اللحظة السياسية السورية الراهنة

محمد سيد رصاص

في شهر أغسطس/آب 2022 انهارت المفاوضات الأميركية- الإيرانية التي بدأت في فيينا قبل ستة عشر شهراً من أجل احياء الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 بعد أن سحب الرئيس الأميركي دونالد ترامب التوقيع الأميركي عليه في عام 2018. بعد شهر من ذلك بدأت تظهر المسيرات الايرانية من نوع (شاهد) في الحرب الروسية على أوكرانيا.
منذ ربيع عام 2023 بدأت تظهر تسريبات في مقالات ودراسات بالصحف وبعض مراكز الأبحاث الأميركية عن خطة أميركية لإغلاق الحدود العراقية – السورية عبر السيطرة العسكرية بواسطة قوات أميركية أو حليفة أو موالية لواشنطن على خط التنف- البوكمال من أجل قطع الشريان عن حزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين ولضرب التواجد العسكري الإيراني أو الموالي لطهران بين تنظيمات عسكرية أغلبها عراقي، في سوريا، والأمر انتقل مؤخراً للعلن بعد تصريحات مضادة ومحذرة من الخطة الأميركية أطلقها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ووزيرالخارجية الايراني أمير عبداللهيان.
لا يمكن هنا الفصل بين ما جرى في فيينا وبين تلك التسريبات. ويبدو أن الأميركيين يريدون عبر هذه الخطة الضغط على ايران في نقطة يظنون ويحسبون أنها النقطة الرخوة عند طهران ولكن يعتقدون أو يقدرون أنها الأكثر تأثيراً وإيلاماً. والأرجح هنا أن الأميركين يريدون تكرار معاكس لما جرى في شهري أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2013 عندما كان تهديد طهران بالانسحاب من المفاوضات النووية الرادع الرئيسي للرئيس الأميركي باراك أوباما عن تنفيذ ضربته العسكرية على سوريا، حيث يبدو أن هناك حسابات أميركية بأن تنفيذ هذه الخطة الأميركية في سوريا يمكن أن يجبر إيران على الابتعاد عن روسيا (ومعها الصين) والعودة لما يريده الرئيس جو بايدن من مفاوضات نووية جديدة تكون فيها ايران ضعيفة الأوراق الإقليمية.
هنا ، يجب الربط بين الانعطافة التركية نحو واشنطن التي جرت في قمة حلف الناتو الأخيرة في ليتوانيا في يوليو/تموز والتي هي كسر لانعطافات أردوغان نحو موسكو التي بدأت في قمته مع بوتين في 9 أغسطس/آب 2016 وبين ما تسرب لأوساط إعلامية عديدة عن أن هناك نقل من تركيا بطائرات أميركية باتجاه قاعدة التنف لعناصر من فصائل عسكرية سورية معارضة موالية للأتراك من أجل التدريب والتحشيد لتنفيذ تلك الخطة الأميركية وعن أن الأتراك طالبوا واشنطن مقابل ذلك بتغيير الواقع القائم في شرق الفرات باتجاه تحجيم نفوذ قوات سوريا الديمقراطية – قسد .
يمكن أن يضاف لهذا الأمر الأخير الأميركي- التركي مؤشرات عديدة على أن قوات سوريا الديمقراطية رفضت وترفض الاشتراك في هذه الخطة الأميركية التي من المؤكد إن دخلت طور التنفيذ ستقود إلى مواجهة بين القوة العظمى في العالم والقوة الإقليمية العظمى ستكون لها تداعيات كبرى في عموم إقليم الشرق الأوسط، وليس من دون دلالة تركيز الأميركيين في الأشهر الأخيرة على العرب في شرق الفرات الذي يميل وسطهم الاجتماعي إلى عداء شديد للإيرانيين، وهو وسط له الكثير من الخيوط التي نسجت مع الأتراك في سنوات الأزمة السورية منذ 2011. وأيضاً ليس من دون دلالة الصمت الأميركي على ما جرى من قتال مؤخراً في جنوب وشرق ديرالزور عند الضفة الشرقية للنهر بين قوات سوريا الديمقراطية وقوى عسكرية معظمها يتبع لقيادات في مجلس ديرالزور العسكري التابع لتلك القوات وساندها وسط اجتماعي تركز أساساً في قبيلة العقيدات بمنطقة جنوب محافظة ديرالزور، من دون وجود مساندة عند عرب الرقة والحسكة، ثم محاولة الأميركين لعب دور الإطفائي بعد عشرة أيام، في حريق لاقى حطباً جافاً بوسط عربي على الأقل في بعض مناطق محافظة ديرالزور يشعر بتظلمات وعدم رضا وتهميش. وكذلك ليس من دون دلالة الحبور التركي تجاه ما جرى في ديرالزور، والحماس عند المعارضين السوريين الموالين لأردوغان، وهو ما شاركتهم طهران في حبورهم التي رأت في ماجرى بدير الزور لصالحها.
هذا التوتر الأميركي- الإيراني الذي انعكس على سوريا سريعاً لم نرى موازياً له من خلال المجابهة الأميركية – الروسية في أوكرانيا، ولو أن هناك بالأشهر الأخيرة احتكاكات جوية غير مسبوقة في السماء السورية بين الأميركيين والروس، ما يوحي ببدء ترجمات محتملة في سوريا لهذا الصراع الروسي- الأميركي الذي هناك مؤشرات على أنه سيمتد لمناطق عديدة من العالم ولن يقتصر على أوكرانيا حيث هناك حرب لحلف الناتو ضد روسيا تقوم بها أوكرانيا بالنيابة، وسوريا مرشحة لأن تكون ميداناً لهذا الصراع وأيضاً القارة الافريقية.
من جهة أخرى، بعد قمة حلف في ليتوانيا تم الاعلان عن نية الحلف إنشاء مركز ارتباط إقليمي في الأردن. وهناك مؤشرات على أن الأردن سيكون مركز الارتباط الاقليمي في عموم منطقة الشرق الأوسط. لا يمكن عزل هذه الخطوة عن التوتر الأميركي- الإيراني، وعن هواجس الأردن من تواجد مليشيات موالية لطهران في الجنوب السوري، والتي يربط الأردنيون بينها وبين تجارة المخدرات التي تعبر الحدود السورية – الأردنية، وهما أمران جعل الأردن يتصدر المبادرة العربية الأخيرة تجاه الأزمة السورية، إضافة إلى موضوع اللاجئين السوريين في الأردن. تعثر المبادرة العربية واقترابها من الفشل، وهو أمر يتوازى مع جمود الاتفاق السعودي- الإيراني بعد مرور ستة أشهر عليه، يتزامن مع تصريحات أردنية غير رسمية ومن وزراء ومسؤولين سابقين عن نية عمًان إقامة منطقة عازلة في الجنوب السوري، ولا يعرف مدى ارتباط هذا مع ما يجري في محافظة السويداء حالياً، وإن كان أسبوعان وأكثر من الحراك الاجتماعي المعارض هناك تميز بسلميته وبشعاراته التي تطالب بالانتقال السياسي وفق القرار الدولي 2254 وعدم اقتصاره على القضايا المطلبية الاقتصادية – الاجتماعية ، وإن كان يلاحظ أنه حراك موضعي ولا توحي مؤشرات بأنه سيمتد لمناطق سورية أخرى، بخلاف ماجرى مع درعا في 2011، وربما هذا ما يفسر هدوء رد فعل السلطة السورية على مايجري في السويداء.
كتكثيف: منذ أن تأقلمت وتدولت الأزمة السورية في خريف 2011، ولم تعد داخلية كما كانت في الأشهر الستة الأولى من بدئها في درعا، فإن تناول ما يجري في سوريا لا يمكن أن يكون أساساً إلا تناولاً لمايجري بين القوى الفاعلة في الأزمة السورية والتي هي بالترتيب من حيث القوة :الولايات المتحدة ، روسيا تركيا، إيران.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد