هل الحضور السعودي في سوريا تدبير قطري- تركي؟

وول ستريت جورنال: الرياض تسعى إلى استخدام المساعدات وسيلة لمواجهة تحركات أنقرة

المركز الكردي للدراسات 
تتقدم المملكة العربية السعودية الدول العربية في التواصل مع الحكومة الانتقالية في دمشق في مسعى ينظر إليه على أنه يأتي في سياق الحصول على موطئ قدم مبكر في العاصمة السورية وعدم ترك الساحة خالية لكل من قطر وتركيا.
ضمن هذا السياق، تناولت صحيفة «وول ستريت جورنال» في تقرير مسارات التنافس على النفوذ في سوريا، حيث تعمل المملكة، إلى جانب الأردن وقطر، على إرسال المساعدات الإنسانية ومساعدات الطاقة إلى سكان سوريا المنهكين من الحرب. وتراهن الدول العربية، وفق الصحيفة، على أن القيام بذلك قد يخدم الأهداف التكتيكية والاستراتيجية من قطع تدفق المخدرات والمقاتلين المتطرفين عبر حدود سوريا إلى مواجهة نفوذ المنافسين مثل تركيا وإيران.
ويقول فابريس بالانش، الخبير الفرنسي في الشؤون السورية: «الحكومات في المنطقة قلقة من الأسس الإسلامية للحكام الجدد ولكن أيضًا من أن شعبيتهم قد يكون لها تأثير طاغٍ بين سكانها. إنهم يريدون أيضاً الحصول على مقعد في سوريا الجديدة».
إن الكيفية التي تتشكل بها ملامح البلاد السياسية بعد السقوط السريع وغير المتوقع لنظام الأسد لها تداعيات واسعة النطاق على المنطقة. ففي أكثر من عقد من الصراع، دعمت الجهات الفاعلة الأجنبية، بما في ذلك الداعمان الرئيسيان للرئيس المخلوع: إيران وروسيا، فصائل مختلفة لتعزيز أجنداتها المتنافسة في كثير من الأحيان وتحويل سوريا إلى مسرح لحروب بالوكالة.
علقت جامعة الدول العربية عضوية سوريا في صفوفها بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية في عام 2011، لكن قادت السعودية حملة لتجديد العلاقات في السنوات الأخيرة.
وفي ظل الفراغ الذي خلفه سقوط الأسد، تعرض الدول العربية الجديدة المساعدة في إعادة البناء وتخفيف نقص الغذاء والطاقة في البلاد، وهي التحركات التي يقول المحللون إنها مدفوعة بأكثر من الإيثار. ففي الأيام الأخيرة، فتحت السعودية جسراً جوياً إنسانياً إلى سوريا، حيث سلمت الغذاء والمأوى والإمدادات الطبية. كما عرضت المملكة تدريب وتجهيز الشرطة المدنية السورية واستبدال إمدادات النفط الإيرانية الخاضعة للعقوبات للمساعدة في تخفيف أزمة الطاقة في دمشق، وهي المقترحات التي لا تزال قيد المناقشة.
وفق الصحيفة، تخشى العديد من الدول العربية، بما في ذلك السعودية والإمارات، من عودة ظهور الجماعات الإسلامية مثل تنظيمي القاعدة وداعش وجماعة الإخوان المسلمين. وسعت إلى منع انتشار الإسلام السياسي في المنطقة منذ أن أدت انتفاضات الربيع العربي في عام 2011 إلى الإطاحة بزعماء تونس ومصر وليبيا. وتم ملء هذا الفراغ في بعض الحالات من قبل الجماعات الإسلامية، بما في ذلك الإخوان المسلمين في مصر الذي أطيح به لاحقاً في انقلاب عسكري. ومنذ ذلك الحين، ضخت السعودية والإمارات مليارات الدولارات في مصر لدعم عبدالفتاح السيسي، الجنرال الذي تحول إلى رئيس.
اختار وزير الخارجية السوري الجديد السعودية لأول رحلة له إلى الخارج الأسبوع الماضي، قبل أن يشق طريقه إلى دول عربية أخرى، بما في ذلك قطر والإمارات والأردن.
ومع ذلك، فإن تركيا لديها روابط قائمة مع هيئة تحرير الشام ومجموعات أخرى عارضت الأسد، ما يمنح أنقرة بداية جيدة مع الحكومة السورية الجديدة على السعودية. بعد أيام من فرار الأسد من سوريا، أرسلت تركيا مسؤولين ورجال أعمال إلى دمشق، معربة عن اهتمامها بالمساعدة في إعادة بناء قطاع الطاقة في البلاد، وفقاً لتصريحات الإدارة السورية الجديدة ووزارة الطاقة التركية.
وترى الصحيفة أن الرياض تسعى إلى استخدام المساعدات جزئياً كوسيلة لمواجهة تحركات أنقرة في سوريا. وقال فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، إن «هدف المملكة العربية السعودية هو موازنة الدور المهم الذي تلعبه تركيا في سوريا الجديدة». وأضاف أن الرياض تريد أيضاً ضمان عدم انزلاق سوريا مرة أخرى إلى العنف والاضطرابات الاجتماعية، الأمر الذي من شأنه أن يهدد الاستقرار الإقليمي.
في السياق، دعمت قطر لفترة طويلة الجماعات المعارضة للأسد واختارت عدم الانضمام إلى المملكة ودول عربية أخرى عند تطبيع العلاقات مع سوريا في عام 2023. وقال مسؤولون في الشرق الأوسط إن الدوحة تجري محادثات متقدمة مع الحكومة الجديدة في البلاد لتوفير الطاقة والمساعدة المالية.
وأصبحت الخطوط الجوية القطرية، شركة الطيران الوطنية للدولة الخليجية، أول شركة طيران دولية تستأنف الرحلات الجوية التجارية إلى دمشق بعد انقطاع دام 13 عاماً. وعرض الأردن، على الرغم من مشاكله الاقتصادية الخاصة، توريد الكهرباء إلى سوريا ويجري محادثات لتوسيع العلاقات مع الحكومة الجديدة هناك.
كتب عبد العزيز العويشق، المسؤول عن الشؤون السياسية في مجلس التعاون الخليجي، في صحيفة «عرب نيوز» أن مجلس التعاون الخليجي يعتزم تقديم المساعدة الفنية لإعادة بناء مؤسسات الدولة والمساعدة في إعادة تأهيل الطرق والكهرباء والمدارس والمستشفيات والمنازل في سوريا.
لكن هناك رواية أخرى بشأن انفتاح السلطة السورية الجديدة على السعودية، وهو ما لم تتناوله «وول ستريت جورنال» التي استندت لآراء عدد من الخبراء الذين حللوا الوضع من زاوية كلاسيكية، وهو أن دول المنطقة تتنافس مع بعضها على النفوذ. لكن الوضع في سوريا أكثر تعقيداً في الوقت الحالي، حيث أن هناك ترجيحات، وفق أوساط مطلعة على الوضع في دمشق والسياسات الإقليمية، أن كلاً من قطر وتركيا تتحركان وفق دينامية جديدة كلياً في سوريا، من بينها محاولتهما إدخال السعودية إلى الساحة السورية وفتح الطريق أمامها من خلال السماح لقائد السلطة الانتقالية أحمد الشرع إعطاء الأولوية للسعودية والسعي لكسب رضاها عبر إظهارها كصاحب نفوذ في سوريا الجديدة. الهدف التركي القطري هو دفع السعودية إلى الانخراط في سوريا والابتعاد عن محور ينظر بتشكك حيال السلطة الجديدة، وكذلك إبعاد الرياض عن مضمون بيان العقبة الذي حدد إطاراً عربياً للتعامل مع سلطة دمشق الجديدة عبر وصاية الأمم المتحدة وتحت ولاية القرار 2254 وإشراف عربي على تلبية دمشق لمعايير بيان العقبة.
لكن السؤال هنا، لماذا لا تخشى قطر وتركيا من السعودية في سوريا؟ ترجّح مصادر سياسية أن السبب هو أن السعودية لا تمتلك رؤية استراتيجية في سوريا، وأن كل ما تفعله سيصب في النهاية في جعبة قطر وتركيا.
في كل الأحوال، لم تسارع كل الدول العربية إلى احتضان الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام. فقد رحبت الإمارات بالوفد السوري هذا الأسبوع، لكنها لم تعرض أي مساعدة اقتصادية علناً وفق «وول ستريت جورنال». وقال أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، في مؤتمر في أبو ظبي في منتصف ديسمبر/كانون الأول، إن الجذور الإسلامية للحكام الجدد وارتباطاتهم السابقة بالجماعات المتطرفة «مقلقة للغاية». وأضاف أنه إذا انتهى الأمر بالعناصر المتطرفة بين الفصائل إلى الهيمنة، «فإن هذا كله سيقودنا إلى أزمة أخرى في المنطقة».

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد