هل ستخضع تركيا لتحول استراتيجي آخر في سوريا؟

غوني يلدز

غيرت تركيا استراتيجيتها في سوريا أُسوة ببقية الأطراف التي اعتمدت تكتيكاً جديداً فيها، ورغم ذلك، وبعد جمود استمرّ لمدة عام في إدلب ضد نظام الأسد وأعواماً عديدة من السياسات المناوئة الغير حاسمة ضد الإدارة الكردية، الأمر الذي حتّم على أنقرة بتغيير استراتيجيتها، ويُمكن أن يتحقق ذلك بطريقتين، إما بتغيير موقفها تجاه الإدارة الكردية أو تجاه النظام، وهذا لا يعني أنّ الاستراتيجية الحالية ليست ثابتة، والتي تعتمد على مستقبل التعاون التركي المثير للجدل مع روسيا، بل لأنها مكلّفة على الصعيد السياسي.

في فبراير / شُباط من العام 2020 ، شنّت تركيا هجوماً عسكرياً ضد النظام السوري، الأمر الذي أدّى لوضع حدٍّ لهجوم سابق للنظام المدعوم من روسيا، وذلك على خلفيّة مقتل العشرات من الجنود الأتراك بضربات جويّة للنظام السوري، وبعد المواجهة من قبل القوات المسلحة التركية والمفاوضات بين موسكو و أنقرة، أدّى ذلك لإيقاف الهجوم ضد مقاتلي هيئة تحرير الشام، ومنذ ذلك الحين، أصبحت  المنطقة الشماليّة الغربية مشوّبة بالحذر وهشّةً للغاية بين تركيا ونظام الأسد.

مُنذ عدة أشهر، وتحديداً في شهر أُكْتُوبر / تِشْرين الأَوَّل من العام 2019 ، شنّت تركيا عدواناً على الإدارة الكردية في شمال شرقي سوريا، أسفرت عن سيطرتها على مدينة سريكانيه / رأس العين ذات الغالبيّة الكردية ومدينة كري سبي / تل أبيض ذات الغالبية العربية، وتُقدّر المساحات المُسيطر عليها بنحو 9000 كم مربع، حيث تلّقت العمليّة التركية دعماً ضمنيّاً من الإدارة الأمريكية السابقة، على الرغم من أنها كانت محدودةً بخلاف توقُّعات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سُرعان ما سدّت روسيا الفراغ  الحاصل نتيجة لانسحاب الولايات المتحدة وكبَحت جماح الغزو التركي.

عموماً، لم تُجدي العمليات العسكرية التركية والضغط السياسي والحصار الدبلوماسي المفروض ضد الإدارة الكردية نفعاً، بيد أنّ أنقرة استطاعت إجهاض أيّ اعتراف سياسيٍّ بالإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، على الرغم من بقاء الإدارة شريكاً استراتيجيّاً للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في القتال ضد الدولة الإسلامية، وعلاوةً على ذلك، أصبح الضغط يُمارس على الإدارة الكردية من قبل تركيا وروسيا وإيران والنظام بصورة متداخلة.

إن الاستراتيجية التركية مُستدامة عسكرياً بالمنطقة طالما ان هناك نوعاً من التوازن الهش قائماً بين موسكو وأنقرة، لكنْ من الناحية السياسية، فإنَّ أهداف تركيا بعيدة المنال، وفي الوقت الحالي تسعى أنقرة لتحقيق هدفين سياسيين مثيرين للجدل في شمالي شرق وشمالي غرب سوريا.

بالدرجة الأولى، تسعى تركيا لمنع الإدارة الكردية من الحصول على أيّ نوع من الاعتراف السياسي من الغرب، وهذا يتضمن منع هذه الإدارة من المُشاركة بأية منصاتٍ دوليّة تم إنشاؤها لتسوية النزاع، الأمر الآخر، ترغب تركيا بالاستحواذ على جميع مكتسبات الكرد الإقليمية والعسكرية والسياسية.

لا ترغب أنقرة أن يحكُم الكرد في المناطق ذات الغالبيّة الكردية كما حصل في مدينتي عفرين وسري كانيه / رأس العين، حيث تعرّض الكرد لضغط سياسي مستمر وفقدوا بعض حقوقهم اللغويّة والسياسية والثقافيّة، والسيناريو الأفضل الذي تطمح إليه الحكومة التركية هو إخضاع شمال شرق سوريا لوكلائها بالمنطقة، والسيناريو الأفضل الثاني هو تسليم المنطقة لسلطة النظام المركزيّة، الأمر الذي سيقضي على أيّ شكلٍ من الحكم الذاتي  بالمنطقة.

هدف أردوغان الثاني فيما يتعلق بالجزء الشمالي الغربي، يتناقض مع الهدف الأول فيما يتعلق بالجزء الشمالي الشرقي، حيث في الشمال الشرقي تسعى تركيا جاهدةً من أجل الحصول على حكم ذاتي وقوة سياسية ضاربة للفصائل السورية المتشددة المدعومة من قبلها، وخاصّة المجموعات التركمانية منها.

إن هذين الهدفين من شأنهما تفكيك سوريا إلى قسمين، أحدهما ذو سيطرة مركزية قوية في أماكن بعيدة،  كالجزء الشمالي الشرقي من البلاد، والآخر سوريا غير مركزية تتمتّع بحكم ذاتي في الجزء الشمالي الغربي، والتي هي على صلة ومقرّبة من مراكز السلطة للنظام.

ومما يجعل الأهداف السياسية لتركيا غير مُستدامة، هو هذه الرُؤى المُتضاربة، ما لم تقُم تركيا بإعادة تحديد مقاصدها وأولوياتها، سوف تُكلّف الحرب السورية تركيا أثماناً باهظة لن تظهر إرهاصاتها إلا على المدى الطويل.

كانت أهداف تركيا ليست كما هي عليه الآن بداية اندلاع الصراع، قرّرت أنقرة الدخول كوسيط مع النظام بعد أن غيّرت من تبنّيها للسياسة البريطانية والفرنسية بممارسة ضغط متزايد للإطاحة بحكومة بشار الأسد، لاحقاً ، نشبت خلافات بين الحكومة التركية والغرب، حيث ترغب أجهزة الأمن التركية بتولّي القيادة بشكلٍ عملي للاستراتيجية الغربية لدعم أيّ شخص  يقف ضد  نظام الأسد.

تخلّى الغرب عن فكرة التدخل العسكري في سوريا نتيجةً لظهور جماعات راديكالية معارضة وازدياد في أعداد اللاجئين، حيث توقف بشكل تدريجي عن تقديم الدعم الغير قتالي للأذرع الغير مُعتدلة في المعارضة السورية المسلحة، في غضون ذلك، بالنسبة لتركيا، لا مكان للرجوع والتوقّف، وسط انتقادات  لتسامح أردوغان مع الجهات الفاعلة اليمينيّة عبر دوائر السياسة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

وتدخّل أردوغان في سوريا بعدما أصبح المقاتلون الكرد شُركاء للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014.

وقد أقحمت تركيا قواتها في الحرب الدائرة في سوريا خشيةً منها من أن يتلقى الكرد السوريون اعترافاً سياسيّاً، وأن يتمكّنوا من توحيد مناطقهم غير المتصلة من مدينة عفرين في الغرب إلى منبج في الشرق، في العام 2016 تمكّنت تركيا من السيطرة على  المثلث المكوّن من مدن جرابلس وإعزاز والباب من تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أصبحت القوات التركية بين منطقتين يُسيطر عليهما الكرد، ترى تركيا أن لوحدات حماية الشعب علاقات مُباشرة بحزب العُمّال الكُردستاني، والذي بدأ الكفاح المسلح ضد تركيا منذ العام 1984، وعلى هذا النحو، أثبتت أنقرة أنها قادرة على القيام بمنعطفات استراتيجية حادّة في سوريا.

إن النظام السياسي القائم  في تركيا، والذي يُهيمن عليه القوميّون الأتراك، يجعل من المستحيل لهذا البلد أن يُغيّر من استراتيجيته تجاه الكرد، وعلى أيّة حال، ستقوم أنقرة بعدة خطوات للتقارب مع نظام الأسد، توسّطت روسيا بين الدول ونظّمت أول اجتماع علنيٍّ بين القيادين الأتراك والسوريين في موسكو في يناير / كانون الثاني من العام 2020 ، وأفادت تقارير غير رسمية بأنّ وفداً من تركيا أجرى زيارة أيضاً إلى دمشق من أجل المحادثات.

وعودة التقارب والحوار مؤخراً بين تركيا من جهة ومصر والسعودية من جهة أخرى، دفع بتركيا للتخلص من حركة الإخوان المسلمين العالمية، والتي من شأنها تذليل العقبات وتشكيل أرضيّة مشتركة مع نظام الأسد.

إن الدعم الأمريكي لتركيا ضد حزب العُمّال الكُردستاني في كردستان العراق، هو لامتصاص غضب تركيا ضد الكُرد السوريين. ومن جانب أخر، يشكل التقارب بين أنقرة ودمشق، والتي خاضت الأخيرة قتالاً ضد وحدات حماية الشعب الكردية بالحسكة( القامشلي)، دافعاً لأنقرة بغية تكثيف التعاون العسكري مع النظام ضد الكرد السوريين. ترجمة: المركز الكردي للدراسات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد