المركز الكردي للدراسات يناقش أحكام السجن في «قضية كوباني»

قدم المركز الكردي للدراسات في السابع عشر من شهر مايو/أيار الجاري برنامجاً حوارياً، باللغة العربية، بشأن الأحكام التعسفية التي أصدرتها المحكمة الجزائية العليا في أنقرة بحق أعضاء وقياديي حزب الشعوب الديمقراطي.

واستضاف البرنامج، الذي قدمه الزميل شورش درويش، الكاتب والصحافي السوري المختص بالشؤون التركية سركيس قصارجيان.
بدأ البرنامج بتقييم لخلفية «قضية كوباني»، وسبب تسميتها بهذا الاسم، وتسليط الضوء على الأحداث التي تتالت حتى وصلت إلى إصدار الحكم بسنوات يبلغ مجموعها 375 سنة بحق 108 سياسياً وحقوقياً من أعضاء حزب الشعوب الديمقراطي.
وقال قصارجيان بأن «قضية كوباني» تأتي من رمزية مدينة كوباني بالنسبة للكرد، حيث هزم فيها تنظيم داعش الإرهابي المدعوم والممول من تركيا، وأصبحت رمزاً للمقاومة الكردية والعالمية ضد القوى الظلامية. وأشار إلى أن «قضية كوباني» تمثل نموذجاً للقضية الكردية التي تواجهها تركيا منذ عقود ولم تجد لها حلاً عادلاً حتى الآن. وأكّد أن هذه الدعوى بشكلها وأحكامها غير مبررة لأنها تفتقر إلى نص قانوني رسمي، فضلاً عن توجه الاتهامات إلى أعضاء حزب محظور في الفترة الحالية، ولكنه كان نشطاً ويتحرك بعلم من الحكومة التركية في فترة مسار السلام، حيث طلب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أعضاء ذلك الحزب التوسط بين حكومته وبين السيد عبد الله أوجلان لبحث خطوات حل القضية الكردية في تركيا. أي بمعنى أن أردوغان أخلف بوعده وأصبح يعادي عملية السلام والوسطاء الذين عملوا على متابعتها. ومن جهة أخرى، أتت هذه الاتهامات للتخلص من قياديي حزب الشعوب الديمقراطي الذين كانوا يلعبون دوراً هاماً في تحريك الشارع الكردي في تركيا للضغط على الحكومة التركية لفك الحصار عن مدينة كوباني التي كان تنظيم داعش الإرهابي سيطر على معظم اطرافها.
وأشار قصارجيان أن تصريحات أردوغان التي جاءت في 7 سبتمبر/أيلول 2015 والتي تحدثت عن سقوط كوباني الوشيك، ومساواته بين تنظيم داعش والقوات الكردية المقاومة عندما وصفهما بالارهاب، والتي كانت محل استنكار وغضب كبير في الشارع الكردي، ما دفع أردوغان للانتقام بسلسلة من الاعتقالات وقتل المتظاهرين وتوزيع الاتهامات العشوائية لقياديي حزب الشعوب الديمقراطي.
وبالحديث عن مسألة التحالف بين حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية، أوضح قصارجيان أن هذا التحالف كان حينها في «نقطة انكسار»، حيث أتت مسألة «قضية كوباني» لتشغل الرأي العام وتزج بالقياديين الكرد في السجون ليكون طوق نجاة لهذا التحالف. فمشكلة الحركة الديمقراطية في تركيا أنها تصطدم دائماً بالنزعة القومية واليمينية التركية التي تعتبر أساساً إيديولوجياً للسياسة السائدة للأحزاب الحاكمة في البلاد. كما أشار قصارجيان إلى أن شراكة حزب الحركة القومية مع حزب العدالة والتنمية لا تكلف أردوغان شيئاً يُذكر، حيث منحته التفرّد بالحكم وبمجريات السياسة العامة وتعيين معظم الوزراء في الحكومة من حزبه، على عكس حزب الشعوب الديمقراطي ومن خلفه من أحزاب مؤيدة للقضية الكردية، حيث أنها تفرض عليه السير بالعملية الديمقراطية والتنازل عن العنجهية السياسية والعسكرية. وقال إن هذه الاعتقالات التي طالت قياديي حزب الشعوب تعتبر بمثابة «بطاقة صفراء» لقياديي حزب المساواة والديمقراطية للشعوب، والتلويح لهم بما يمكن أن يحدث لهم إن لم يرضخوا لسياسة أردوغان.
وفيما يخص حزب الشعب الجمهوري، قال الكاتب والصحافي السوري المختص بالشؤون التركية إنه يعيش فترة قوة غير مسبوقة منذ أيام بولنت أجاويد، وأصبح يتحدث عن تحريك الشارع التركي ويحدد الشعارات السياسية للمرحلة القادمة. ولم يصل اللقاء الذي جمع أردوغان مع رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل إلى تفاهم يُذكر، حيث كان مطلبه الإفراج عن شخصيتين بارزتين في تركيا إحداهما صلاح الدين دميرتاش، الذي خرج من كونه شخصية كردية فحسب وأصبح شخصية يسارية وديمقراطية عامة تحظى بشعبية من كل مؤيدي السلام وإنهاء الحرب في تركيا.
ولدى سؤال الزميل شورش درويش حول ما يمكن أن ينتهجه حزب المساواة والديمقراطية للشعوب في المرحلة القادمة في ظل النظام القضائي الفاسد والمتواطئ مع التحالف السياسي الحاكم، بيّن قصارجيان أنه هناك تضامن كبير مع هذا الحزب سواء من قبل أبناء الشعب أو الصحافيين والحقوقيين وحتى الشخصيات اليمينية التي لا تتعاطف مع الكرد، وكذلك من زعماء حزب الشعب الجمهوري الذين هم بمثابة «رؤساء تركيا القادمين»، كما قال. وأضاف أن هؤلاء حذّروا من خطورة الوضع الذي بات عليه القضاء التركي في الخارج في ظل «قضية كوباني»، في ظل تسريبات عن ملفّ يتم تحضيره في أوروبا عن فساد النظام القضائي التركي. ولفت قصارجيان إلى أن حزب المساواة والديمقراطية لا يمكن أن يتنازل عن مطالبه بحل القضية الكردية في تركيا من جهة، وإرساء الديمقراطية في البلاد (من المفترض أن تكون مطلباً مشتركاً لكل الأحزاب)، من جهة أخرى.
كما أشار قصارجيان إلى مسألة استئناف الدعوى التي من الممكن أن تؤدي إلى ظهور بعض المستجدات في حال تبنّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مواقفاً أشبه بموقف هولندا عندما طالبت تركيا بالإفراج عن المعتقل السياسي عثمان كافالا والمعتقلين السياسيين مقابل عودة التعامل الاقتصادي معها.
وبالحديث عن العلاقة التي تربط بين الفساد القضائي في تركيا وتدهور الاقتصاد في البلاد، استشهد قصارجيان بتصريحات مسؤولين غربيين وتأكيدهم على مسألة تأثير الأحكام القضائية الجائرة على الاقتصاد والبنية الاستثمارية في تركيا. إذ أكدوا أن جولات وزير المالية التركي محمد شيمشك لم تثمر عن نتائج إيجابية بسبب فضائح القضاء التركي، خاصة بما يتعلق بـ«قضية كوباني». وأشار إلى أن أردوغان أمام خيارين اثنين، إما أن يحافظ على حكمه حتى 2028 على حساب الاقتصاد التركي، أو ان يتوجه إلى الديمقراطية التركية نوعاً ما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الاقتصاد.
وعند سؤال الزميل درويش عن احتمالات إلغاء القرار القضائي أو العدول عنه، أوضح قصارجيان أنه ما زال هناك خيار الاستئناف أو قرار الطعن في المحكمة العليا، على الرغم من تجاهل قرارات المحكمة العليا في كثير من الأحيان. وأكّد قصارجيان أنه سيتم الإفراج عن المعتقل السياسي كافالا لعدم ثبوت أي تهمة تذكر عليه. كما أنه سيكون هناك إعادة محاكمة معتقلي «قضية كوباني» والتخفيف في مدة حكمهم، وهذا يتعلق بالضرورة بموقف حزب الشعب الجمهوري والموقف الأوروبي وقوة الشارع المناصر لحزب المساواة والديمقراطية. أما بالنسبة لدميرتاش، فأمره مختلف لأن أردوغان يعتبره خصماً سياسياً شخصياً له.
وفي نهاية حديثه، أكّد قصارجيان أنه يمكن اعتبار أنه سيتم الإفراج عن المعتقلين وإلغاء الحكم الجائر برمته بمجرد انتهاء فترة حكم أردوغان بعد أربع سنوات من الآن، لعدم وجود أي سبب قانوني لإبقاء الحكم وعدم تحمل وزره من قبل الحكام الذين سيخلفون أردوغان مستقبلاً.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد