سيث جاي فرانتزمان
تظهر صور دينز بويراز على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي في ريعان شبابها، حيث ترتسم ملامحها بالفرح والسعادة، وكونها كانت ناشطة مناهضة لحكومة رجب طيب أردوغان المستبدة والإسلامية المتشددة، فإنها كانت تمثل بالنسبة لليمين التركي المتطرف تهديداً.
دينيز قضت نحبها الأسبوع الفائت على يد رجل مقرب من الدولة التركية. كان القاتل يخدم في سوريا وبحوزته أسلحة ورموز تركية قومية متطرفة. حيث دخل القاتل مكتب الحزب السياسي المعارض في مدينة إزمير وقام بتصفية الناشطة السياسية بويراز.
أضحت النساء هدفاً للحكومة التركية المستبدة على مدى الأعوام الأخيرة، حيث أظهرت مقاطع فيديو تصاعد أعمال العنف ضدهن بالمدن، بما في ذلك تلك النسوة اللواتي تعرضن للضرب المبرّح من قبل الرجال. تواجه تركيا الآن، المرشحة لنيل عضوية بالإتحاد الأوروبي، إتهامات بإرسال قتلة مأجورين لتنفيذ عمليات إغتيالات بحق ناشطات بدءاً من سوريا وصولاً إلى فرنسا.
تصور وسائل الإعلام التركية المحسوبة للدولة، النساء ” كإرهابيات” على الرغم من عدم وجود دليل يثبت بأنهن مدججات بالأسلحة أو قيامهن بأية أعمال ” إرهابية”. بالنسبة للدولة التركية وحزب العدالة والتنمية الحاكم، تعتبر النساء التي تدافع عن حقوق المثلية أو النشاطات الطلابية والبيئية ” إرهابيات”، بينما يُحتفى بالرجال المدججين بالسلاح ويقدمون الدعم للإرهاب الحقيقي في سوريا، ويظهرونهم كأبطال في أنقرة .
وقد جعل هذا الوضع الأورويلي المضطرب ( نسبة لجورج أورويل) من حالة النشاط السلمي للمرأة التي تنحدر من اليسار غالباً، في وضعية خطرة، بينما ينظر إلى الرجال الذين على صلة واضحة مع تنظيم داعش على أنهم أشخاص يمكن الإعتماد عليهم في وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة.
جريمة قتل بويراز تشبه إلى حد كبير جريمة قتل هفرين خلف في سوريا ، والتي هي الأخرى كانت في ريعان شبابها، امرأة مسالمة تم أسرها وتصفيتها عام 2019. وكانت خلف رئيسة حزب سوريا المستقبل في سوريا.
وفي العديد من البلدان، تبجل النساء اللواتي على شاكلة خلف وبويراز، كونهن شابات يدافعن عن مستقبل مجتمعاتهن وأوطانهن. لكن لا ينطبق هذا الأمر في تركيا بكل التأكيد، ولا يشمل ما تكتبه الصحف والجرائد الموالية للحكومة. فبالنسبة لوسائل الإعلام التركية والتي تدار معظمها من قبل حزب العدالة والتنمية الحاكم، بحيث يتم زج بالسجن كل من ينتقد على وسائل الإعلام تلك التغريدات المتطرفة التي تقول مثلاً ( هفرين كانت “إرهابية” ويجب ” تصفيتها “) .
عندما إنسحبت الولايات المتحدة من أجزاء في شمال شرق سوريا في أُكْتُوبر / تِشْرين الأَوَّل عام 2019. قامت تركيا بتجنيد جماعات سورية متطرفة تابعة لها بغية اغتيال هفرين خلف، حيث حاصروا المرتزقة سيارتها، وقاموا بقتلها، وتمت تصفيتها بوحشية من قبل رجال يرددون شعارات جهادية.
واستهدف القتلة المأجورين في العام 2013 ثلاثة نساء كرديات في باريس. على أية حال، إن عمليات اغتيال وتصفية أعضاء تحت يافطة ” جماعات إرهابية” في الدول الأوروبية أمر مخالف للقضاء ويعتبر بشكل عام غير قانوني، حتى ولو رأت تركيا هذه النسوة ” كإرهابيات “. لا يوجد ما يُثبت تورطهن بأية أعمال إرهابية بالعموم، وذكرت تقارير بأن عمليات القتل هذه ” شبيهة بعمليات الإعدام ” .
في حُزَيرَان / يُونيُو عام ٢٠٢٠، قامت أيضا طائرات مسيرة تركية باستهداف النساء في سوريا. وحسب وسائل الإعلام الكردية، فإن النساء اللواتي تم استهدافهن، كانوا مدنيات. وحسب ما أوضح التقارير فأن« زهرة بركل هي إحدى النساء اللواتي فقدن حياتهن خلال الهجمات التركية وهي عضوة منسقة في تنظيم اتحاد ستار النسائي». حيث أشار الحساب الرسمي لمنظمة حقوق المرأة في تويتر حينها، بأن كردستان سوريا( روج أفا) تتعرض مرة أخرى إلى جملة من الاغتيالات التعسفية ونشاطات غير قانونية بناء على أوامر الحكومة التركية.
ليس من المستغرب بأن هذه الهجمات تستهدف النساء بدءا من باريس ومن ثم سوريا وصولاً إلى تركيا. هذه الهجمات هي جزء من سلسلة حملات واسعة ضد النساء في تركيا والمناطق التي تحتلها في سوريا.
أينما حلت تركيا فإن حقوق النساء تصبح عرضة للخطر، بدءا من إدلب إلى عفرين وسري كانيه وجرابلس، ومن ليبيا إلى قطر. فهذه هي سياسة حزب العدالة والتنمية المعادي لحقوق المرأة وارتباطه الوثيق مع حركة الإخوان المسلمين، الحركة الدينية اليمينية المتشددة والتي تقف ضد حقوق المرأة في الشرق الأوسط .
تستهدف تركيا النساء الكُرديات على وجه الخصوص، ويعود ذلك للعب هذه النسوة دوراً محورياً في سوريا، وخاصة في السياسة والمجالس المحلية المرتبطة بوحدات حماية الشعب الكردية وحزب الإتحاد الديمقراطي ( PYD)، حيث تتقاسم النساء مع أعضاء الرجال، صلاحية الرئاسة المشتركة. وهي تجربة تتقاطع مع سياسة حزب الشعوب الديمقراطي في تركيا، حيث تشارك النساء في هيكلية الرئاسة المشتركة والتنظيمات المدنية الأخرى. وتبعاً لذلك، ألقت تركيا القبض عليهن وقامت بزجهن بالسجن بتهم ” الإرهاب ” رغم عدم وجود أدلة تثبت إدانتهن بأي فعل يمت صلة بـ ” الإرهاب ” .
في مدينة عفرين، وهي منطقة تعرضت للغزو التركي في كانُون الثّانِي/ يَنَاير عام ٢٠١٨ ، قامت الفصائل المتطرفة المدعومة من قبل تركيا بإختطاف مئات من النساء واحتجازهن في سجون سرية وغالبا ما يتم ابتزازهن. هذه الأعمال تشبه أفعال تنظيم داعش باستهداف النساء واختطافهن، وهذا يدل على تقاسم الجماعات المتطرفة الموالية لتركيا في سوريا مع عقيدة تنظيم داعش.
عندما كانت الولايات المتحدة تقتفي أثر زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي ، كان يختبأ في محافظة إدلب بالقرب من الحدود التركية، كما أن عناصر هذا التنظيم عبروا و فروا إلى تركيا. وطالبت جماعات كردية سورية وهيئات حقوق الإنسان بفتح تحقيق بشأن عمليات الاختطاف والاختفاء القسري الغير قانوني للنساء بمدينة عفرين المحتلة من قبل تركيا.
تصاعدت حرب أنقرة ضد النساء عبر إنسحابها من إتفاقيٍّة المجلس الأوروبي لمناهضة الاعتداء على المرأة والعنف المنزلي المعروفة باسم “اتفاقية إسطنبول”. و تميل تركيا للذكور وخاصة الجماعات الدينية المتشددة، الذين سيدعمون الحكومة في هجومها ضد النساء.
ارتفاع وتيرة هذه الهجمات ضد النساء، يشكل مصدر قلق لأولئك الذين يتعاملون مع تركيا. على سبيل المثال، لو إستلمت تركيا زمام الأمور بمطار كابول الدولي عندما تنسحب الولايات المتحدة من أفغانستان، هل سيؤدي ذلك إلى المزيد من تضييق على حرية النساء لصالح دعم حركة طالبان ؟
فبينما لا تزال هنالك حركات نسائية نشطة في تركيا والتي تتحدى النزعة اليمينية الجديدة، فأن معدلات العنف وعمليات القتل العابرة للحدود، هي ظاهرة نمت بالأعوام الماضية. الحرب على النساء في تركيا هي أيضا جزء من إجراءات صارمة ضد الحقوق المدنية والإنسانية . على سبيل المثال، تم استهداف نشطاء المثليين وكذلك الكُرد والأقليّات والأحزاب المعارضة. وتعتبر تركيا أيضا أكبر معتقل للصحفيين في العالم. و أشار تقرير حديث لمراسلون بلا حدود إلى الإجراءات القمعية التركية في شمالي قبرص التي تحتله.
يواجه كل من دينيز عابدين وكاظم دينيز جي وإسينغول إيكاتش، الذين يعملون لصالح صحيفة يني باكيش ( Yeni Bakış ) التركية القبرصية، السجن لمدة ستة أعوام لنشرهم تسجيلا لمكالمة هاتفية والتي طلب فيها مسؤول في وزارة الداخلية من رجل العثور على اشخاص مستعدين لدفع ما يعادل 1250 يورو مقابل جوازات سفر قبرصية تركية. ومنذ ذلك الحين، وجهت النيابة العامة اتهامات لهم بالفساد.
أبدى النشطاء قلقهم حيال الهجمات التركية ضد النساء كما وعبّر الصحفيون عن تساؤلهم، لماذا لا تحظى هذه الهجمات باهتمام دولي؟. لم يتم إدانة جريمة مقتل دينيز بويراز من قبل المسؤولين في أنقرة. إن الهجوم الإرهابي على حزب سياسي في دولة عضو بالناتو والتي من المفترض أن تتمتع بنوع من الديمقراطية، يعتبر تطورا خطيراً ومريباً، هذه الحادثة تستحضر لأذهاننا الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية. وعادة ما تعرب الدول الديمقراطية عن قلقها حيال هكذا مواضيع كما فعلت عندما تم استهداف الصحفيين بدول أخرى مثل مصر.
بيد إنه عندما يتعلق الأمر بتركيا نرى صمتاً مطبقاً. وهذا أمر واقعي في بعض وسائل الإعلام الغربية الكبرى التي تمجد إحتلال أنقرة لعفرين عبر منشوراتها من دون توجيه أية إنتقادات لها. ويظهر حجم النفاق حينما تميل وسائل الإعلام الغربية الكبرى للإحتفاء بقضايا مثل شعار ” نؤمن بالنساء” ( Believe Women )، وحركة ” أنا أيضا” ( Me Too )، وحتى إستضافة طبعات خاصة مثل برنامج 51٪ 51 percent)) والذي تم الإحتفال به بقناة فرنسا 24 وأماكن أخرى.
على أية حال، لا نسمع أصواتاً لهذه الشعارات الرنانة عندما يتعلق الأمر باستهداف النساء الكرديات والنساء بشكل عام في تركيا. ويبقى أن نرى في القادم الأيام ما إذا كان مقتل بويراز سيؤدي إلى المزيد من الهجمات على الصحفيين والمعارضة والنساء والأقليات في تركيا.
المصدر: جيروزاليم بوست