018. وبعد

يومين من هذا الاجتماع، هدد “بنس” بفرض عقوبات على تركيا إذا لم تفرج عن القس الأمريكي آندرو برونسون، الذي سجنته الحكومة التركية، فيما أسماه منتقدي تلك الخطوة “دبلوماسية الرهائن”. وفي اليوم التالي، دفع “ويكسلر” رسوم سفر على حساب “خلق بنك”، بأكثر من 12000 دولار، فيما تحدث “بالارد” و”آيرز” عبر الهاتف. وعلى مدار الأشهر القليلة التالية، تواصل أعضاء اللوبي التركي في “بالارد” مع المسؤولين الأمريكيين والأتراك بشكل مستمر و منتظم، بما في ذلك محامي “ترامب” جاي سيكولو ورئيس طاقم موظفي “بنس” ومساعد وزير الخارجية المعيّن من قبل “ترامب” ويس ميتشيل.

في 12 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أسقط “ترامب” تهديده بالعقوبات مقابل إطلاق سراح “برونسون”. وخلال تلك الفترة، طالب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، بأن تتخلى الولايات المتحدة عن تحقيقاتها ضد “خلق بنك”. وكتب “بنس” على “تويتر” محتفلا: “لقد عاد القس أندرو برونسون إلى المنزل”، ونسب إلى “ترامب” الفضل في الإفراج عن “رجل الإيمان البرئ”.

وبالرغم مما حدث، فقد استمرت تركيا في احتجاز ثلاثة من موظفي القنصلية الأمريكية وسط صمت نسبي من البيت الأبيض، وأبقيت قضية “خلق بنك” حبيسة الأدراج لأكثر من عامين، حتى بعد أن أدين مديره السابق سليمان أصلان والمدير التنفيذي آتيلا، بالاستيلاء على مليارات الدولارات.

وفي خضم كل هذا، ظل “خلق بنك” يحتفظ بنفوذ كبير، ففي عام 2014، سجلت شركة “جرينبرج تراويج” كوكيل للحكومة التركية، ومثل شريكها السابق رودي جولياني (عمدة نيويورك السابق وأحد أكبر داعمي ترامب) تاجر الذهب رضا ضراب الذي قاد عملية التآمر التي نفذها “خلق بنك”، وقد أصرت الشركة على أنها حافظت على “جدار أخلاقي” بين تمثيلها القانوني وضغطها، لكن الناقدين لها وجدوا أنه من الصعب التمييز بين تمثيل “جولياني” لـ”ضراب” والاستشارة السياسية.

لم يحضر “جولياني” أبدًا إلى المحكمة، حيث كان يتنقل بين “واشنطن” وعاصمة تركيا “أنقرة”، بالنيابة عن “ضراب”. وقد كشف عن لقاءاته مع “أردوغان” وكبار الدبلوماسيين الأمريكيين والأتراك في ملفات المحكمة. وبعد عامين، خرجت إلى النور تفاصيل اجتماع “جولياني” في المكتب البيضاوي مع “ترامب”، في محاولة لمقايضة “ضراب” مقابل “برونسون”، حيث ظهرت تلك التفاصيل في التقارير الإخبارية التي نشرتها “بلومبرج”، وتطابقت مع “نيويورك تايمز” و”واشنطن بوست”.

وتؤكد السجلات العامة تلك الروايات المنقولة عن مصادر مجهولة لمشاركة البيت الأبيض، حيث ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن اجتماع المكتب البيضاوي انعقد في خريف عام 2017، في الوقت الذي أظهرت فيه السجلات العامة اتصالات بين جماعات الضغط في “بالارد” وأحد مستشاري “ترامب” آنذاك شون كايرنكروس ومساعده ريد كوردش. وبعد لقائه مع “كايرنكروس” في شهر أغسطس، أرسل “بالارد” في أكتوبر رسالة بالبريد الإلكتروني إلى “كوردش”.

ويُقال إن “جولياني” كان مشاركًا رئيسيًا في اجتماع المكتب البيضاوي، وكان ينفذ ما وصفه النقاد بـ”دبلوماسية الظل” التي يتبعها “ترامب”، من خلال دفع المصالح الشخصية للرئيس في اجتماعات مع رؤساء دول أجنبية. وقد ترك عمدة مدينة نيويورك السابق منصبه في شركة “جرينبرج تراوريج”، في مايو/آيار 2018، من أجل العمل مع “ترامب” على وجه الحصر.

في الوقت نفسه، تظهر شركات محاماة أخرى مرتبطة بـ”ترامب” في مدار “خلق بنك”، حيث دفع البنك التركي لشركة “مكديرموت ويل وإيمرى” من أجل الدفاع عن “آتيلا”، قبل إدانته، وقد سبق لنفس الشركة أن مثلت المحامي السابق لـ”ترامب” مايكل كوهين. كما كشفت شركة “كينج&سبالدينج” أنها مثلت “خلق بنك” فيما يتعلق بالتحقيق الذي أجرته وزارة العدل في ملف تم الكشف عنه يوم الاثنين الماضي.

في غضون أيام من ذلك العقد، أدلى “ضراب” بشهادة يورط فيها رئيس تركيا في جريمة مالية ضخمة، وسرعان ما تم تسجيل الشركة كوكيل أجنبي. وجاء في مذكرة “كينج&سبالدينج” أن الشركة “عملت على إعداد وتقديم اقتراح إلى وزارة العدل الأمريكية للتعاون بين حكومتي الولايات المتحدة وتركيا فيما يتعلق بالتعامل مع مسألة قانونية أمريكية”.

ووفقًا لسجلات “فارا” التي حصلت عليها شركة “كابلين آند درايسديل”، فإن الأمر يتعلق بمحاولة لمنع تمرير قضية “آتيلا” أمام المحكمة، في مقابل تعاون جهات إنفاذ القانون التركي بشأن العقوبات ضد إيران. وعلى الرغم من أنها أبلغت عن إنهاء علاقتها بوزارة الخارجية التركية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2017، فإن علاقة “كينج&سبالدينج” مع “خلق بنك” امتدت لسنوات. وقد عزز أباطرة الصناعة التركية العلاقات مع الرئيس الأمريكي، الذي يملك مالك إمبراطورية “دوغان” الإعلامية التركية حق العلامة التجارية لأبراج “ترامب” في إسطنبول. كما عملت إيفانكا ترامب مع صهر “دوغان”، محمد علي يالسنداي، الذي كان متحدثًا متميزًا هذا العام في المؤتمر السنوي السابع والثلاثين للعلاقات الأمريكية التركية، والذي عقد في أبريل/نيسان الماضي داخل فندق “ترامب” الدولي.

وقد جرى الحدث الذي تمت استضافته من قبل المجلس الأمريكي التركي غير الربحي -وهو مجموعة أعمال وصفتها صحيفة “ديلي صباح” التركية ذات الانحياز الحكومي بأنها “اللوبي التركي الرئيسي في الولايات المتحدة”- هذا العام للمرة الثانية في فندق “ترامب”، وتصدر قائمة المسؤولون الأمريكيون والأتراك بوصفهم “ضيوفاً متميزين”، ومن بينهم صهر “أردوغان” بيرات ألبيرق، وصهر “ترامب” جاريد كوشنر، ووزير التجارة الأمريكي ويلبر روس، ونائب وزير الطاقة الأمريكي دان برويليت. ولم يرد المجلس على رسالة بريد إلكتروني طلبنا فيها معلومات حول الترتيبات المالية مع فندق “ترامب”، وما إذا كان المتحدثون قد حصلوا على مكافآت مالية.

في 16 أبريل، اليوم الأخير من المؤتمر، عقد “ألبيرق” اجتماعًا خاصًا فى البيت الأبيض مع “ترامب” و”كوشنر” وستيفن منوشين وزير الخزانة الأمريكي آنذاك. وقد كان الاجتماع مثيرا بالنظر إلى أن وزارة الخزانة أجرت تحقيقًا مطولا في قضية “خلق بنك”، ووجهت اتهاما لـ”ألبيرق” بالتورط في ذلك المخطط.

لمح المحققون الفيدراليون إلى “ألبيرق” باعتباره “قريبًا لرئيس الوزراء آنذاك، وشغل عدة مناصب في الحكومة التركية”. وكان “أردوغان” رئيسًا للوزراء خلال عمليات “خلق بنك” لغسيل وتهريب الأموال، وكان “ألبيرق” يشغل وقتها منصب وزير الطاقة التركية. ولم يرد مسؤولى وزارة الخزانة على الفور على طلب التعليق، أما بالنسبة لوزارة الخارجية، فقد أشار أحد المتحدثين إلى أن الوكالة “تتفاعل بشكل روتيني مع مجموعة واسعة من الشخصيات السياسية وممثلي قطاع الأعمال وأعضاء المجتمع المدني”. وأضاف: “كالمعتاد، لا نعلن عن مناقشات داخلية أو دبلوماسية منتظمة”.

أما الآن، فقد قام وزير المالية “ألبيرق” باستقبال حاقان آتيلا المدير التنفيذي لـ”خلق بنك” في إسطنبول، وكأنه استقبال الأبطال، بعد إطلاق سراحه من أحد السجون الأمريكية، وعينه مديرا عاما للبورصة الرئيسية، رغم أنه مدان في الولايات المتحدة. وقد علق قاضي المقاطعة الأمريكي ريتشارد بيرمان، بقلق تجاه تلميع تركيا للمتهم المدان، قائلا: “أفترض أن هذه طريقة لإعادة إدماج شخص ما في المجتمع، بعد أن أدين بجرائم مالية”.

ومن بين الشركاء الآخرين لـ”بالارد”، بام بوندى الذي لم يكن مشاركًا في جماعات الضغط التركية، ولكنه كان مشاركا في فضيحة “ترامب” 2016، حين تبرعت مؤسسة “ترامب” بمبلغ 25000 دولار لإعادة انتخاب “بوندي” كمحامٍ عام في فلوريدا، في نفس الوقت الذي كان المدعون الحكوميون الآخرون يعملون على التدقيق في حسابات جامعة ترامب. وقد نفى كلاهما ارتكاب أي مخالفات.

ترجمة: أمنية زهران

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد