الصراع والديمقراطية والكرد في الشرق الأوسط؛ تركيا وإيران والعراق وسوريا

(Conflict, Democratization, and the Kurds in the Middle East; Turkey, Iran, Iraq, and Syria)
تحرير كل من: ديفيد رومانو (David Romano)؛ محمد جورسيس (Mehmet Gurses)
مؤسسة: Palgrave Macmillan؛2014

المحتويات
الملخص
الاستبداد والكرد
الديمقراطية في المجتمعات المنقسمة
الكرد والتحول الديمقراطي
قضايا إقليمية

مراجعة: المركز الكردي للدراسات- 2023

الملخص
يحتوي الكتاب على مجموعة من البحوث التي تتناول القضية الكردية ومسائل التحول الديمقراطي. وهو مقسم إلى أربعة أقسام. يركز القسم الأول على الكرد والعوائق التي تحول دون البدء بالتحوّل الديمقراطي، وكذلك أوجه القصور الديمقراطي في كل من تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا. وينتقل في قسمه الثاني، «الديمقراطية في المجتمعات المنقسمة» ليتناول الأدبيات والنظريات والأمثلة الأكاديمية الموجودة للمجتمعات المتعددة الأعراق، والتي شهدت تحولات ديمقراطية وتقديمها كدليل نظريّ يمكن الاسترشاد به. ويحاول القسم الثالث «االكرد والتحول الديمقراطي» التركيز بشكل أكبر على المطالب الكردية وإمكانيات التحوّل الديمقراطي في تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا. فيما يلفت القسم الرابع والأخير «قضايا إقليمية» من الكتاب انتباه القراء إلى طبيعة القضية الكردية العابرة للحدود وكيف تؤثر الأحداث في جنوب وشمال وغرب وشرق كردستان على بعضها البعض.

الاستبداد والكرد

طُلب إلى المساهمين في القسم الأول من الكتاب، «الاستبداد والكرد»، التركيز على الطرق التي تم بها إضفاء الطابع الأمني على القضية الكردية في تركيا، العراق، إيران، سوريا، والتي عملت على إعاقة التحوّل الديمقراطي. وبالتالي، طُلب من المساهمين الأربعة في هذا القسم التركيز على الجانب السلبي لقضية معقدة ومتعددة الأوجه.
لذلك، يركز الفصل الأول، الذي كتبه مايكل غونتر على الدولة العميقة في تركيا، وكيف أن دولة الظل غير المنتخبة في ذلك البلد، منعت وتمنع أي إصلاحات ديمقراطية قد تعترف بالكرد، وتعيد لهم حقوقهم، وبالتالي دمجهم في النظام السياسي. يجد الكاتب أن الدولة العميقة ليست منظمة ذات هيكلية محددة وليس لها قائد محدد، بل إنها «عقلية» ترتبط بما ينبغي أن تكون عليه تركيا الكمالية، أيّ أنها تعبير عن قومية متشددة، وعلمانية، ويمينية، وهي تالياً ليست إسلامية، أو كيان متعدد الأعراق، أو إصلاحية، أو عضواً في الاتحاد الأوروبي. تتكون الدولة العميقة من فروع عديدة، فأعضاؤها قادمون من الفروع العسكرية والاستخباراتية في الدولة التركية على وجه الخصوص، والبعض الآخر أعضاء في هيئات حكومية أخرى مثل مجلس الوزراء والبرلمان والقضاء والجهاز البيروقراطي وما إلى ذلك، أو هم قادمون من خارج الحكومة مثل: المصالح التجارية، أوالشخصيات الدينية، أو المجرمين (أعضاء في شبكات الجريمة المنظّمة)، وقد يكون أعضاء الدولة العميقة أيَّ شخص يجد نفسه مدفوعاً برؤية الدولة القومية المتطرفة والحاجة إلى حماية الكيان التركي القائم حتى وإن كان على حساب انتهاك القوانين الرسمية للدولة.
أصبحت هذه الدولة العميقة «قوة مطلقة لها أذرع تشبه المجسّات تصل إلى كل مكان. . . هي في هذا المقام دولة داخل الدولة الشرعية». تشير عبارة الدولة العميقة، المتعددة العناصر والغامضة، إلى كيفية توغل هذه الدولة السرية (الأخرى) بعمق في الهياكل السياسية والأمنية والاقتصادية للدولة الرسمية، والتي تسمى «بابا دولت» (الدولة الأب) حيث اكتسبت تقديساً خاصاً من الناس.
يرجع تاريخ بداية الدور السياسي البارز للجيش وترسيخ الدولة العميقة إلى الانتفاضة الكردية عام 1925 (ثورة الشيخ سعيد بيران) وسلطات حالة الطوارئ التي تم تفعيلها نتيجة لذلك. تم سحق كل من الثورة الكردية والعناصر الديمقراطية الليبرالية في الجمهورية التركية الجديدة في هذه الفترة. وأيضاً في أعقاب الانقلاب العسكري في 1960، منح الدستور الجديد، الذي دخل حيز التنفيذ في عام 1961، مهمة دستورية للجيش على مر السنين، وسّعت تدريجياً من سلطة الجيش على حساب صلاحيات الحكومة، وفي بعض الأحيان حلت المؤسسة العسكرية محل الحكومة المدنية باعتبارها مركز السلطة النهائي في قضايا الأمن القومي. وبعد انقلاب 1971، تم منح مجلس الأمن القومي سلطة تقديم المشورة الملزمة لمجلس الوزراء. أما بعد الانقلاب العسكري 1980، تركزت السلطة لفترة من الوقت في أيدي المجلس العسكري، وعلى الرغم من أن هذا المجلس نجح إلى حد كبير في الحد من الاضطرابات المتفشية في تركيا وقتذاك، إلا أنه في المقابل شهدت تركيا تدهوراً حادّاًلحالة حقوق الإنسان لجميع المواطنين الأتراك، وليس الكرد فقط، حيث دخلت البلاد في مرحلة قوانين الطوارئ وانتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين.
ويركز الفصل الثاني من هذا القسم، الذي كتبه أوزوم يشيل تاش (OzumYesiltas)، بعنوان: «العراق والقومية العربية ومعوقات التحول الديمقراطي» على كيفية نظر القوميين العرب إلى أي تسوية مع الكرد، والتاريخ الطويل من القمع والاستبداد بحق الكرد، وحتى سياسات الإبادة الجماعية التي اتبعتها بغداد. كما يجادل الكاتب في الأسئلة الأساسية حول مستقبل العراق، مثل: عملية التحول الديمقراطي، وما إذا كان العراق سيمكنه التحوّل لدولة فيدرالية بشكل حقيقيّ، وإمكانية استقرار نظامه الجديد المبني على العلاقة المتبادلة بين الكرد والعرب رغم ما يسود العلاقة من عداء وشكوك متبادلة. يجد الكاتب في هذه المحاولة على إنها مهمة صعبة إلى حد كبير في تغيير الطريقة التي تم بها تقديم القضية الكردية في الثقافة السياسية العراقية، والتي كانت طوال القرن العشرين تتخوّف من الكرد وتجد فيهم تهديداً للأمن القومي والسلامة الإقليمية، وكذلك رفض الكرد لشكل النظام الذي يفترض أن تدار به الدولة، وكذلك التعريف الذي طرحته الطبقة السياسية للهوية الوطنية.
في الواقع، ربما يوفر دستور 2005 الإطار القانوني لتحديد الوحدات الفرعية التي تتجاوز الحدود العرقية وتركز على الهوية الإقليمية، عبر درجات متفاوتة من التجانس والتباين العرقي والديني. ومع ذلك، ففي ظل غياب ثقافة سياسية تعزز الثقة السياسية والتسامح الاجتماعي وإظهار الاحترام، سيتم النظر باستمرار إلى اللبنات الأساسية للاتحاد (الفدرالية) من الزاوية العرقية والطائفية، الأمر الذي سيؤدي بدوره لعودة النزعات الاستبدادية إلى الظهور،إذ يُنظر إلى المنطقة في الغالب على أنها محددة على أسس عرقيّة، ومن المرجح أن تستمر النزاعات حول: الحكم الذاتي، وإدارة الموارد النفطية، ووضع كركوك وغيرها من المناطق الغنية بالنفط، وأن تستمر هذه النزاعات في عرقلة عملية التحول الديمقراطي.
في الفصل الثالث، الذي عنونه غاريث ستانسفيلد أحد الخبراء في القضية الكردية: «الكرد والقومية الفارسية والحكم الشيعي: البقاء على قيد الحياة ضمن الأمة المهيمنة في إيران» يتناول الباحث من خلاله التاريخ القاسي الذي مرّ به الكرد في إيران، ومعارضة الكرد وجود «أمة فارسية مهيمنة»، بعد أن أخفقت محاولاتهم في إقامة كيان خاص بهم. يجد كرد إيران أنفسهم مهمشين ومقموعين ومضطهدين، بدرجات متفاوتة منذ تأسيس الدولة الإيرانية الحديثة، وصعود المشروع القومي الفارسي الذي كرسه رضا شاه والنخب اللاحقة بالقوة. ومع ذلك، أظهر الكرد أنهم قادرون، كما يتضح من أنشطة سمكو آغا وقاضي محمد، على إظهار الوحدة (سواء كانت قسرية أم طوعية) وتحدي نموذج الأمة المهيمنة من خلال التأكيد على تميّزهم العرقي والطائفي.

الديمقراطية في المجتمعات المنقسمة

تذهب المساهمات في فصول القسم الثاني أبعد من مجرد التنظير حول الحكم الديمقراطي. تشرح هذه الفصول، التي كتبها باحثون يتمتعون بمعرفة واسعة بالنظريات والحالات من جميع أنحاء العالم، الوضع الحالي للمعرفة حول التحولات الديمقراطية وإدارة الدول المتعددة القوميات. ونظراً لأن الدول الأخرى تمكّنت من الخروج من صدمة الصراع الطائفي والحرب الأهلية لتشكيل أنظمة سياسية أكثر شمولاً وأفضل حكماً، فإن هذه الفصول تلخص حكمة هذه التجارب بحيث تساعد في تسليط الضوء على الاحتمالات المستقبلية لمعالجة «المشكلة الكردية». ونحن نرى أن تركيا وإيران والعراق لا تعاني حقاً من «مشكلة» أو «قضية كردية»، بل من «مشكلة ديمقراطية». إن معالجة هذه المشكلة الأخيرة تقدم أفضل طريق للخروج من المأزق الحالي، ولكنه ليس مؤكداً بأي حال من الأحوال. تقدم لنا هذه الفصول وصفاً لما نجح وما لم ينجح في الدول الأخرى المتعددة الأعراق، طُلب من المشاركين في القسم الثاني، «الديمقراطية في المجتمعات المنقسمة»، أن يقدموا شيئاً مختلفاً.
يطبق ديفيد ماسون في الفصل الخامس والذي يحمل عنوان: «الديمقراطية والحرب الأهلية وانقسام الشعب الكردي بينهما»، معرفته النظرية الكبيرة بالحروب الأهلية وحركات التمرد وإرساء الديمقراطية في مرحلة ما بعد الصراع على القضية الكردية. وباعتباره باحثاً ذي خبرة، فإنه لم يركز عمله حتى الآن على الكرد، فهو ينظر إلى القضية من منظور مقارن أكثر عمومية، أو كما يقال يلفت انتباهنا إلى الغابة بدلاً من الأشجار. يقدم الكاتب تقييماً لآفاق حل قضايا الكرد في الدول الأربع من خلال تحليل وضعهم في كل منها من حيث النظريات المتوافرة الحالية حول السلام الديمقراطي الداخلي، والديمقراطية في المجتمعات المنقسمة عرقياً، مع التركيز على تركيا والعراق. إن كيفية سعيهم للانصاف من تلك المظالم وما إذا كان بإمكانهم الحصول على قدر من الاستقلال الإقليمي والثقافي هي، إلى حد ما، خيار يقع بين اللجوء إلى العنف المسلح أو السعي لتحقيق هذه المصالح سلمياً من خلال القنوات الحكومية القائمة. وفي كل من تركيا والعراق، هناك شكل لمؤسسات ديمقراطية، وهي تقدم بديلاً للعنف المسلح كوسيلة للسكان الكرد لطلب التعويض عن المظالم التي حاقت بهم. والسؤال إذاً هو «هل توفر قواعد اللعبة الديمقراطية في كل دولة فرصة معقولة لتأمين مصالحها؟» يجادل الكاتب بأن الديمقراطية قد حدت من مخاطر لجوء الكرد للعنف في تركيا. وأن تحقيق المزيد من التقدم مرتبط بحصول إصلاحات ديمقراطية في تركيا (خاصة إصلاح جوانب في النظام الانتخابي الذي يحرم الكرد من المشاركة) سوف تساهم في إرساء تشريعات صادقة. وفي العراق، حقق الكرد درجة من الحكم الذاتي، وإن استقلالهم الذاتي ونفوذهم وسلطتهم داخل الحكومة في بغداد هو من وظائف المؤسسات الديمقراطية التي توفر لهم ضمانات ضد الخضوع لاستبداد الأغلبية العربية وتضمن لهم مكاناً في الائتلاف الحاكم. إن الخطر الأكبر الذي يهدد وضع الكرد في العراق هو التهديد المتمثل في تصاعد العنف الطائفي المستمر بين السنّة والشيعة واجتياح المنطقة الكردية، وفشل الديمقراطية العراقية الهشة بسبب الآثار التراكمية لأكثر من عقد من أعمال عنف المتمردين. من المرجح أن تكون نتيجة الفشل الديمقراطي في العراق هي العودة إلى دولة استبدادية قد تسعى إلى الحد من الحكم الذاتي الكردي بالقوة. وفي سوريا وإيران، لا تعطي التوقعات بالنسبة للكرد سبباً أقلَّ للتفاؤل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم توفر الخيار الديمقراطي كوسيلة لتأمين استقلالهم الذاتي ووجودهم الثقافي. تهدد الحرب الأهلية المستمرة في سوريا الأمن الفيزيائي للكرد. لقد تم جرّهم إلى القتال فقط لتأمين أنفسهم ضد خطر الوقوع في مرمى النيران المتبادلة بين الفصائل المتحاربة المتعددة، والتي ليس لأي منها نوايا أو برامج في منح الكرد حكماً ذاتياً وتوطيد الأمن لهم. وينتهي الكاتب إلى نتيجة مفادها، إن التباين بين البلدان في التعاطي مع الكرد يرجع جزئياً إلى مدى توفر الخيارات الديمقراطية لمتابعة معالجة المظالم التي طال أمدها. إن الخطر الذي يواجه الكرد في الدول الأربع في هذا الوقت هو أن الحرب الأهلية السورية سيكون لها آثار غير مباشرة في العراق وتركيا ويمكن أن تقوّض المكاسب التي حققوها هناك. قد يكون حل هذا الصراع هو الأولوية الأكثر إلحاحاً لتعزيز آفاق الحكم الذاتي الكردي في جميع الدول الأربع.
وفي السياق نفسه، يستخدم جون بوث في الفصل السادس «المجموعات المجتمعية والصراع المدني والتحول الديمقراطي في أميركا اللاتينية» خبرته في حركات التمرد وإرساء الديمقراطية في أميركا اللاتينية لبناء مقارنة مع القضية الكردية في تركيا، والعراق، وإيران، وسوريا. على الرغم من الاختلافات المهمة بين منطقتي أميركا اللاتينية والشرق الأوسط، إلا أن الصراعات الأهلية في العديد من دول أميركا اللاتينية شملت أقليات محرومة من حقوقها. ويمكن لهذه الأقليات، اعتماداً على حجمها وتماسكها، أن تلعب دوراً بنّاءً في إرساء الديمقراطية والتسوية النهائية لهذه الصراعات. يقدم بوث أمثلة على كيفية القيام بذلك. توفر حالات التحول الديمقراطي في أميركا اللاتينية ودور المجتمعات الأصلية فيها بعض الأدلة التي تتحدث عن وضع الكرد في تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران. ماذا تعلمنا؟ أولاً، تتمتع مجتمعات الأقليات الكبيرة بميزة في إحداث التحولات إلى الديمقراطية من خلال حجمها وحده. ثانياً، يساهم التماسك الجغرافي والثقافي واللغوي بشكل مهم، خاصة إذا كان هناك مجتمع أغلبية أو نظام يسيء إلى مجتمع الأقلية. وبأخذ هذه المعايير معاً، وجدنا أن معظم مجتمعات السكان الأصليين في أميركا اللاتينية كانت إما صغيرة عددياً، أو مقسمة ثقافياً لغوياً أو جغرافياً. وبالتالي، لم يلعب معظمهم سوى دوراً ضئيلاً في عملية إرساء الديمقراطية، سواء من خلال مسار تقوده النخبة أو عن طريق العنف. كما اتجه معظمهم لاحقاً نحو الخمول في الحياة السياسية الوطنية أو عملوا من خلال جمعيات ائتلافية للسكان الأصليين لممارسة النفوذ في السعي لتحقيق مصالح ضيقة أو حقوق مدنية. وأخيراً، فإن التحفيز الذي يتخذ شكل المظالم المشتركة له أهمية كبيرة في تعبئة النشاط السياسي لمجتمعات السكان الأصليين. وأدى انخفاض الحافز إلى منع سكان الأيمارا الأصليين في بوليفيا من التعبئة ضد الحكومة التي لم تمارس التمييز ضدهم بشكل كبير. ومع تزايد المظالم المختلفة – والقليل منها يتعلق بالشعوب الأصلية- في مرحلة ما بعد الديمقراطية، نمت تعبئة السكان الأصليين بسرعة جنباً إلى جنب مع المواطنين الآخرين في الريف والطبقة العاملة. ويبدو أن الكرد السوريين يشغلون وضعاً يشبه إلى حد ما وضع المسكيتوس في نيكاراغوا، حيث إن موقعهم الاستراتيجي قد يسمح لهم بالتفاوض من أجل ترتيبات الحكم الذاتي الإقليمي من أجل إدخالهم في مفاوضات التحول الديمقراطي أو السلام لتلافي الحرب. ومع ذلك، فإن انتصار نظام الأسد قد يعرض كرد سوريا للخطر الشديد. ومع ذلك، فإن الدروس المستفادة من أميركا اللاتينية لا توفر سوى القليل من المعرفة حول ما إذا كانت هناك احتمالات لأن ينحو الكرد ليصبحوا أمة كردية منفصلة عن الدول الأربع التي يقيمون فيها. تُظهر أميركا اللاتينية ندرة ملحوظة في الحركات الانفصالية مقارنة بالمناطق الأخرى. إن تفكيك دولة قائمة عادة ما يواجه مقاومة شرسة من جانب تلك الدولة، وكثيراً ما يثبطه المجتمع الدولي. ويرجع هذا جزئياً إلى أن العديد من الدول لديها مجتمعات وطنية عديدة قد ترغب في اتباع مسار مماثل، ولأن العواقب الاستراتيجية والاقتصادية المترتبة على تفتيت الدولة أو تقسيمها ستكون معقدة للغاية. ويميل كلا العاملين إلى رفض الدول المجاورة والجهات الفاعلة المهيمنة ضد التقسيم. إن الانفصال وتشكيل دولة جديدة ليس أمراً مستحيلاً بالطبع. لكن العديد من الجهود الناجحة تطلبت حروباً رهيبة لإنجازها (على سبيل المثال، السودان/جنوب السودان، وباكستان/بنغلاديش). بالنسبة للكرد، فإن الانفصال عن ثلاث أو أربع دول، إما بشكل فردي، أو بالتتابع، أو دفعة واحدة، لتشكيل دولة جديدة لتوحيد الأمة الكردية المجزأة، يبدو أنه ليس بالتحدي البسيط. وبالتالي، ما هي الظروف التي قد تساهم في تبني أطراف ثالثة لتشكيل دولة كردية جديدة كنتيجة أفضل للتخفيف من المظالم الكردية داخل الدولة؟ يعتقد الكاتب أنه سيؤدي إلى المزيد من التدهور في وضع الكرد، إلى جانب التكثيف الحاد للصراعات داخل الدول المتقاسمة للكرد (وبالتالي يهدد بشكل كبير أمن العديد من دول الطرف الثالث).
يركز الفصل السابع، بقلم نيكول ف. واتس «الديمقراطية وتقرير المصير في إقليم كردستان العراق» على منطقة الحكم الذاتي في كردستان العراق. الكرد العراقيون هم أول من حقق مستويات كبيرة من تقرير المصير، ويقدمون مثالاً واقعياً لما كان في السابق سيناريو خيالياً. يبحث واتس في مدى ترجمة الحكم الكردي المستقل إلى ديمقراطية لشعب جنوب كردستان، بالنظر إلى أن الحكم الذاتي، وحتى الدولة المستقلة، ليست مرادفة بأي حال من الأحوال لـ«الحرية» أو «إرساء الديمقراطية».
تشير الدراسة الى تطور بناء الدولة في إقليم كردستان إلى أن هناك على الأقل بعض الارتباط بين تقرير المصير وإرساء الديمقراطية. وهذا ليس لأن النخب الانفصالية أو القومية هي بالضرورة أكثر التزاماً بالمبادئ من غيرهم من السياسيين. ولا يرجع ذلك ببساطة إلى وقوعهم في فخ خطابهم الخاص عندما يتم تبرير الحكم الذاتي باسم «الشعب»، وبالتالي حكم الشعب ومن خلاله. بل إن هذه الحالة تلفت الانتباه إلى الكيفية التي توفر بها عملية بناء الدولة الوطنية المعاصرة نفسها وتقدم فرصاً ديناميكية يمكن للناس العاديين استغلالها لمحاولة تغيير توازن القوى بين الحكام والمحكومين. ومع قيام حكومة إقليم كردستان بتوسيع «دولتها»، طالب الكرد العاديون بمساهمة في كيفية عمل كل ذلك. لقد سعوا، وفي بعض الحالات، حصلوا على بعض الدور فيما يتعلق بكيفية حكمهم، وتوزيع الموارد المادية. وعلى نحو متزايد، بعد عام 2006، رأت النخب السياسية والحزبية الكردية أن الأساس القومي الكاريزمي لسلطة الدولة أصبح موضع تساؤل. وفي حين أن القادة الكرد أنفسهم لا يزالون يتمتعون بالولاء والمودة، سواء كنتيجة لرعايتهم أو التقدير الشعبي الحقيقي لالتزامهم بالقضية الكردية وقدرتهم على تقديم حكومة أكثر أماناً وأكثر تمثيلاً مما كانت عليه في العصور الماضية، فقد تعرضوا لضغوط متزايدة لجعل الحكومة أكثر أماناً وتمثيلاً. لقد أنشأوا مؤسسات أكثر استقلالية وأكثر احترافاً وأقل التزاماً بالسياسات الشخصية. تكمن وراء هذه التطورات جهود متضافرة يبذلها بعض الناشطين الكرد والمنظمات غير الحكومية وأحزاب المعارضة ووسائل الإعلام والمجموعات الطلابية وغيرها من الجهات الفاعلة لإعادة تعريف «المصلحة الوطنية» الكردية وتقديم شرعيات جديدة للحق في الحكم.
مثل غيرها من الكيانات «شبه الدولة» والكيانات المتمتعة بالحكم الذاتي، تسعى سلطات حكومة إقليم كردستان إلى تعظيم مظهر الوحدة الوطنية والسيطرة على الموارد المتعددة. أن يكون المرء ديمقراطياً ويقف إلى جانب «الشعب» فإن ذلك هو مجاز رئيسي في الخطاب القومي الكردي، إلا أن الحوافز لتوفير جبهة موحدة ضد بغداد والحفاظ على استقرار إقليم كردستان في سياق شديد التقلب قد خفف من النزاعات الداخلية، التي تنمي الصراع وتدفع باتجاه تقاسم السلطة. وشكلت الموارد المادية القيّمة التي توفرها السيطرة على قطاعي الطاقة والبناء مثبطاً هائلاً للأحزاب الحاكمة – وعائلاتها الممتدة – للتحرك نحو سياسات أفقية أكثر خضوعاً للمساءلة. وفي هذا السياق، كانت المؤسسات الشاملة والديمقراطية، مثل البرلمان، في بعض الأحيان بمثابة غطاء لصانعي القرار في ظل الذين يعملون خلف الكواليس مع قدر ضئيل من المساءلة، وكان تأثير البرلمان على صنع السياسات وتوزيع الموارد أقل مما هو مذكور على الورق.

الكرد والتحول الديمقراطي

يمكن للحرب الأهلية أن تخلق حوافز قوية لنظام أكثر استيعاباً وديمقراطية في أعقاب الصراع. يمكن للحروب غير الحاسمة والمكلفة على وجه الخصوص أن تدفع الأطراف المتحاربة إلى البحث عن تسوية تفاوضية يمكن أن ينشأ عنها نظام أكثر ديمقراطية. خلال الحرب، تحصل الأطراف المعنية على إحساس أفضل بنقاط القوة أو الضعف الفعلية لدى بعضها البعض. وبمجرد أن يتمكنوا من تقييم احتمالات النصر أو الهزيمة بشكل أكثر واقعية، فقد يصبحون أكثر قابلية للتوصل إلى تسوية سياسية. وهكذا، فكما كانت القضية الكردية في كثير من الأحيان بمثابة عائق أمام التحول الديمقراطي الحقيقي، فإن نفس القضية قد توفر أيضاً مفتاحاً لصياغة ديمقراطية حقيقية في تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا.
يقدم القسم الثالث للقراء نظرة أكثر تفاؤلاً بشأن آخر التطورات في تركيا والعراق، بالإضافة إلى افتراضات حول كيف يمكن للمطالب الكردية في إيران وسوريا أن تخدم المصالح الديمقراطية لجميع الإيرانيين والسوريين. وهكذا، مثلما ساعدت التمردات الكردية في تبرير أمن الدولة كما هو موضح في القسم الأول، فإنها قد تكون على العكس من ذلك بمثابة ضابط لسلطة الدول التي يعارضونها. وكما توضح بعض الفصول في القسم الثاني، فإن التوزيع الأكثر توازناً للسلطة بين مختلف المتنافسين داخل الدولة يمكن أن يشجع على إيجاد طرق ديمقراطية أكثر ديمومة لاستيعاب الاختلافات.
يقدم غونيش مراد تيزكور في الفصل الثامن «مد وجزر الصراع المسلح في تركيا: سلام بعيد المنال» نظرة ثاقبة للطرق التي قد ينتهي بها هذا الصراع في التكيّف الديمقراطي. ويستعرض هذا الفصل تحليلاً تجريبياً غنياً للعنف والإصلاح والمفاوضات التي ميزت المسألة الكردية في تركيا خلال حكم حزب العدالة والتنمية. ويتم تنظيمها في ثلاثة أقسام. يقدم القسم الأول تحليلاً للعنف على أساس مجموعة بيانات الأحداث الجديدة، حيث نشأ مأزق عسكري بين الكيانين السياسيين المركزيين والمنضبطين ذوي الرؤى الأيديولوجية المتعارضة. فيما يسعى حزب العمال الكردستاني إلى شن «حرب استنزاف» كلاسيكية بهدف الحصول على تنازلات كبيرة من الدولة التركية. ورداً على ذلك، اتبعت الدولة التركية استراتيجية مختلطة من التنازلات والعقوبات لتقويض الدعم الشعبي للكردستاني. وبينما يحاول كلا الجانبين تعظيم سلطته بما يتفق مع منظور واقعي، فإن ديناميكيات المنافسة الانتخابية والرأي العام تعمل على تعقيد استراتيجياتهما. ويناقش القسم الثاني الديناميكيات الانتخابية، ومحاولات التفاوض، والتعديلات التي أجراها حزب العدالة والتنمية. فهو يوضح أن هناك علاقة سلبية قوية بين نطاق العنف وشدته واستمرار المفاوضات. ومع ذلك، فإن المفاوضات ليست فعالة في سد الفجوة بين مطالب المسلحين وتوقعات الدولة التركية. ويختتم الفصل بمناقشة موجزة للأدبيات المتعلقة بالتسويات التفاوضية للحروب الأهلية لتحديد التحديات التي تواجه الحل السلمي للمسألة الكردية في تركيا. ويشير بذلك إلى أن البيئة السياسية المجزأة التي تسهّل تقاسم السلطة قد تكون الطريق الأكثر استدامة لتحقيق سلام دائم وتعزيز الديمقراطية التركية.
يركز ديفيد رومانو في الفصل التاسع الذي يحمل عنوان «وجهة النظر الكردية العراقية حول الفيدرالية: ليس فقط بالنسبة للكرد»، على الدور الرئيسي للكرد العراقيين في صياغة دستور البلاد لعام 2005، ويرى أن المطالب الكردية باللامركزية الموسعة وتقاسم السلطة توفر أفضل طريقة للحفاظ على العراق موحداً وديمقراطياً. حيث يجادل الكاتب في أن الهويات والسياسات القائمة على الهوية الناتجة في العراق ليست ثابتة، وقد تساعد الدورة الحميدة للسياسة التي تعمل ضمن الأطر المؤسسية القائمة في تطوير هوية مدنية صحية لجميع العراقيين. ومن المفارقات أن الكرد «الانفصاليين» ساعدوا في توفير اللبنات الأساسية لمثل هذا النظام، من خلال دستور عام 2005. ومع مرور الوقت ضمن هذا الإطار الدستوري، قد تنحسر الانقسامات الطائفية. ومع ذلك، فإن تجنب الضوابط والتوازنات التي تم تصورها في عام 2005 ودعم إعادة مركزية السلطة اليوم، يعطي الأولوية للهوية العراقية الموحدة والاستقرار بأي ثمن، وكان هذا هو النهج الذي اتبعته الديكتاتوريات العراقية السابقة، وفي الواقع تضع العربة أمام الحصان في أيامنا هذه. إن عراقاً لكل العراقيين لابد وأن ينشأ من خلال اتحاد طوعي بين الأجزاء المكونة له، وتقاسم السلطة.
يتناول نادر انتصار في الفصل العاشر «بين المطرقة والسندان: المعضلة الكردية في إيران» المكانة المعقدة للكرد والأقليات الأخرى في النظام السياسي الإيراني، ويتساءل عن مدى قدرة الكرد وغيرهم على إيجاد قضية مشتركة مع الإصلاحيين الإيرانيين والنجاح في إضفاء الطابع الديمقراطي على إيران في مواجهة معارضة المتشددين. الغرض من هذا الفصل هو دراسة العوامل التي أعاقت تحقيق المطالب الكردية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979. وعلى وجه الخصوص، يسعى هذا الفصل إلى تحليل الدور الذي لعبته فرض «المقاربة الأمنية» على المطالب الكردية في جمهورية إيران الإسلامية، وكيف أن العلاقة بين الأمننة والإكراه تنعكس على حساب عملية التحول الديمقراطي الأوسع في البلاد. بعبارة أخرى، فإن المطالب الكردية بمساحة ثقافية واجتماعية سياسية أكبر سيكون لها تأثير غير مباشر على المجتمع الإيراني الأوسع، وسوف تساعد البلاد على إنشاء نظام سياسي شفاف وديمقراطي يستجيب لاحتياجات جميع العناصر المكونة له. إلا أن البنية السياسية المنقسمة في إيران ووجود مراكز قوى متنافسة قد يستمران في جعل كبح جماح أنشطة الأدوات القسرية للدولة في كردستان وأماكن أخرى مسألة صعبة. على سبيل المثال، لم يتراجع عدد عمليات الإعدام. لذا يجب السيطرة على معاملة الدولة التعسفية لما تعتبره أنشطة انفصالية بين الكرد لتعزيز الديمقراطية الشاملة في البلاد. ويتطلب ذلك، في جملة أمور من بينها: إنشاء سلطة قضائية مستقلة وخاضعة للمساءلة تدعم سيادة القانون وتقيم العدالة بشكل منصف.
ينظر روبرت لوي في الفصل الحادي عشر: «ظهور كردستان الغربية ومستقبل سوريا» إلى المكاسب الكردية في خضم الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، ويرى أن الأحداث في سوريا تقدم على الأقل أول إمكانية جدية للتغيير الديمقراطي هناك – وهو ما يخلص إلى أنه لا يمكن أن يحدث دون استيعاب الهوية والمطالب الكردية بطريقة ما.
يقدم هذا الفصل لمحة عامة عن مسار السياسة الكردية خلال الحرب الأهلية السورية ويقدم بعض التحليل للتطورات والقضايا الرئيسية. ويقدم هذا الفصل سياقاً لفهم تطلعات الكرد، والجوانب العملية لتحقيقها، وتأثير ذلك على الشكل المستقبلي لسوريا. وسط غبار الحرب والجغرافيا السياسية المعقدة التي تؤثر بعمق على الكرد، فإن مطالب وأهداف الحركة الوطنية الكردية في سوريا غير مفهومة بشكل جيد. سيتم فحص هذه الأمور من حيث أهميتها الجوهرية ولأنها يجب أن تشكل الأساس لحجة تدعم معقولية ظهور سوريا أكثر ديمقراطية وتعددية بعد الحرب والتي تتمكن من تضمين الكرد في النظام الجديد.
ويستكشف القسم الأخير كيف يمكن استيعاب المطالب الكردية داخل الجمهورية السورية بعد إصلاحها دون المساس بمصالح غير الكرد. توجد مجموعة من الآليات لإدارة العلاقات بين الدول والأقليات، بما في ذلك الأحكام المتعلقة بحقوق الأقليات، وأشكال الحكم الذاتي، وتقاسم السلطة والثروة، والمؤسسات الناظمة لتلك العلاقة. إن التطبيق الناجح لهذه المبادئ على العلاقة بين الكرد والدولة السورية سيكون ضرورياً لتطوير الاستقرار وإرساء الديمقراطية في سوريا. ويختتم الفصل بالقول إن إدراج الكرد كمواطنين سوريين يتمتعون بالمساواة الكاملة والفرص والحقوق السياسية لأول مرة سيكون مفيداً لجميع المواطنين السوريين في الوقت الذي تكافح فيه البلاد من أجل إعادة البناء والمصالحة والتعافي بعد حربها الرهيبة.
تقع الجهات الفاعلة الكردية في سوريا ضمن شبكة معقدة من الديناميكيات التي تشمل الفصائل الكردية، والنظام البعثي، والمعارضة السورية، والدول المجاورة، والسياسة الكردية العابرة للحدود الوطنية. وفي حين تمزَّق جزء كبير من المجتمع السوري بسبب الصراع الأهلي الدموي، فقد أتيحت للكرد في مناطق معينة بعض الفرص لمناقشة التنظيم السياسي والمدني ونماذج الحكومة وإجراء الانتخابات. ومن الممكن أن تساعد الإصلاحات الديمقراطية وشكل الحكومة المفوضة في المناطق الكردية، على المدى الطويل، في مراكمة المزيد من المكتسبات.
ويجادل الكاتب في أن التحول الديمقراطي الحقيقي في سوريا لا يمكن أن يحدث دون تغيير جوهري في علاقة الدولة مع الأقلية الكردية. إن الإصرار الكردي، والمواقف الأكثر تسامحاً لأغلب قوى المعارضة السورية، والتنازلات التي منحتها بالفعل الحكومة البعثية، تعني أن العودة إلى نظام الماضي التمييزي العميق أمر غير مرجح. والكرد أقرب إلى المساواة الثقافية والاجتماعية والسياسية كمواطنين في سوريا، على الرغم من أن المخاطر التي تهدد هذه المكاسب لا تزال قائمة. إن حل القضية الكردية في سوريا أمر ضروري للبدء في عملية التحول الديمقراطي، لكنه ليس كافياً. الكرد هم قطعة واحدة صغيرة، وإن كانت مهمة نسبياً، لحل الأحجية القائمة. وإذا جاء اليوم الذي يصبح فيه النظام السياسي السوري الجديد على استعداد لتلبية الرغبات الديمقراطية للسكان الكرد، بما في ذلك الحق في اختيار شكل من أشكال الحكم الذاتي داخل البلاد، فإن سوريا سوف تكون على الأقل على الطريق نحو التحول الديمقراطي.
قضايا إقليمية
ينظر القسم الرابع والأخير من هذا الكتاب، إلى القضية الإقليمية والطبيعة العابرة للحدود الوطنية للقضية الكردية. تشهد الحدود التي تقسم كردستان دائماً تحركات غير مصرح بها للأشخاص والبضائع والأفكار. وفي عالم اليوم الذي يتسم بالعولمة بشكل متزايد، يبدو أن هذه الحركة تزايدت. لذا، فكما أدت ثورة «الربيع العربي» في تونس إلى حدوث أصداء قوية في جميع أنحاء العالم العربي، فإن المكاسب الكردية في جزء واحد من كردستان (جنوب/كردستان العراق على وجه الخصوص) يمكن أن تؤثر بشكل كبير على المجتمعات الكردية في الدول المجاورة. عندما يكون ذلك مناسباً، لذا يقوم المشاركون في هذا القسم بدراسة «تأثير العدوى» ضمن الحالة القومية.
يتمحور الفصل الثاني عشر الذي كتبه محمد غورسيس، والذي يحمل عنوان «من الحرب إلى الديمقراطية: الصراع الكردي عبر الحدود وإرساء الديمقراطية»، حول التركيز على الدور الذي يلعبه الكرد العراقيون في حل الصراع الكردي في تركيا. يبدأ غورسيس بتقديم أدلة قوية على الدور الإيجابي الذي يمكن أن تلعبه منطقة الحكم الذاتي الكردية العراقية في المساعدة على إرساء الديمقراطية في الدول المجاورة التي تضم أقليات كردية كبيرة. وهو يفعل ذلك من خلال تقديم أدلة إحصائية حول أنواع توازن القوى التي تؤدي إلى حل دائم للصراع، ثم إظهار كيف يؤثر وجود حكومة إقليم كردستان في العراق على توازن القوى في تركيا.
يناقش هذا الفصل كيف أن الحروب الأهلية العرقية تشكل تحدياً خطيراً للاستقرار المحلي والدولي، حيث أن عدداً هائلاً من هذه الأقليات العرقية يتجاوز انتشارها الحدود الدولية. إن الحروب الأهلية العرقية أصعب في الحل وأقل احتمالاً لأن تنتهي بتسوية عن طريق التفاوض مقارنة بالحروب الأيديولوجية. ومع ذلك، فمن بين المجموعات العرقية التي انخرطت في نزاع مسلح ضد حكوماتها منذ عام 1950، لم ينجح سوى عدد قليل منها في الانفصال عن حكوماتهم ونيل الاستقلال الرسمي.
لقد مرت المطالب الكردية في تركيا بتغيرات مهمة على مر السنين. إن الحل الديمقراطي الذي يلبي التطلعات الكردية أمر بالغ الأهمية لاستدامة السلام والنهوض بالديمقراطية في المنطقة. وكما تظهر حالة الكرد في العراق، يمكن للكرد أن يخدموا كأداة مفيدة لإنشاء ودعم الأنظمة الديمقراطية في البلدان التي ليس لها تاريخ من الديمقراطية. ومن الممكن أن يساعد حل القضية الكردية في تركيا من خلال معالجة المطالب الكردية عبر المزيد من الحكم الذاتي في تعزيز المؤسسات الديمقراطية القائمة في تركيا.
إن معالجة المطالب الكردية الرئيسية مثل الاعتراف بالتعليم باللغة الكردية وحمايتها كلغة أم، ووضع تعريف جديد للمواطنة على مسافة متساوية بين كل الهوية العرقية، وتمكين الإدارة المحلية، يمكن أن يعزز الديمقراطية في تركيا. وكما يقول أبراموفيتز وباركي، يمكن للحكومة التركية أن تكسب وتخسر الكثير من سياساتها تجاه الكرد لأن «القضية هي أكبر عائق للحياة السياسية التركية، وتقوّض الإصلاحات السياسية والإدارية، وتقييد خيارات السياسة الخارجية للبلاد، وتؤدي إلى تقويض الإصلاحات السياسية والإدارية».
ثم تختتم أوفرا بنيغو الفصل الثالث عشر تحت عنوان: «أنقرة وأربيل وبغداد: علاقات محفوفة بالمعضلات». يناقش هذا المقال الأسئلة التالية: ما هي طبيعة العلاقات بين أنقرة وبغداد؟ ما تفسير التغير بين شركاء هذا المثلث؟ وما هو دور الولايات المتحدة في هذا التغيير؟ إلى أي مدى تعتبر التغييرات تكتيكية وإلى أي مدى هي استراتيجية؟ يجادل هذا المقال بأنه كان هناك تحول نموذجي بين جميع اللاعبين؛ وأنه في هذا التحول تبدو تركيا هي المبادرة، وحكومة إقليم كردستان هي الناشطة، وبغداد هي الشريك المتفاعل؛ وأخيراً، أصبح جميع اللاعبين الذين اضطروا للاختيار بين شرين، يواجهون الآن معضلة فيما يتعلق بالنتائج المحتملة لاختياراتهم. إن حالة الاضطراب التي تشهدها المنطقة، والتحالفات المتغيرة بين مختلف اللاعبين في الشرق الأوسط، وعملية التحول الديمقراطي المؤلمة، وصعود الانقسام بين السنة والشيعة، لا تؤدي إلا إلى تفاقم هذه المعضلات.
وتناقش بينغو كيف أن التغيّرات البنيوية في المنطقة قد غيرّت ميزان القوى داخل نظام الدولة وكذلك بين نظام الدولة والنظام الفرعي الكردي. وبشكل عام، فإن جميع اللاعبين يواجهون معضلة. وفيما يتعلق ببغداد، إذا مارست ضغوطاً كبيرة على أربيل لحملها على اتباع خط (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي، فقد يدفعها ذلك إلى إعلان الاستقلال؛ وإذا لم تفعل ذلك فقد تفقد دعم الشيعة والسنة الذين ينظرون بقلق إلى الحلم المتلاشي المتمثل في عراق موحد. أما بالنسبة للعلاقات بين بغداد وأنقرة، فهي في حالة هشة لدرجة أنه إذا زادت بغداد من توترها، فقد تدفع تركيا إلى زيادة دعمها لحكومة إقليم كردستان حتى إلى حد دعم الاستقلال. وفي حين أن مثل هذا الموقف التركي قد يكون مفيداً اقتصادياً واستراتيجياً، فإنه يمكن أيضاً أن يزرع بذور نزعة الاستقلال الكردية في تركيا. ولأربيل أيضاً معضلاتها الخاصة. فمن ناحية، تحتاج إلى تركيا كمنفذ محتمل إلى البحر لنقل صادرات النفط. ومن ناحية أخرى، فإن العلاقة الوثيقة للغاية لأربيل مع أنقرة قد تصبح خطرة، إذما أصبحت حكومة إقليم كردستان تابعة لتركيا، وبالتالي امكانية تعريض الكرد العراقيين للتهديدات والتلاعبات الإيرانية. والآن تحذر إيران أربيل من إقامة علاقات وثيقة مع أنقرة أو التفكير في الاستقلال. كما أن الولايات المتحدة ليست أكثر ارتياحاً لخيارات اقليم كردستان. وتسعى شركات النفط الأميركية وتركيا وعدد متزايد من الدول والشركات إلى التعامل مع حكومة إقليم كردستان بعيداً عن السيطرة العراقية، لكن إذا أعطتها واشنطن الضوء الأخضر فإن ذلك سيساعد على تفتيت العراق. لكن، وعلى نحو متزايد، لم تعد الولايات المتحدة في وضع يسمح لها باتخاذ قرار في أي من الاتجاهين.
هكذا تركز فصول الكتاب على المطالب الكردية داخل تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا. ومن الواضح أن الحقوق الفردية الحقيقية، من حرية التعبير والتجمع إلى الإجراءات القانونية الواجبة وأمن الأشخاص، تفيد المواطنين العاديين في النظام السياسي بغض النظر عن انتمائهم الاثني. وحتى المطالب الجماعية مثل الاعتراف، والحقوق اللغوية، واللامركزية، والحكم المحلي يمكن أن تكون مفيدة لمجموعة واسعة من المجتمع حيث تصبح الحكومة أكثر تعبيراً عن مواطنيها وعلى اتصال بهم.
كما تشير معظم المساهمات إلى أن إرساء الديمقراطية الحقيقية في أي من الدول الأربع لا يمكن أن يحدث من دون تغيير جوهري في سياساتها تجاه الأقليات الكردية. وبهذا المعنى، فإن استيعاب الكرد داخل تركيا والعراق وإيران وسوريا يمثل شرطاً ضرورياً ولكنه غير كافٍ، لمزيد من الديمقراطية. إن قمع الحقوق الكردية في أي من هذه الدول، بغض النظر عن المبررات، يضع حدوداً لمدى قدرتها على التحول الديمقراطي. عندما يتعلق الأمر بالديمقراطية الجوهرية، فإن جنون العظمة تجاه الهوية والمطالب الكردية يعرض للخطر رحلة التحول الديمقراطي لجميع مواطني الدولة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد