المركز الكردي للدراسات
تتفادى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، حتى الآن، وصف سيطرة العسكريين على السلطة في النيجر بـ«الانقلاب»، وتحاول اجتراح صيغة مؤقتة تتعامل مع الحداث على أنه في تطور مستمر وغير مكتمل لذلك تتريث في وصف هذا الانقلاب العسكري كامل الأركان بأنه «انقلاب».
وشرح المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية صامويل وربيرغ موقف بلاده من عدم تصنيف واشنطن أحداث النيجر بالانقلاب في عدد من النقاط، ليس من بينها السبب الأكثر أهمية وهو أن وصف الأحداث في النيجر بأنها «انقلاب» قرار قانوني، وليس مجرد مسألة استخدام كلمة واحدة، إذ يترتب عليه إنهاء الوجود العسكري الأميركي والتدريب، والمساعدات الاقتصادية، وإذا اضطرت واشنطن إلى تجميد المساعدات للنيجر، فإنها ستعرض علاقاتها للخطر بحليف حاسم ومحور مهم لمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي.
ويوضح مدير مركز التحليل السياسي والعسكري بمعهد هدسون الأمريكي ريتشارد وايتز أن السبب الرئيسي وراء الموقف الأميركي لعدم وصف أحداث النيجر بالانقلاب، أنه إذا أصدر المسؤولون في إدارة بايدن مثل هذا الإعلان، فإن القانون الأميركي يجبرهم على تعليق كل المساعدات لجيش النيجر.
وهذا من شأنه أن يزيد من احتمال أن يلجأ المجلس العسكري في النيجر إلى روسيا وفاغنر للحصول على الدعم، وبالتالي فهم في الوقت الحالي، يريدون التفاوض على تسوية الأزمة واستخدام المساعدات كحافز لذلك. وإذا قرر البيت الأبيض أن ما حدث في النيجر هو انقلاب، فسيتم تطبيق سلسلة من العقوبات. وسيكون أحد القرارات الانسحاب الفوري للقوات الأميركية والطائرات من دون طيار في البلاد، لكن في الوقت الحالي، تم تعليق معظم المساعدات بما في ذلك التدريب مع جيش النيجر فقط.
وتخشى واشنطن من أن إنهاء الوجود الأميركي يترك فراغا كبيرا فيما يخص المصالح الأمنية للولايات المتحدة في منطقة الساحل، وسيكون من الصعب إعادة ملئه، لذلك تحاول تفادي التبعات القانونية لوصف الأحداث بـ《الانقلاب》، وبدلاً من ذلك تركز على إيجاد مخرج يبرر استمرار إسهاماتها لمكافحة الإرهاب عبر التواصل إلى اتفاق مع العسكريين يتضمن جدولاً زمنياً لاستعادة النظام الدستوري، وسيكون البديل دعم تدخل عسكري تقوده دول مجموعة إيكواس الإفريقية.
ويشكل الموقف الأميركي الحذر في النيجر، وحرص إدارة بايدن على البقاء في منطقة الساحل الأفريقي لإبقاء برنامج مكافحة الإرهاب نشطاً في هذه المنطقة، مؤشراً على عدم تراجع الاهتمام الأميركي بمكافحة الإرهاب، بغض النظر عن الدوافع الأخرى لها ضمن استراتيجياتها المتعددة للحفاظ على النفوذ الأميركي في العالم. وبالتالي، فإن برنامج الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب في سوريا والعراق – وفق هذا الاتجاه – ما زال محورياً في الاستراتيجية الأميركية، ولا يحتاج إلى تبريرات جديدة في الأمد المنظور لمواصلة الحرب على الإرهاب في المناطق التي ما زالت تنشط فيها التنظيمات الإرهابية على شكل خلايا وقد تعود لتستولي على مناطق جديدة في حال أوقفت الولايات المتحدة سياستها في دعم وإسناد القوات المحلية في سوريا والعراق.
وتدعم المؤشرات الحالية في منطقة الساحل الأفريقي هذه المخاوف الأميركية، فخلال أسابيع من استيلاء العسكريين على السلطة في النيجر، تحركت مجموعات إرهابية بشكل واسع للاستفادة من الفراغ والفوضى، وباتت ثلاث دول متجاورة يحكمها عسكريون (النيجر ومالي وبوركينا فاسو) مهددة بالسقوط تحت ضربات التنظيمات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة.
ومن اللافت أن الحرص الأميركي على استمرار برنامج مكافحة الإرهاب في أفريقيا يتزامن مع تقارير عن فقدان الاستراتيجية الأميركية لمكافحة الإرهاب مبرراتها بعد هزيمة تنظيم داعش في شمال شرق سوريا والعراق، خاصة من الدول والجهات المتضررة من الوجود الأميركي في سوريا. لذلك، لا يمكن الفصل بين أحداث الساحل الأفريقي والاستراتيجية الأميركية الشاملة ضد الإرهاب، بما في ذلك سوريا التي مازالت تعج بفصائل مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة في شمال غرب سوريا وعفرين المحتلة، فضلاً عن انضمام قيادات من تنظيم داعش إلى فصائل المعارضة السورية.