“المنطقة الآمنة – دار الفوضى” كابوس يلاحق اللاجئين السوريين

انتشال فوهرا

لم تشعر أم أنس، اللاجئة السورية في تركيا، هذا الكم من العداء الذي تشعر به اليوم في اسطنبول. “نظرات عدم القبول حلّت بدلاً من الابتسامات الدافئة السابقة لجيراني” تقول أم أنس “الأصوات العنصرية باتت أعلى”.

عملت أم أنس كصيدلانية في دمشق قبل أن تفر إلى تركيا بسبب الحرب السورية عام 2014 مع زوجها المسؤول في الجيش السوري الذي فضّل عدم القتال في إلى جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد. كان من الصعب عبور الحدود وسط الألغام، ومن ثم تعلّم اللغة التركية والعثور على وظيفة ومنزل. لكن ببطء، أعاد الزوجان بناء حياتهما، حيث تعمل أم أنس الآن في شركة تسويق بينما يعمل زوجها مدرّساً. قالت أم أنس “أطفالي لديهم مستقبل هنا، فهم يتلقّون تعليماً ممتازاً، ولا أستطيع أن أتخيل نفسي أغادر هذا المكان وأعود إلى حيث لا توجد خدمات كافية وتسود الفوضى”.

في الأشهر الأخيرة، تصاعدت المشاعر المعادية للاجئين في جميع أنحاء تركيا. علي الأحمد – وهو لاجئ سوري آخر فر عام 2014 من تنظيم داعش في منبج بسوريا إلى عنتاب، وهي مدينة حدودية تركية، قال إنه لم يعد يتحدّث اللغة العربية علناً “عليّ أن أخفض صوتي أو أتحدث التركية فقط، حتى لو كنت مع زوجتي في المواصلات العامة”.

مع اقتراب الانتخابات التركية العام المقبل، فإن مصير 3.7 مليون لاجئ سوري في البلاد على المحك. وبسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في البلاد يلقي الأتراك باللوم على عاتق اللاجئين، ويستفيد السياسيون من المشاعر المعادية المتزايدة ضد اللاجئين. وعد كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري، بإعادة السوريين في غضون عامين في حال نجاحه في تولّى الرئاسة. الآن، يطالب أعضاء من المعارضة والحزب الحاكم بعودة اللاجئين على الرغم من بقاء نظام الأسد القمعي في السلطة وعدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحرب السورية.

الشهر الماضي، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عزمه على إعادة توطين مليون سوري في “مناطق آمنة”، بالقرب من الحدود التركية في شمال سوريا.  وقال إن المشروع “سيغطّي جميع احتياجات الحياة اليومية، من السكن إلى المدارس والمستشفيات، فضلاً عن البنية التحتية الاقتصادية القائمة على الاكتفاء الذاتي، زراعياً وصناعياً”. لطالما اقترحت تركيا إنشاء “منطقة آمنة” على الجانب السوري من الحدود السورية التركية التي يبلغ طولها 559 ميلاً ليسكنها السوريون الفارون من الحرب. حاليًا، هذه المنطقة متقطّعة الأوصال جغرافياً، ولكنها تضم عدة مناطق ساعدت أنقرة المتمرّدين السوريين على الاستيلاء عليها منذ عام 2016. وتشمل المدن السورية تل أبيض ورأس العين/ سريكانيه وجرابلس وعفرين وكذلك إدلب التي تخضع في الغالب لسيطرة جماعة “هيئة تحرير الشام” الإسلامية، لكنها لا تزال تحت الحماية العسكرية التركية.

لم تكشف أنقرة بعد عن خطة ما تسمّيه بـ”العودة الطوعية” لهذا العدد الكبير من الناس، لكن وسائل الإعلام التركية ذكرت أن الحكومة تعتزم تنفيذ عملية من ثماني مراحل تشمل التنسيق مع منظّمات المجتمع المدني، وتقديم دورات مهنية، وإقامة مناطق تجارية.

يقول المحللون إن أولوية الرئيس التركي ليست إعادة اللاجئين بقدر ما هي المطالبة بأرض سورية من الكرد مع تعزيز الدعم المحلي لإعادة انتخابه. لطالما اّتهم الكرد ومحللون سياسيون أنقرة باستخدام “المناطق الآمنة” لإحداث تغيير ديموغرافي على طول الحدود السورية التركية.  قال الخبير في السياسة التركية والأستاذ في الجامعة سنان جيدّي لمجلة فورين بوليسي “إن أردوغان مهتم بتخفيف عدد السكان الكرد في شمال سوريا من خلال توطين السوريين غير الكرد على طول الحدود الجنوبية مع تركيا”.

من الواضح أن إنشاء “مناطق آمنة” سيكون دموياً، لأن المناطق التي حددتها أنقرة بعيدة عن أن تكون آمنة اليوم. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا حليفة الأسد، إلا أن القصف استمر على المناطق التي يسيطر عليها المدعومون من أنقرة في محافظة إدلب.  ووقعت أيضاً اشتباكات متفرقة بين القوات التركية وقوات سوريا الديمقراطية في الأراضي التي سيطر عليها مؤخراً السوريون المدعومون من أنقرة.

كان أردوغان قد أعلن خلال الأسابيع القليلة الماضية أن أنقرة ستوسّع عملياتها في شمال سوريا، وتشنّ هجوماً لإخراج قوات سوريا الديمقراطية من بلدتي منبج وتل رفعت السوريتين لتوسيع المنطقة الآمنة “نحن في مرحلة جديدة على درب تصميمنا على تشكيل منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية”.

بغض النظر عن عدم الاستقرار العام في المنطقة، فإن المناطق الواقعة تحت سيطرة المدعومين من تركيا أقل استقراراً – بسبب الاقتتال الداخلي – من تلك الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.  قال الأحمد، أحد اللاجئين السوريين “أخشى أن تسود الفوضى السائدة حالياً على مناطق سيطرة الجماعات المدعومة من تركيا على مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية أيضاً (في حال السيطرة التركية عليها).

سادت حالة عدم الاستقرار هذه بعد أن سيطر الجيش الوطني السوري، وهو تجمّع من ميليشيات مختلفة مدعومة من تركيا، على إحدى المناطق الآمنة المقترحة بين بلدتي تل أبيض ورأس العين، سريكانيه، السوريتين، في هجوم بقيادة أنقرة في عام 2019. كما تسيطر المجموعات على المنطقة الواقعة بين مدن عفرين واعزاز والباب وجرابلس. بالإضافة إلى ذلك، أصبحت جماعة تحرير الشام الإسلامية المتشددة، التي تسيطر على جيب المعارضين في ادلب، أقرب إلى الحكومة التركية.

اتّهمت جماعات حقوق الإنسان العديد من هذه الجماعات المتحالفة مع الحكومة التركية بالتعذيب والخطف وابتزاز المدنيين، فضلاً عن نهب والاستيلاء على ممتلكات الكرد الذين فروا من الهجمات التركية.

ووفقاً للأمم المتحدة، نزح أكثر من 100 ألف شخص، معظمهم من الكرد، من بلدة عفرين وحدها خلال العملية التركية في 2018، وتوجّه معظمهم شرقاً إلى تل رفعت، المدينة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، ويهدد أردوغان الآن بالاستيلاء عليها. وبحسب رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، ومقرّه بريطانيا، فإن العملية التركية المقترحة قد تؤدي إلى مزيد من عمليات النزوح.

شكّك الناشط الكردي من القامشلي في سوريا أحمد برو، في مزاعم تركيا برغبتها في مساعدة اللاجئين السوريين من خلال إعادة توطينهم. وقال إنه إذا نفذت هجمات على منبج وتل رفعت “فسيتم تهجير ما يقرب من نصف مليون سوري”، وسيضطر الكثيرون إلى البحث عن مأوى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، والتي قال برو إنها آخر مكان يرغبون في العودة إليه.

أعربت واشنطن بالفعل عن قلقها بشأن خطط أردوغان، حيث صرّح وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكين بأن أي هجوم من هذا القبيل من شأنه أن “يقوض الاستقرار الإقليمي” ويضعف القتال ضد تنظيم داعش. وأضاف أن الولايات المتحدة ستعارض أي هجوم من هذا النوع ضد حلفائها الكرد، ولكن في الوقت الذي تحظى فيه الحرب الروسية في أوكرانيا بالأولوية بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فمن غير المرجح أن يكون هناك الكثير من الدعم الدولي للكرد. لقد غيّرت الحرب الروسية حسابات الجغرافيا السياسية، وخاصة مع استمرار تركيا في تهديد انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، من المتوقّع أن يكون النقد الموجه إلى نية تركيا غزو منبج وتل رفعت معتدلاً.

في الوقت الحالي، لا تزال خطة أردوغان لإعادة التوطين طوعية من الناحية الشكلية، ولكن بما أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في تركيا لن يرغبوا في العودة إلى سوريا في المستقبل القريب، قال الخبير في السياسة التركية جيدّي إن السلطات التركية من المرجح أن تعيد توطين آخرين بالاكراه.

يأمل العديد من السوريين ألا ترى الخطة النور أبداً وأن تتلاشى من أذهان الأتراك بعد انقضاء الانتخابات. فعلى سبيل المثال، كانت أم أنس مصممة على البقاء. “لن أعود إلى سوريا أبداً بالطريقة التي تقترحها تركيا. لا يوجد هناك مكان آمن واحد طالما أن الأسد في السلطة”.

المصدر: فورين بوليسي 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد