رياض درار*
ليست مناطق شمال شرق سوريا من المناطق المستقرة، فهي محفوفة بالخصومات الداخلية، ومهددة من القوى المجاورة باستمرار. ورغم البصمة العسكرية المحدودة على داعش فالتهديدات ما تزال مستمرة، وبدأت تحديات تظهر أمام التحالف القائم بين الكرد والعرب، لأسباب داخلية وأخرى خارجية تحريضية أو داعمة لتفكيك هذا التحالف بشكل مباشر.
إن الاشتباكات التي حصلت منذ 27 آب الماضي شكلت البداية لاستثمار في الإشكالات الموجودة سواء في الحوكمة أو في الوضع الاقتصادي أو في الاحتقان الناتج من تحريض عناصر النظام أو الطرف الإيراني ومصالح وتطلعات بعض الزعماء المحليين الساعين إلى تسلم قيادة المناطق بحكم أنها مناطق عربية وأهلها أولى بإدارتها واستثمار خيراتها. وهذه ورقة يلعب عليها النظام الذي يتطلع إلى حقول النفط والغاز واحتياطيات الطاقة القيمة.
بدأ التمرد من خلال إبراهيم الهفل، ولكنه كان مدعوماً بقوات أخرى من الدفاع الوطني وقوى عشائرية يحركها نواف البشير، إلا أن نواف يميل إلى النظام السوري وإيران، بينما الهفل وأنصاره طلبوا دعم التحالف الدولي لهم، فقد تطلع الهفل، ومن وقف معه، إلى إنشاء كانتون عربي عشائري يتمتع بالحكم الذاتي مستقل عن قوات سوريا الديمقراطية، وهو يتطلع لمثل هذا الدعم لشعوره أن الولايات المتحدة بحاجة لجيش من العشائر للوقوف على الحدود مع العراق بعد أن راج أنها تعمل على ذلك في الشهور الأخيرة.
ورغم أن الهفل كان مُطالِباً بمحاسبة أحمد الخبيل “أبو خولة” من مجلس ديرالزور العسكري، إلا أنه أعلن التمرد حين تم التحفظ على أبو خولة وعدد من عناصر مجلس ديرالزور العسكري لمحاسبتهم على جرائم وانتهاكات أخرى منها التواصل مع العدو خارج الحدود وتهريب المخدرات وقتل واغتصاب.
إن حركة الهفل هي اقتناص فرصة، لكنها لم تكن بلا تحضير حيث نجد انتفاضة وتمرد في القرى. ورغم قمع التمرد إلا أنه يعطي مؤشراً لإمكانية اللعب على تخريب العلاقات بين قوات سوريا الديمقراطية والمجتمعات المحلية.
إن الدماء التي أريقت خلال 11 يوم من التمرد ستبقى عامل تحريض داخلي أراده من رسم لهذا التحرك العشائري، مما سيجعل قوات سوريا الديمقراطية في حالة تأهب مستمر لمواجهة جديدة سيستثمر بها تنظيم داعش باسم العشائر أيضاً.
إن فكرة الانفصال عن قوات سوريا الديمقراطية بدأت منذ فترة لا تقل عن سنتين، وبدأت ملامحها مع محاولات أبو خولة الذي سار مع قسد طوال فترة محاربة داعش وبدا ملتزماً، مما أهّله لقيادة مجلس ديرالزور العسكري، لكنه حين أعلن نفسه زعيماً لـ”إمارة زبيد” الفرع الذي تنتمي إليه عشيرته (البكير) أخذته العزة بالإثم، وصار يتصرف كزعيم يحشد حوله الموالين ويقدم لهم العون ويشتري ولاءهم، ويتحكم بهم، ويسخر من آخرين من زعماء القبائل رفضوا توليته واستهجنوا تصرفه.
ليس عجيباً أن ينحاز إبراهيم الهفل، الذي كان من أشد المطالبين بالإطاحة بأبو خولة، إلى المتمردين للمشاركة معهم والمطالبة به، إنها عقلية المنتهز واندفاعة الأهوج. لكن المسألة أن هذه الحركة ستترك أثرها على العناصر المتنازعة من القبائل لوقف التنازع والبحث عن الانتقام الذي قد يطول مداه، وهذا قد يجعل عودة الهدوء والاستقرار وعودة عناصر وأعضاء القبائل المتمردة إلى الاندماج في النظام القائم أمراً يحتاج الى علاج متعدد النواحي في ظل عودة الأنفاس لداعش التي ستركز قتالها باسم العشائر، وتمكنها من التجنيد والتحشيد بسبب حالة الثأر، أو المطالبة بالمعتقلين، أو حتى التركيز على النساء وحرمة للبيوت والحفاظ على قيم المجتمع المحلي.
هذا التطور في الأحداث يحمّل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وممثلها السياسي مجلس سوريا الديمقراطية أعباء رسم سياسة جديدة تقوم على عدة نقاط لابد منها لتفادي عودة القتال مرة أخرى أو الاستثمار السلبي في العشائر بسبب النقص والحاجة والشعور بالإقصاء وما يتبع ذلك من تحريض خارجي مستمر بهدف المزيد من الاحتقان ومن أجل ذلك ضرورة إعلان مبادرة يمكن أن تكون بدايتها محددات يتم العمل عليها بعد مؤتمر لأبناء المنطقة شبيهاً بمؤتمر “أبناء الجزيرة والفرات” بنسخة ثانية، قادرة على تجاوز التقصير الذي حصل في المؤتمر الأول وقابلاً للحياة والاستمرار.
المبادرة
تحتاج الإدارة الذاتية وقسد مراجعة الموقف حتى لا تتأثر بردود فعل تجعلهم يرون في البعض رديفاً لداعش، أو عدواً جديداً يحشد آلاف المسلحين، وما سيترتب على ذلك من خسارة في التأييد العربي. لذلك، فالعلاقة بين الشارع العربي والعشائر وقسد تحتاج مراجعة وإصلاحاً من خلال محددات تمنع تعقيد الوضع، لأن التحريض والتحشيد لم ينته بانتهاء العمليات.
من هذه المحددات:
1- إنشاء إدارة مدنية لإدارة المناطق الشرقية، وإحداث توازن يُشعر المكون العربي بوجوده وأهميته الى جانب بقية المكونات، ويضمن مشاركته في منظومة القيادة الفعلية للمنطقة.
2- إيجاد بدائل للعلاقة بين المكونات عبر تشكيل هيئة أعيان تضم ممثلي العشائر والقيادات المجتمعية لضمان الصلح المجتمعي والسلم الأهلي، وتكون ممثلة سياسية للمنطقة ضمن الرؤية الوطنية السورية.
3-عقد لقاءات مع العشائر لإظهار توافق ينظم المشهد ويحفظ معنى “أخوة الشعوب” والعيش المشترك.
4-إعادة النظر في التجنيد وجعله خدمة طوعية بمقابل مادي، وتشكيل أكثر من مجلس عسكري للمناطق في ديرالزور يتبع القيادة المركزية. ويمكن لمن يصل لمرحلة التجنيد الخدمة المحلية في أماكن إدارية في مناطقهم بعد الخضوع لدورة عسكرية للجاهزية والدفاع.
5-التصدي لأي محاولة تهدد استقرار المنطقة من قبل خلايا النظام أو إيران وخلايا داعش، ومحاسبة المسؤولين عن أية انتهاكات تحدث في ديرالزور، وإيجاد آلية لإبعاد خلايا النظام من القرى السبع شرق النهر- وفرض النفوذ الإداري عليها من المجلس المدني.
6-الابتعاد عن خطاب العشائرية والعصبيات الضيقة والاثنية والطائفية والبنى ما دون الوطنية لصالح التحول الديمقراطي وقيام النظام القانوني، والمرجعيات المدنية، والشراكة في البناء والسلام.
7-مشاركة إدارة الموارد ضمن هيئة مؤلفة من كل الأطراف (النفط، الزراعة) مع توافر الشفافية ووضع اقتصاد المنطقة وحساباتها الجارية، بحيث يستفيد من الموارد كافة أبناء المنطقة.
8-يدير المناطق بشكل مؤسساتي أبناؤها وفق تراتبية إدارية لامركزية بحيث ينتخبون مؤسساتهم التشريعية والتنفيذية والقضائية المحلية. وترتبط مع المركز الإداري لشمال وشرق سوريا بما يحفظ وحدة القرار والتوجه والمصير. ورفض الرؤى الفردية التي تحرف عن المسار عن مصالح المجتمع، والسعي الدؤوب للحفاظ على الشفافية المحلية ضمن الرؤية السورية كمفهوم سياسي جامع لشعب واحد.
9-قوات سوريا الديمقراطية تشكل حماية للمناطق وهي من كل مكونات المجتمع، وظيفتها عسكرية تحمي الحدود وتقيم الأمن، وتقوم في المناطق قوات حماية محلية شرطية لتنفيذ القانون تتبع لوزارة الداخلية في الإدارة الذاتية.
10-وضع البرامج والخطط لتنمية المناطق وتخديمها وتتشكل إدارات متابعة مركزية لمتابعة الإنجاز والتوجيه لتطوير المناطق وفق أهداف ومصالح تلك المناطق.
*الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية