“جيروزاليم بوست”: درس إسرائيل من تخلي الولايات المتحدة عن الكرد

 باروخ بينا | جيروزاليم بوست

كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرسل على وجه السرعة نائبه مايك بنس، من أجل إجراء محادثات عاجلة مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومن المحتمل أن تكون أسفرت تلك المحادثات عن توقف في عمليات تركيا العسكرية على المناطق الكردية، إلا إنه من السابق لأوانه القول بإن هذه الخطوة تعد نهاية لهذه المناوشات. ومع ذلك، قد تشير  هذه الخطوة إلى أن “ترامب” يبدأ في إدراك سلبية الانسحاب الأمريكي السريع من سوريا. في حقيقة الأمر، من خلال سحب أقل من 100 جندي أمريكي، يعني أن الولايات المتحدة  أزالت الحاجز الرمزي لغزو تركيا لسوريا، مع دعوة روسيا إلى المنطقة وقوات نظام الأسد التي تسمي “قوات الجزار”، أما “ترامب” فهو يصدر تهديدات فارغة ولكن لا يوجد هناك فرصة للعودة إلى الوراء، ومن خلال كلماته غير المتسقة، سيكون عليه من الصعب سحب الحجر الذي ألقاه في البئر السوري.

لم يخترع “ترامب” الانعزالية الأمريكية، كما أنه لم يصمم شعار “أمريكا أولاً”، ومع ذلك،صمم الرئيس الأمريكي الحالي وشكل قرارته المُحرجة. وقد ينسى أي شخص -مندهش من خدعة الانسحاب التي قامت بها الولايات المتحدة في سوريا-  أن الحمض النووي الأمريكي كان انعزاليا منذ أن وضع الرئيس جيمس منرو- خامس رئيس لأمريكا-  عقيدة تحمل الاسم ذاته –أمريكا أولاً-  في عام 1823. 

يُذكر أن الولايات المتحدة  تبدأ عمومًا في الحرب في أعقاب  “زيارات غير ودية” إلى أماكن مثل: ميناء بيرل أو برجي التجارة العالميين، ولكنها صارت لا تسرع في هذه الخطوة خاصة بعد قصف حقول النفط السعودية  أو حتى عقب غارة لندن عام 1940.

ومن ناحية الكرد، فلم يكن التخلي عنهم مفاجأة، فهم للأسف ضحايا ضمن سلسلة لا تنتهي، حيث تخلى الاتحاد السوفيتي عنهم  وخاصة (جمهورية مهاباد الكردية ذات العمر القصير التي اتخذت من غرب إيران مقرًا لها) في عام 1946، كما تخلت عنهم إيران في عام 1975، تلتها إسرائيل. ويبدو أن “أردوغان” تخطى معارضته الأولية للاستقلال الكردي في شمال العراق وعاصمتها “إربيل”.

يرى “أردوغان” الآن أن الحكم الذاتي الكردي في شمال شرق سوريا، وعاصمتها في القامشلي والقيادة في يد حزب العمال الكردستاني-الذي صنفته تركيا على أنه منظمة إرهابية-  عاملا مساعدا للمشاعر الكردية داخل تركيا، وتهديد أمني لأنقرة.

وبالنسبة إلى إسرائيل، فالصدمة فيها حقيقية وصادقة، تلك الصدمة التي أساسها ردود فعل لا تعد ولا تحصى، بدءًا من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين تنياهو (الذي يجب النظر إليه من خلال عدسة العلاقات التركية الإسرائيلية)، وإدانات السياسيين، ولقطات يصعب مشاهدتها، ومظاهرات وبادرة نبيلة من قبل 100 ضابط  من ضباط الاحتياط، حتى أن البعض أثار مخاوفهم من أن الرئيس الأمريكي “الهائج” سيتخلى عن إسرائيل كما فعل مع حلفاؤه الكرد.

في الحقيقة، يبدو أن “ترامب” في الأسابيع الاخيرة كان يعطي “نتنياهو” كتفًا باردًا و”عدم اهتمام”، ما جعله يعتبر خاسرًا في أعقاب فشله السياسي في ناحيتين. في الوقت ذاته، فإن إسرائيل لن تُعامل مثل الكرد، لأنها تتسم بقوتها كما أنها تُصنف الآن على أنها ثامن أقوى دولة عالميًا، بعد اليابان وبريطانيا وفرنسا مباشرة، وبالعودة إلى حرب يوم الغفران في عام 1973، فقد تم فقدان السيطرة على الأراضي التي تم غزوها، ورغم أنها لم تكن بداية جيدة لإسرائيل، لكنها تغلبت على الكثير من الصعوبات وفازت بمساعدة الولايات المتحدة، حتى وإن كان عقل “ترامب” الآن يفكر في التخلي عنهم، فإن هذا الأمر غير محتمل مع الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الذين يتعاونون بالفعل ضد سياسته مع الكرد، ومع أن الكرد ليس لديهم قاعدة سياسية أمريكية في شكل مجتمعات واتحادات ومشرعين، فإن إسرائيل غير ذلك، فهي تمتلك القوة من هذه الناحية.

ويمكن القول إن إسرائيل تتمتع بدعم إيديولوجي وسياسي عميق، وتبذل دومًا جهدًا كبيرًا سواء تحت قيادة حزب الليكود أو أحزاب يسار الوسط، من أجل تحصين ودعم الحزبين. وقد حافظت  بإخلاص على روابط أخوية قوية مع جميع تيارات اليهود في الولايات المتحدة إلى جانب دعم الوحدة اليهودية على مر العصور وعلى مر الأوقات الزمنية. وبالنظر إلى ثلاثة أرباع يهود الولايات المتحدة وهم من الديمقراطيين، يعد ذلك وحده خطوة سياسية حكيمة جاءت من خبرة مكتسبة جاءت بعد وقوع أحداث عدة.

ومع ذلك، فإن السنوات الأخيرة تحت قيادة “نتنياهو”، كانت الحكومة الإسرائيلية تُدعم الجمهوريين بشكل فاضح وتشيد بـ”ترامب”، ومن ثم فالدولة الإسرائيلية تؤذي ملايين من اليهود الذين يرغبون في مواصلة دعم حكومتهم ولكنهم يتعرضون لضغوط شديدة في ضوء استمرار إذلالهم على يد دولتهم. وبالملاحظة، فإن قرار الحكومة الإسرائيلية بإلغاء خطتها المتعلقة بالصلاة التعددية عند الحائط الغربي وسياستها المتعلقة بعملية التحول، إلى جانب أعمال ضم الأراضي، وقانون الدولة العدواني، ودعم الأحزاب المتطرفة وموقفها من قضايا الزواج والطلاق، كل تلك العناصر مجتمعة لإبعاد اليهود عن الدولة اليهودية، فقد أصبحت إسرائيل دولة غير مستنيرة، لذا صارت تحتاج إلى دعم العناصر اليهودية الأكثر تنويرًا في المجتمع الأمريكي، وعليه بمجرد استبدال “ترامب”- بدون عزله- سنحتاج إلى الأخوة والأخوات اليهود في مواجهة الإدارة الديمقراطية والكونغرس.

ربما لا نكون قد تجاوزنا نقطة اللاعودة مع يهود الولايات المتحدة والنظام السياسي الأمريكي حتى الآن، ولكن لا يوجد شيء دائم إلى الأبد، إذا كان هناك درس واحد يجب أن نتعلمه من قضية “ترامب” مع الكرد، فهو أنه إلى جانب قوة إسرائيل التي تم بناؤها، يجب علىيها ألا تتخذ جانبًا من السياسة الأمريكية أو نسحب البساط من وحدة يهود الولايات المتحدة.

—-

للاطلاع على النص الأصلي.. اضغط هنا

ترجمة: رنا ياسر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد