بيئة أمنية جديدة.. مستقبل القوات الأميركية في سوريا والعراق

المركز الكردي للدراسات
تواجه الولايات المتحدة بيئة أمنية جديدة كلياً في الشرق الأوسط تثير شكوكاً حول قدرتها على التعامل مع التهديدات المتنامية منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر.
ومنذ أن بدأت الحرب في غزة وحتى 20 كانون الثاني، تعرض الجيش الأمريكي للهجوم 58 مرة على الأقل في العراق و83 مرة في سوريا.
وتتمحور نقطة الصراع الحالية حول مسارين؛ الأول تسعى فيه إيران إلى توسيع دائرة الصراع حتى لو كان بشكل فوضوي، مثل قصف جماعة مسلحة من البلوش داخل الأراضي الباكستانية، وهو ما استدعى رداً مماثلاً من إسلام أباد التي قصفت أيضاً مجموعة مسلحة من البلوش داخل إيران. وفي الوقت نفسه قصفت إيران منزلاً لرجل أعمال كردي في أربيل زاعمة أنها دمرت مقراً للموساد الإسرائيلي. من جانب آخر، تواصل جماعة الحوثي استهداف السفن في البحر الأحمر، الأمر الذي أربك الحركة التجارية العالمية وأجبرت العديد من شركات السحن الكبرى على تغيير مسارها إلى طريق رأس الرجاء الصالح، وبذلك تدفع جماعة الحوثي سلاسل التوريد العالمية إلى العودة لمسارات القرن التاسع عشر قبل شق قناة السويس عام 1869.
في الجهة الأخرى، تكافح الولايات المتحدة لإحباط مسار توسيع الصراع في العراق وإيران وسوريا ولبنان، وإبقاء تركيز إسرائيل على غزة لتسريع هزيمة حركة حماس. ويدور الصراع الإقليمي الحالي بين هذين المسارين؛ إيران التي تريد توسيع الجبهة لإجبار الولايات المتحدة على إيقاف حرب إسرائيل ضد حماس، والمسار الأميركي بمنع الصراع من التوسع خارج قطاع غزة.
ومطلع العام الحالي، حدد وزير الدفاع الإسرائيل يواف غالانت أمام الكنيست إن إسرائيل تخوض حرباً متعددة الجبهات وأنها تتعرض للهجوم من 7 جبهات هي غزة ولبنان وسوريا والضفة الغربية والعراق واليمن وإيران.
من بين هذه الجبهات السبع، أعلن غالانت أن إسرائيل “ترد بالفعل على 6 من الجبهات السبع”، من دون أن يحدد الجبهة السابعة التي لا ترد فيها هل هي إيران أم العراق. والأرجح أن تل أبيب تشارك في قصف الجماعات العراقية المسلحة (الحشد الشعبي) رغم أنها لم تعلن ذلك إلى الآن حيث تتبنى الولايات المتحدة كل عمليات الاستهداف ضد الميليشيات الإيرانية.

حرب مزدوجة على الإدارة الذاتية

رغم ذلك، هناك مؤشرات إلى تعرض الولايات المتحدة لضغوط كبيرة في البيئة الأمنية الجديدة في الشرق الأوسط، والتي قد تفوق قدراتها على ضبطها وردع خصومها الأكثر جرأة، من استهداف الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر إلى الهجمات الفتاكة ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق.
وتزداد وتيرة الضغط أكثر بدخول تركيا على خط الاستهداف غير المباشر للقوات الأميركية عبر قصف متكرر ووحشي ضد قوات سوريا الديمقراطية والقطاع الخدمي في شمال وشرق سوريا. وبالتالي تقع مناطق الإدارة الذاتية في دائرة الحرب المزدوجة على جبهتين، تركيا وإيران وحلفائهما من الجانبين. وكلما زادت الهجمات الإيرانية على القوات الأميركية، كلما أصبحت واشنطن في موقف أضعف تجاه الهجمات التركية على شمال شورق سوريا.
وكان لافتاً البيان الحاد الذي أصدره الجيش العراقي رداً على الهجوم الأميركي على قواعد للحشد الشعبي في جرف الصخر والأنبار، حيث أصدر الناطق باسم القائد العام للقوات العراقية يحيى رسول، بياناً دعا فيه المجتمع الدولي إلى تولّي مسؤوليته في دعم السلم والأمن، ومنع كل التجاوزات التي تهدد استقرار العراق وسيادته، مشيراً الى التعامل مع هذه العمليات على أنها “أفعال عدوانية”، في رد على القصف الأميركي الي طال مقرات لكتائب حزب الله العراقية.
وتشير المعطيات إلى أن الحشد الفعلي بات يسيطر فعلياً على إدارة الجيش العراقي عبر “ضباط الدمج” الذين تم تعيينهم في مواقع قيادية بالقوات المسلحة. وتعد حادثة اعتداء “ضابط دمج” برتبة عقيد على ضابط نظامي برتبة عميد تعبيراً رمزياً على سطوة الحشد على الجيش. وقد تضمن البيان عبارات من قاموس ميليشيات الحشد الشعبي، حيث وصف رسول، القصف الأميركي بـ”المرفوض، ويقوّض سنوات من التعاون ويتجاوز على سيادة العراق بشكل سافر، ويؤدي إلى تصعيد غير مسؤول، في وقت تعاني منه المنطقة من خطر اتساع الصراع، وتداعيات العدوان على غزّة، ونتائج حرب الإبادة غير الأخلاقية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وبينما سكتت القوى العظمى، ومنها الولايات المتحدة، إزاء تلك الجرائم، نراها تنزلق إلى أفعال مُدانة وعدوانية غير مبررة على الأراضي والسيادة الوطنية العراقية”.

صواريخ باليستية في أيدي الميليشيات

ومنذ اندلاع الحرب في غزة بأكتوبر الماضي، تعرضت قاعدة عين الأسد الجوية في العراق لعشرات الهجمات الصاروخية. إلا أن قصفاً نفذته ميليشيات عراقية موالية لإيران في 20 كانون الثاني/ يناير كان لافتاً وفيه من المعطيات ما يشير إلى إمكانية تغير قواعد اللعبة في العراق. فللمرة الأولى، أكد بيان الجيش الأمريكي استخدام الميليشيات صواريخ باليستية لقصف القاعدة العسكرية.
ورغم تأكيد الجيش الأمريكي اعتراضه لمعظم الصواريخ، إلا أن امتلاك ميليشيات عراقية صواريخ باليستية يعني أنها قد تتحول إلى مصدر توتر إقليمي في حال تدخلت في صراعات المنطقة أو أرادت إرسال رسائل – بالوكالة – إلى دول مجاورة، كما الحال مع جماعة الحوثي. وبالتالي باتت هناك جماعتين من ميليشيات إيران تمتلك صواريخ باليستية في الشرق الأوسط، اليمن والعراق، وهو تطور سيكون له تبعات إقليمية مستقبلية تقلق العديد من دول الخليج، خاصة البحرين في حال كان لصواريخ الحشد الشعبي إمكانية الوصول على إصابة أهداف داخل البحرين.
وحتى القصف الصاروخي الذي أعلن عنه الحرس الثوري الإيراني على أربيل يوم 15 كانون الثاني/ يناير شككت مصادر غير رسمية في مصدر الهجوم، وتحدثت عن انطلاق صواريخ باليستية من منطقة تقع تحت سيطرة فصائل عراقية مسلحة جنوب العراق، ما يجعل مدى هذه الصواريخ مئات الكيلومترات.

الاستعانة بالصين

أمام هذه الضغوط على القوات الأميركية، طلبت واشنطن المساعدة من الصين للتدخل في إقناع إيران بكبح الهجمات على قواتها في المنطقة، وتحديداً الاستهداف الحوثي للملاحة في البحر الأحمر.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز نقلا عن مسؤولين أمريكيين إن الولايات المتحدة أثارت مسألة التوتر الناجم عن حرب غزة مرارا مع كبار المسؤولين الصينيين خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
وفي اليوم ذاته من نشر الصحيفة البريطانية الخبر، عبرت الصين عن قلقها العميق إزاء التوترات في البحر الأحمر التي اثارت الاضطرابات في التجارة العالمية من خلال إجبار العديد من شركات الشحن على تجنب المرور عبر قناة السويس. ودعت الصين إلى وقف المضايقات والهجمات على السفن المدنية، وحثت جميع الأطراف المعنية على تجنب تأجيج التوترات في المنطقة، وضمان السلامة والأمن في البحر الأحمر.

مستقبل القوات الأميركية

يحظى الوجود العسكري الأمريكي في سوريا والعراق بإجماع نادر من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس. فمطلع الشهر الجاري، رفض مجلس الشيوخ مشروع قانون تقدم به السيناتور الجمهوري، راند بول، ينص على سحب القوات الأميركية من سوريا.
وصوت مجلس الشيوخ بأغلبية 84 صوتاً ضد مشروع القانون، فيما أيده 13 صوتاً فقط.
وكان لافتاً بيان زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، قبيل التصويت على مشروع القانون، قال فيه إن “تمرير مثل هذا القرار – قصير النظر- سيكون بمثابة هدية لإيران”، وأن من شأن ذلك أن يشجع على “فتح جبهة شمالية في الحرب الإقليمية ضد إسرائيل”.
ويظهر تصريح ماكونيل، وهو من أبزر أعضاء مجلس الشيوخ، تغيراً ضمنياً في التعريف الاستراتيجي لوظيفة القوات الأمريكية في سوريا والعراق، وهو تعريفها لأول مرة بمهام لا تتعلق بمحاربة تنظيم داعش الإرهابي، إنما لمراقبة وصد النفوذ الإيراني في البلدين، والأخطار المحتملة على إسرائيل في حال مغادرة القوات الأمريكية كلاً من سوريا والعراق.
ولا ترغب الولايات المتحدة في خوض صراع أعمق من المناوشات الحالية الخطيرة مع ميليشيات إيران في المنطقة، لكن لا شيء يضمن عدم وصول الأمور إلى نقطة الانفجار وحينها من الصعب التهكن بمستقبل القوات الأميركية في المنطقة، وما إذا كانت ستعتمد على إعادة تعريف وظيفتها وتجاوز مهمة محاربة تنظيم داعش والارتقاء إلى حجم البيئة الأمنية الجديدة في الشرق الأوسط. ويتوقف مستقبل القوات على هذا التعريف المنتظر لمهام قواتها، وما إذا كانت تريد إخلاء المنطقة لأعداء إسرائيل أم تعزيز حضورها العسكري لضبط وردع “الجبهات السبع” الضاغطة على إسرائيل.
في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء قال المحلل السياسي الأمريكي، أيان مارلو، أن عدد الجماعات المسلحة غير الرسمية والعمليات العسكرية غير المتوقعة من جانب إسرائيل والرد الإيراني المحتمل عليها، يجعل من الصعب توقع متى سوف يقع أي حادث يمكن أن يشعل صراعاً أوسع نطاقاً. ويرى مارلو أن كل المؤشرات تقول إن الأوضاع في الشرق الأوسط تقترب من لحظة الانفجار الكبير.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد