الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2020: ما الذي يمكن أن يتوقعه العالم؟

أندريه كادومتسيف

بدأت تتكشف ملامح الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة وسط تراجع لمكانة الولايات المتحدة في العالم، وهذا ما يركز عليه الآن العديد من المعلقين داخل وخارج الولايات المتحدة. كيف ينظر المتنافسان الرئيسيان لرئاسة البيت الأبيض إلى هذا الموقف؟ ماذا ستقدم وعودهم الانتخابية للعالم؟

إن السياسة الخارجية الحالية لواشنطن مثيرة للجدل إلى حد كبير. من جانب آخر، تبدو العديد من تصرفات دونالد ترامب وكأنها محاولة مقصودة لتدمير المؤسسات الدولية التي أنشأتها الولايات المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية. هذه “السياسة” هي موضع نقد لاذع من قبل خصومه السياسيين. في حين يُصعب القول إن كان الرئيس الحالي للبيت الأبيض يسعى حقًا إلى فوضى جديدة، حرب شاملة، كما قد يظن الشخص بعد قراءة إستراتيجيته للأمن القومي، المنشورة في شهر ديسمبر من عام 2017، أم أن هذا مجرد مسعى من قبل الرئيس والذي كان سابقا رجل اعمال لانتزاع تنازلات من خصوم أمريكا.

إن كان الرئيس ترامب يأمل حقًا في تخفيف عبء التزامات السياسة الخارجية الأمريكية من خلال إعادة تشكيل المؤسسات العالمية القائمة ودفع حلفائها نحو “استقلال” أكبر، فمن الواضح أن خططه لا تعمل. لا يمكن للحلفاء ولا البراغماتيون، الذين كانوا ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها “شرطي عالمي” الأقل ضررًا على مصالحهم، الاعتقاد بأن شعار ترامب “أمريكا أولاً” لا يعني بالضرورة “أمريكا فقط”. وبناء على ذلك، فإن معظم الدول ومنها الغربية، تبحث الآن عن طريقة لبناء نظام دولي قابل للاستمرار يكون قادرًا على العمل دون الاعتماد على القوة المهيمنة لأمريكا.

ولكن غالبية الساسة الأمريكيين، حتى داخل الحزب الجمهوري، يرغبون بشدة في الحفاظ على القيادة العالمية لأمريكا. إن الهيمنة بمظهر جديد، بوجود الولايات المتحدة على رأس الهرم، ذلك سيسعد للغاية ليس ترامب ورفاقه فحسب، بل العديد من خصومه السياسيين، والدول الغربية.

ولكن كيف سينظر المتنافسون إلى هذا الوضع الدولي الناشئ؟ إنها حالة نادرة عندما تكون الدول الأجنبية على دراية جيدة بآراء كلا المرشحين بشأن السياسة الخارجية، النظرية منها وغيرها، وخاصة آراء جو بايدن. فعضو مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير ليس غريباً عن السياسة الدولية التي شارك فيها منذ السبعينيات، إلى أن تولى رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في عام 2007. ولاحقًا، لمدة ثماني سنوات، لعب نائب الرئيس بايدن دورًا كبيرًا في عهد السياسة الخارجية للإدارة أوباما، ربما أكبر من الرئيس أوباما نفسه. وما البيانات السياسية التي سنسمعها من كلا المرشحين؟

عند توصيف السياسة الخارجية لإدارة ترامب، يختلف وزير الخارجية مايك بومبيو بشدة مع القادة الغربيين، الذين “يشككون” في التزام أمريكا بالعلاقات عبر ضفتي الأطلسي وقيادتها العالمية. خلال مؤتمر ميونيخ الأمني ​​في فبراير، أوضح بومبيو سياسة الرئيس ترامب على أنها مزيج من الصلابة والقوة، والتي كما يظهر التاريخ، هي العوامل الوحيدة للنجاح في العلاقات الدولية. في شكل غير معلن، نقل بالفعل إلى الأوروبيين نظرة ترامب عن السياسة الخارجية التي ينبغي اتباعها.

اذكروا لي مثالا من التاريخ ينتصر فيه الضعفاء والانهزاميون”، تساءل كبير الدبلوماسيين الأمريكيين بلهجة خطابية إلى حد ما. على الطرف الآخر يأمل جو بايدن في استعادة “احترام أمريكا في العالم”. ولهذه الغاية، يعتزم بايدن، “قبل كل شيء”، “إصلاح الضرر” الذي ألحقته إدارة ترامب بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، و “إعادة بناء” التحالفات التقليدية والمؤسسات الدولية. يعتزم بايدن الانضمام إلى اتفاقية باريس للمناخ، وانضمام الولايات المتحدة مجددا إلى منظمة الصحة العالمية واستئناف مشاركة أمريكا في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. أخيرًا، يعتزم بايدن الحفاظ على اتفاقيات الحد من الأسلحة، وتجديد معاهدة ستارت الجديدة.

التركيز على أجندة تغير المناخ، التي وصفها بايدن بأنها تهديد رئيسي للأمن القومي، ستكون التحول الرئيسي للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد بايدن. وهذا يعني أن العقوبات الأمريكية يمكن أن تستهدف أولئك الذين “يقوضون” الإجراءات الرامية إلى التغلب على العواقب السلبية لتغير المناخ. يتعهد بايدن، بالاستعارة من خصومه السابقين في المعسكر الديمقراطي “اليساري”، بجعل السياسة التجارية الأمريكية وسيلة مهمة للحصول على تنازلات من الدول الأخرى بشأن المعايير البيئية ومعايير العمل، فضلاً عن قضايا حقوق الإنسان.

يحرص بايدن بشكل خاص على زيادة الضغط على الصين، المتهمة “بالتسبب بزيادة انبعاثات الكربون”، من خلال المشاريع التي تنفذها بكين كجزء من مبادرة الحزام والطريق. كما يلوم بايدن روسيا على “نشاطها” في القطب الشمالي، وينوي السعي في إطار مجلس القطب الشمالي، إلى إدخال “توقيف عالمي” للتعدين على الجرف القطبي الشمالي بحجة حماية النظم البيئية الهشة في المنطقة.

من المؤكد أن جدول أعمال بايدن فيما يتعلق بالبيئة سيكون له صدى في أوروبا، وكذلك وعده بالعودة إلى السياسة الأطلسية “التقليدية”. ولكن انتخاب بايدن سيغير على الأرجح “شكل” السياسة الخارجية لواشنطن بدلاً من جوهرها. “سيصبح أكثر ليونة من الخارج، وستكون معاملة الحلفاء أكثر تهذيباً”، لكن “الجوهر” قد يظل كما هو. الحقيقة هي أن البيانات، وخاصة الخطوات العملية التي قد يتخذها الاتحاد الأوروبي لاستعادة دوره كأحد الأطراف المهمة، إن لم تكن حجر الزاوية في النظام الدولي أو حتى باعتبارها “ثقلًا موازنًا” للولايات المتحدة، تتعارض مع رغبة المؤسسة الأمريكية في الحفاظ على “القيادة الأمريكية”.

كانت لسياسات الرئيس ترامب تأثير مزدوج على أوروبا. فمن ناحية، يتوق العديد من الأوروبيين إلى الحفاظ على القيادة الأمريكية، في المقام الأول عندما يتعلق الأمر بالدفاع. لا يزال البعض في النخب الأوروبية ينظرون إلى أمريكا على أنها الضامن الرئيسي ضد محاولات بعض دول الاتحاد الأوروبي للتغلب على الآخرين. أخيرًا، لا يزال الأوروبيون يأملون في استخدام أمريكا “كثقل موازن” في علاقاتهم مع موسكو وبكين.

من جانب آخر، من الواضح أن الحجج المعقولة ليست كافية كتبت مجلة دير شبيغل الألمانية “لمنع زيادة الرسوم الجمركية والتهديد بفرض عقوبات من قبل حكومة ترامب. لم يعد بمقدور أوروبا تحمل دفن رأسها في الرمال وتحتاج إلى بناء تحالفات قادرة على اتخاذ تدابير مضادة حاسمة”.  لولا ترامب، لكان بإمكان الاتحاد الأوروبي “أن تحلم” في اللحظة التي لن يؤدي فيها اعتمادهم على الولايات المتحدة إلى تقليل “حرية المناورة” لدى الأوروبيين فحسب، بل سيحرمهم تمامًا من “هويتهم” في العلاقات الدولية. لكن بعد ما يقرب من أربع سنوات من “الفوضى” في البيت الأبيض، وبسبب وباء فيروس كورونا، عندما انفصل الاتحاد الأوروبي أخيرًا عن الأوهام حول قدرتهم على الاعتماد على “الأصدقاء” في الخارج، تظهر أوروبا “فجأة” علامات الاستيقاظ من سباتها الجيو-سياسي.

مهما كانت نتيجة انتخابات شهر تشرين الثاني، فإن المواجهة بين أمريكا والصين، ستبقى صراعًا أساسيا في العصر الحديث. على الرغم من أن بايدن لم يهتم حتى الآن بالصين في خطابات حملته الانتخابية، فإن الاختلافات بينه وبين ترامب تبدو الآن دبلوماسية بشكل كلي حيث يوجد إجماع قوي من الحزبين في الولايات المتحدة على الحاجة إلى احتواء الجمهورية الشعبية. سيزيد ترامب من التوترات بطريقة أكثر “وضوحا”، لأنه يعتقد أن مثل هذه السياسة تؤتي ثمارها بالفعل. بايدن، الذي انتهج خلال فترة عمله مع إدارة أوباما سياسة “جذب” بكين إلى المؤسسات العالمية تحت رعاية الولايات المتحدة، سوف يتصرف بطريقة أكثر تعقيدًا، ويتصرف “باسم القيم” و”مصالح المجتمع الدولي”.

وبحسب الكثير من وسائل الإعلام البريطانية، فإن النخبة الصينية منقسمة على نفسها. السؤال الرئيسي هو إن كان التراجع الأمريكي أمرا حتميا، فكيف يمكن لذلك أن يكون مفيدًا للصين. يعتقد الساسة الذين يمثلون نهج “القوة” الصينية بأن إعادة انتخاب ترامب ستؤدي إلى “زيادة” إضعاف أمريكا وتؤدي إلى مزيد من التدهور في علاقاتها مع الحلفاء في آسيا وأماكن أخرى من العالم. أما بالنسبة للدوائر المالية والاقتصادية في البلاد، فهم يخشون الانهيار المبكر للنظام التجاري العالمي، الأمر الذي يجلب منافع كبيرة للصين، ويرون في بايدن الخيار الأفضل، لأنه في ظل الإدارة الديمقراطية، فإن إعادة التنظيم الاقتصادي للقوتين ستكون أكثر تنظيما. بقدر ما تدرك السلطات الصينية أن فريق بايدن لن يكون أقل معاداة للصين من إدارة ترامب، فإنها لا تزال تعتقد أن سياسة واشنطن في عهده ستكون ” قابلة أكثر للتنبؤ” وبأن القوتين الاقتصاديتين في العالم سيكون لديهما “أسباب أكثر للحوار والتفاعل”. “

أما في موسكو فلا لا يتوقع غالبية المراقبين السياسيين أي تحسن في العلاقات الأمريكية- الروسية، بغض النظر عمن سيفوز في شهر نوفمبر. فوز ترامب لن يغير المشاعر المعادية لروسيا في الكونجرس. هناك بالفعل اتهامات جديدة بـ “التدخل الروسي” في الانتخابات الرئاسية المقبلة “لصالح” الرئيس الحالي. يعتقد ديمتري ترينين، مدير مركز كارنيغي في موسكو، أنه حتى لو فاز بايدن “ستبقى واشنطن تنظر إلى موسكو على أنها” الشيطان الأصغر “، ولن يكون هناك أي تحسن في العلاقات الثنائية تحت حكم الديمقراطيين، وربما يتم إيلاء المزيد من الاهتمام للحد من التسلح، ولكن ليس بالضرورة”.

على العموم، يمكن تنبؤ ما قد سيقوم به كلا المرشحين الرئاسيين إلى حد ما، مع عدم استعداد أي منهما للاعتراف علنًا بأن العالم لن يقبل الخضوع لأمريكا، وأن الوقت قد حان الآن للولايات المتحدة لقبول عالم جديد أقل فوضى ولامركزية. يناضل كلا المرشحين الرئاسيين من أجل الحفاظ على الهيمنة العالمية لأمريكا.

لقد أعاد ترامب أمريكا بشكل لا لبس فيه إلى نموذج السياسة الواقعية، حيث أعطى الأولوية لـ “المصالح” على “القيم”، بالطريقة التي يفهمها هو وأنصاره، الأمر الذي أدى إلى نفور الكثيرين، خاصة بين حلفاء واشنطن التقليدين. لكن العالم على دراية بقواعد اللعبة هذه لأكثر من قرن من الزمان. إذا أعيد انتخاب ترامب، فسيكون من الصعب التنبؤ برد فعل السلطة وأولئك الذين يعارضونه في المجتمع الأمريكي.

أما بايدن، فيتمسك بدوره “النموذج الجديد” لإدارة العولمة – نموذج من شأنه أن يرتقي بالقدرة التنافسية الشخصية والاجتماعية لمعظم الأمريكيين إلى مستوى جديد. لتحقيق ذلك، سيتعين إعادة تشكيل المجتمع الأمريكي بالكامل تقريبًا وزيادة الضغط على الدول التي ترفض الأسلوب الأمريكي “للأجندة التقدمية”. ستكون إعادة السياسة الخارجية الأمريكية إلى طبيعتها أولوية رئيسية للرئيس الديمقراطي والذي سيكون فريقه أكثر كفاءة أيضًا.

مع خسارة الولايات المتحدة لمكانتها المُهيمنة في العالم، سيتعين على البلدان الأخرى والجمعيات بين الدول إما إنشاء نظام خاص بها، والاندماج مع الدول الأخرى والكفاح من أجل موقع مناسب داخل نظام جماعي جديد، أو محاولة عزل نفسها ضد أية تغييرات. ولكن الجهود المبذولة لبناء نظام عالمي جديد ستواجه صعوبات بسبب تزايد عدم الكفاءة وتعنت العديد من المؤسسات السياسية القائمة. إن البحث عن أشكال جديدة من التعايش وخاصة التعاون، محفوف بالصراع المتزايد وعدم الاستقرار.

— المصدر: موقع موديرن دبلوماسي

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد