“فورين بوليسي”: “البنتاغون” يدافع على مهامه الغامضة في حقوق النفط السورية

لارا سليجمان | فورين بوليسي

دافع مسؤولو وزارة الدفاع الأمريكية عن نشر مئات من قوات المشاة والعربات المدرعة من أجل حراسة حقول النفط الغنية في شمال شرق سوريا، معتبرين أن هذه المهمة هي مفتاح الحملة المستمرة لهزيمة تنظيم “داعش” الإرهابي على الرغم من التساؤلات التي تُثار حول شرعيتها ومصداقيتها.

وفي حقيقة الأمر، يُعد الهدف الأساسي لاستمرار وجود الجيش الأمريكي في الأراضي السورية ثابتا لم يتغير، على الرغم من أن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، أقر بأن أحدث عملية نشر للقوات تهدف إلى حماية حقول النفط، وليس حمايتها من تنظيم “داعش” فحسب، ولكن أيضًا من القوات الروسية والسورية.

ومن هنا، فإن الخبراء يشككون في مصداقية المهمة الأمريكية، خاصة بعد سحب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قواته من الحدود التركية السورية في 9 أكتوبر/تشرين الأول في شمال شرق سوريا، فقد كان يُنظر إلى هذه الخطوة على نطاق واسع على أن الولايات المتحدة تتخلى عن حليفها الأساسي في مكافحة الإرهاب في سوريا، وهي قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الكرد، والذين يتم ذبحهم على يد “أنقرة” على اعتبار أنهم يمثلون تهديدا إرهابيا.

ومن خلال ذلك، تزداد المهمة  الحقيقية، التي تعمل من خلالها القوات في شمال سوريا في الوقت الحالي، هشاشة في أعقاب الانسحاب الأخير للقوات الأمريكية، حيث هناك صعوبة في بقائها. وفيما يتعلق بقتال الجيش الأمريكي في سوريا  بتفويض عام 2011 لاستخدام القوة العسكرية، فإن ذلك التفويض يسمح فقط بمكافحة الجماعات المسلحة غير الحكومية مثل تنظيم “داعش” أو تنظيم  القاعدة. ولكن بعد تعهد مبدئي بسحب جميع القوات الأمريكية من سوريا على أساس هزيمة خلافة التنظيم الإرهابي “داعش”، وافق “ترامب” في الأيام الأخيرة رسميًا على توسيع نطاق المهمة العسكرية في البلاد، وتقييد مئات من القوات الإضافية بالقيام بأهداف غير واضحة.

ويُمكن أن نرى أنه قد غادر ما لا يقل عن نصف القوات الأمريكية الأصلية التي كانت باقية في سوريا قبل توغل تركيا في 9 أكتوبر، وسيستمر عدد أكبر في الانسحاب حتى يبقى بضع مئات فقط، لكن في الوقت ذاته، ورد أن حوالي 500 جندي إضافي وعدد من العربات المدرعة وربما عدد قليل من الدبابات قد وصلوا لحراسة حقول النفط في دير الزور، في الجنوب. وعند جمعها بالقوات الموجودة في منطقة التنف على الحدود مع الأردن، فإن ذلك يجعل عدد القوات الأمريكية المتوقع وجودها في سوريا يصل إلى 900 جندي.

ويُذكر أن المهمة الرئيسية للجيش الأمريكي في سوريا، ضمان الهزيمة الدائمة  لتنظيم “داعش”، وأن الجهود المبذولة لحماية حقول النفط هي “مهمة ثانوية”، ففي ذروة عام 2014، سيطر التنظيم الإرهابي على تلك الحقول، حيث ضخ 45 ألف برميل من النفط يوميًا وجني ملايين الدولارات من العائدات كل أسبوعيًا، وكان تدفق العائدات التي بلغت 500 مليون دولار في السنة، مفتاحًا لتمويل عمليات تنظيم “داعش” ليس فقط في سوريا، وليس فقط في المنطقة، ولكن في جميع أنحاء أوروبا وفي جميع أنحاء العالم.

أحد الأسئلة الرئيسية المطروحة هو ما إذا كانت القوات الأمريكية ستتمتع بالسلطة القانونية لإشراك القوات الروسية أو السورية أو الإيرانية التي قد تحاول الاستيلاء على حقول النفط، بينما لا يمنح تفويض سلطة 2011 استخدام القوة العسكرية للقوات الأمريكية من ناحية  السماح بإطلاق النار على الجهات الحكومية مثل القوات الروسية أو الإيرانية أو السورية، ما لم تكن تتصرف دفاعًا عن النفس.

ومن ناحية مسؤولو “البنتاغون”، فهم يدرسون بعناية القضية على اعتبار وجود “قنوات تتفادي النزاع القائم” لتمكين اللاعبين المختلفين من قبول إمكانية وجود القوات الأمريكية ومنع الاشتباكات. لدى القوات الأمريكية أيضًا إرشادات حول كيفية “تخفيف حدة الموقف” إذا ما اقتربت الجهات الفاعلة العدائية، لكن في النهاية ستدافع القوات الأمريكية عن نفسها.

لذا، يعرف الجميع في المنطقة أين توجد القوات الأمريكية، فهي تعمل لضمان ألا يقترب أحد منها أو يبدى نوايا عدائية لها، وتحتفظ بحق الدفاع عن النفس. وتعتبر مسألة المواجهة بين القوات الأمريكية والقوات الإيرانية مشكلة في “التنف” التي تقع على طول طريق إمداد إيراني محتمل عبر العراق إلى سوريا في الجزء الجنوبي الشرقي من البلاد. وبوقوع حادث هناك في عام 2017، أدى إلى وجود مواجهات، فقد أكد مدى سرعة تصاعد الأحداث البسيطة في هذه البيئة  المضطربة.

وبالعودة إلى هزيمة خلافة “داعش” الفعلية  في معظم العراق وسوريا  في أوائل عام 2019، فإن الجماعة ما زالت  تمارس تمردًا من خلال خلاياها النائمة في جميع أنحاء المنطقة. لذا يعد منع الجماعة الإرهابية من الوصول إلى مصدر إيرادات النفط، جزءًا أساسيا منعًا لإعادة ازدهارها.

والجدير بالذكر أن عائدات النفط الحالية ستذهب إلى قوات سوريا الديمقراطية، وليس إلى الولايات المتحدة، حسبما أشار “ترامب” سابقًا، ومن ثم ستستخدم قوات سوريا الديمقراطية هذه الأموال لتعزيز حملتها ضد “داعش”، لكن الخبراء يتساءلون عما إذا كان تنظيم “داعش” في شكله الحالي المتناقص يشكل تهديداً حقيقيًا لحقول النفط، ويفترضون أن الغرض الحقيقي من تعزيز الوجود الأمريكي في دير الزور هو حرمان القوات السورية والروسية والإيرانية من مصادر إيرادات كبيرة، وفي الوقت ذاته، إذا كانت الجهات الفاعلة على أرض الواقع تحتفظ بالسيطرة على هذه الموارد، فإن ذلك من شأنه أن يعزز مبادرتهم في المفاوضات.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود القوات الأمريكية في دير الزور وفي “التنف” يعتبر بمثابة حاجز ضد النفوذ الإيراني،  وبالملاحظة أيضًا، فإن المسؤوليين الأمريكيين خشوا من إكمال جسر بري إيراني يمتد عبر العراق وسوريا إلى حدود إسرائيل.

في الإطار ذاته، فإن حقيقة أن الانتشار الجديد للقوات الأمريكية يشمل قوات ميكانيكية –عربة قتال برادلي المسلحة التي تتطلب تكتيكًا لوجيستيًا ومئات من القوات الإضافية- أمر مهم لأنه في السابق كان الوجود الأمريكي في سوريا يقتصر على عدد صغير من قوات العمليات الخاصة والقوات الجوية.  وبسؤال الولايات المتحدة حول سبب الحاجة إلى قوة ميكانيكية لمحاربة تنظيم “داعش”، رأى القادة أن طلب المعدات الإضافية من أجل”التنقل وحماية القوة”.

في السابق، كانت قوات  سوريا الديمقراطية مسئولة بالدرجة الأولى عن حراسة حقول النفط، لكنها في الفترة الأخيرة كانت منشغلة في مواجهة التوغل التركي ولم يعد لديها القدرة على حماية النفط، ومن ثم كان لا بد من وجود بصمة أمريكية أكبر لإنجاز المهمة.

وفي الوقت الذي اضطر الكرد للتفاوض على صفقة مع النظام السوري ومؤيديه الروس للحماية من الغزو التركي، تتطلع “دمشق” و”موسكو” بشغف إلى عائدات النفط المحتملة ولا يرضيان باستمرار الوجود الأمريكي، وكلما واصل التحالف مطالبة الكرد بالشراكة مقابل حمايتهم، يضع الكرد الأمر برمته في مرمى التحالف.

ومن جانب آخر يخشى الكرد من أن روسيا تفتح المجال الجوي على طول الحدود مع تركيا، ما يتيح الغارات الجوية التركية على بلدة كوباني الحدودية، مثلما حدث عندما سمحت “موسكو” في عام 2018 لتركيا بمهاجمة “عفرين” في شمال غرب سوريا.

إجمالاً، فإن حقيقة وجود الولايات المتحدة في حقول النفط تحمل إيجابيات وسلبيات؛ السلبيات في الخشية من اتخاذ روسيا قرارات طائشة، والإيجابيات في تعزيز نفوذ الولايات المتحدة على اعتبار رغبة “الأسد” وروسيا الشديدة في السيطرة على النفط.

—–

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنجليزية.. اضغط هنا

ترجمة: رنا ياسر

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد