إعلان “داعش” للخلافة الإسلامية وتأثيراته

معهد العربية للدراسات

أثار إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” (داعش) الخلافة الإسلامية، ومبايعة أبو بكر البغدادي من قبل ما سمّي بـ”أهل الحل والعقد” الذين لم تعرف هويتهم أو ماهيتهم، خليفةً على كل المسلمين في شتى أقطارهم ودعت “الخلافة” التي سميت “الدولة الإسلامية” جميع المسلمين والفصائل الجهادية الإسلامية إلى مبايعة الخليفة الجديد.

لكن إعلان الخلافة الإسلامية مجدداً بعد 90 عاماً من سقوطها في تركيا مع صعود كمال اتاتورك وإعلانه الجمهورية التركية عام 1924، له بعض التبعات والنتائج على المستوى الديني، وبخاصة لدى حركات الإسلام السياسي التي يعمل معظمها منذ عام 1928، تاريخ تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر على يد الشيخ حسن البنا، على عودة هذه الخلافة وإن كان تحت أسماء وعناوين مختلفة، كالجمهورية الإسلامية، والدولة الإسلامية، والإمارة الإسلامية، الخ..وأعاد التنظيم الذي يعرف باسم الدولة الإسلامية في العراق والشام تسمية نفسه باسم الدولة الإسلامية].

يقول الناطق باسم “داعش” أبو محمد العدناني “وإياكم وشق الصف، ومن أراد شق الصف، فافلقوا رأسه بالرصاص، وأخرجوا ما فيه، ولا كرامة لأحد”. كما أنه يخاطب الجماعات والتنظيمات الإسلامية الأخرى في كل مكان، ويقول “بطلت شرعية جماعاتكم وتنظيماتكم، ولا يحل لأحد منكم أن يبيت دون أن يبايع”، مذكراً إياهم بأن سبب تأخير النصر “وجود هذه الجماعات”.وهكذا فإن “دولة الخلافة” المفترضة لا تحتمل التعددية ووجود أكثر من أمير أو جماعة في مناطق سيطرتها، ولاحقاً في جميع بلاد المسلمين، فالخليفة هو خليفة كل المسلمين الذين عليهم طاعته، ولا يجوز أن يكون لهم أكثر من دولة، أو جماعةٍ. فواجب على الجميع من أمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري إلى الملا عمر مرشد حركة “طالبان” الأفغانية إلى التنظيم الدولي “للإخوان المسلمين”، إلى حزب التحرير، وأي مسلم أو جماعة مسلمة في أي مكان في العالم، أن يبايع الخليفة البغدادي فوراً لا يبيت ليلته بلا بيعة، وإلا اعتبر مرتداً ووجب قتاله.

وعليه، يتوقع أن تنشأ خلافات بين “داعش” والتنظيمات السنية الأخرى في العراق المتحالفة معه، سواء أكانت إسلامية أو بعثية قومية أو عشائرية. فلن تقبل العشائر والأحزاب السنّية أن ترضخ لحكم “الدولة الإسلامية” الذي سيلغي خصوصياتها ويفرض عليها تفسيراً متشدداً للإسلام لم يعرفه التاريخ الإسلامي في أحلك عصوره. فاتفاقها مع “داعش” ضد حكومة نوري المالكي لرفع المظالم عن مناطق السنّة لا يعني طاعتها لهذا التنظيم المتطرف والإرهابي ومبايعتها لأميره أبي بكر البغدادي كخليفة للمسلمين.

ويسجل الجيش العراقي تقدماً كبيراً ضد “داعش” في محافظة تكريت وبعض المحافظات الأخرى. كما استفاد الجيش من طائرات “سوخوي” الروسية التي حصل عليها مؤخراً، في ضرب مواقع “داعش” في عدد من المدن والبلدات وتكبيده خسائر فادحة. وقد شكلت الميليشيات الشيعية المنتشرة في سامراء والمدن الأخرى المواجهة لمناطق سيطرة “داعش” حاجزاً أمام تقدم التنظيم المتطرف.وإذ يتوقع أن يفشل “داعش” في التوسع باتجاه المناطق الشيعية بسبب استعدادها وتوحدها جيشاً وميليشياً وأحزاباً ومرجعية لصد هجمات “الدولة الإسلامية”، فإن الأخير سوف يركز توسعه في بقية المناطق السنّية وعلى تعزيز سلطته داخل هذه المناطق، ما يعني احتمال وقوع اشتباكات مع بعض العشائر والمسلحين السنة. وربما يصطدم بالمناطق الكردية التي لها 1300 كلم من الحدود مع دولة “الخلافة المزعومة”.

التحدي لتنظيم القاعدة

يعتقد بعض الخبراء أن تنصيب البغدادي خليفة على الأمة الإسلامية تطور في غاية الأهمية ويمكن أن يشكل بداية مرحلة جديدة من الجهاد العابر للقارات. كما يشكل هذا الاعلان تحدياً لتنظيم القاعدة التي تعتبر نفسها زعيمة تيار الجهاد العالمي، ولا بد أن يترك أثره على باقي المنظمات الجهادية التي قد تجد نفسها مضطرة للاختيار بين داعش او القاعدة”.ٍفالبغدادي اليوم شخصية تتمتع بشعبية كبيرة لدى وسائل التواصل الاجتماعي العربية.  ويعتبر “داعش” نفسه اليوم القائد الشرعي للحركة وهو ينتظر من جميع التنظيمات الجهادية الأخرى الانضمام اليه. وحيث تعتبر الايديولوجيا الجهادية تحقيق الخلافة هدفها الأسمى، و”داعش” يكاد يحقق هذه الرؤية، مما قد يشكل نهاية تنظيم القاعدة، ونهاية ارث أسامة بن لادن.ويمر تنظيم القاعدة المركزي الآن في مرحلة  التهميش واقصاء ليس من قبل “الدولة الاسلامية”، لكن من قبل التنظيمات الفرعية الأخرى ويعكس خسارة التنظيم المركزي وفقدان تأثيره على التنظيمات “الجهادية”.لكن تنظيم تغيير اسم “داعش” الى “الدولة الاسلامية”، سوف لا يغيّر تنظيمياً شيئاً ولا يغيّر في قدرة وحجمه في الوقت الحاضر. الاسم الجديد يعني أنه تحول الى تنظيم عالمي، يؤمن بعولمة الجهاد ولا ينحصر في العراق وسوريا، ليكون نداً للقاعدة وزعيمه أيمن الظواهري.

 وإعلان الخلافة قد تشجع فروع أخرى للقاعدة أن تستقوي على الظواهري وتعطي بيعتها للبغدادي ودولته الافتراضية، ما يؤدي إلى تدفق مقاتليين جدد، خصوصاً بسبب الأموال الهائلة التي أصبحت تحت سيطرة “الدولة الإسلامية” ما يغري بعض الفصائل بالمبايعة للحصول على تمويل منها.وقد أعلن مقاتلو فصيل جبهة النصرة في مدينة البوكمال السورية بيعتهم للبغدادي الذي كانوا يقاتلون جماعته قبل أيام قليلة. ويأتي ذلك بعد سيطرة “الدولة الاسلامية” على مساحات واسعة في شمال وغرب العراق، بما فيها بلدة القائم المقابلة للبوكمال ومعبرها الحدودي، وسيطرتها على كامل ريف محافظة دير الزور، وجميع المنشآت النفطية فيها.ويحرص تنظيم “الدولة الاسلامية” على  تعزيز تمويله  من خلال  سيطرته على مصادر الطاقة  والبترول في العراق وسوريا وما حصل عليه من غنائم بعد سيطرته على مدينة الموصل ومدن أخرى يوم 10 يونيو 2014.

 أمير “داعش” في لبنان

وهكذا، فإن صعود “الدولة الاسلامية” وتمدده وتشكيل فروع جديدة له يعكس اندفاع هذا التنظيم بتحقيق مزيد من الإنجازات على الأرض في مقابل تراجع خصمه الظواهري. وقد أعلن “الدولة الاسلامية” عن تعيين أمير لها في لبنان هو الأردني عبد الملك يوسف عثمان عبد السلام، المعروف بلقب «ذئب القاعدة»، وهو من القيادات الأساسية في التنظيم في منطقة المشرق العربي.وكان عبد السلام معتقلاً لدى السلطات اللبنانية أوقفه جهاز الأمن العام في صيف العام الماضي 2013 إلى جانب اللبناني شادي المولوي وشخص قطري.خرج عبد السلام من السجن في وقت لاحق، وهو لم يكن قيادياً في “داعش”، بل في “جبهة النصرة”، الجناح الرسمي للقاعدة في بلاد الشام.ويثير الأمر استغراب المراقبين كيف يتم تعيينه أميراً لـ”داعش” في لبنان، وهو من “جبهة النصرة” وولاؤه لأبي محمد الجولاني، الذي هو على خلاف حول الزعامة مع “داعش” وأميرها البغدادي.ولم يعلن “داعش” رسمياً عبر مواقعه وحساباته على تويتر عن تعيين أمير على لبنان، ما يشير إلى إمكان استغلال استخبارات دولية وإقليمية لهذا الإعلان لتمرير رسائل وتنفيذ عمليات إرهابية ضد خصومها في لبنان.ولا يستبعد أن يتحول ولاء عبد السلام الأدرني من “النصرة” إلى “داعش” ومبايعته للبغدادي خليفة، لكن لا دليل رسمياً على ذلك.

ردود الفعل الإسلامية

كان لافتاً اعتبار حزب التحرير الإسلامي -الذي يتبنى فكرة إعادة إحياء الخلافة الإسلامية- إعلان تنظيم “داعش” قيام دولة الخلافة الإسلامية “لا قيمة له”. وقال الحزب في بيان له: “لا سلطان حقيقي لتنظيم الدولة على أرض سوريا أو أرض العراق، ولا يتحقق به الأمن والأمان في الداخل أو الخارج، ولا يمكن أن يكون لدولة الخلافة وجود حقيقي بدون سلطان حقيقي على الأرض وهكذا فإعلان التنظيم للخلافة هو لغو لا مضمون له، دون حقائق على الأرض ولا مقومات”.وأضاف حزب التحرير أن الواجب على أي جهة تريد إعلان الخلافة في مكان “أن تتبع طريقة رسول الله في ذلك، ومنها أن يكون لها سلطان ظاهر في هذا المكان يحفظ فيه أمنه في الداخل والخارج، وأن يكون هذا المكان فيه مقومات الدولة في المنطقة التي تعلن فيها الخلافة، فكيف يكون المكان دولة خلافة وليس هو دولة أصلا ولا توجد فيه مقومات الدولة؟”.يذكر أن حزب التحرير محظور في الأردن والعديد من الدول العربية، حيث يتبنى الحزب فكرة إحياء الخلافة الإسلامية ولا يعترف بالأنظمة السياسية القائمة ويصفها بأنها عميلة للغرب.

بدوره، انتقد منظّر “التيار السلفي الجهادي” في الأردن أبو محمد المقدسي في بيان، إعلان دولة «الخلافة الإسلامية»، مندداً بتوعد تنظيم «الدولة الإسلامية» مخالفيه «بفلق هاماتهم بالرصاص».وتساءل عاصم البرقاوي، الملقب بأبي محمد المقدسي في بيان «هل ستكون هذه الخلافة ملاذاً لكل مستضعف، وملجأ لكل مسلم، أم سيتخذ هذا المسمى سيفاً مصلتاً على مخالفيهم من المسلمين، ولتشطب به جميع الإمارات التي سبقت دولتهم المعلنة، ولتبطل به كل الجماعات التي تجاهد في سبيل الله في شتى الميادين قبلهم؟». وأضاف: «ما مصير سائر الجماعات المسلمة المقاتلة المبايع لها من أفرادها في العراق والشام وفي كل بقاع الأرض، وما مصير دمائهم عند من تسمى بمسمى الخلافة اليوم ولم يكف بعد عن توعد مخالفيه من المسلمين بفلق هاماتهم بالرصاص؟».

   ويعتبر المقدسي الأب الروحي للأردني أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين»، الذي تطور لاحقاً إلى تنظيم «داعش»، قبل أن يُقتل في غارة جوية في العراق عام 2006.ويميل معظم مؤيدي التيار السلفي الجهادي في الأردن إلى تأييد «جبهة النصرة» في سوريا التي خاضت معارك دامية ضد “داعش”، وعلى الرغم من أن للتنظيم مؤيديه في الأردن، إلا أن قيادات التيار في المملكة انضموا لزعيم القاعدة أيمن الظواهري في انتقاد وحشية «الدولة الإسلامية».أما في لبنان فقد تعرض إعلان تنظيم «داعش» عن إقامة الخلافة الاسلامية لانتقادات من بعض التيارات الاسلامية والمشايخ السلفيين الذين اعتبروا الأمر خطوة متسرعة وفقاعة إعلامية، وقفزة في الهواء، ومن شأنها أن تستدرج الأمة الاسلامية الى مزيد من النكبات والصراعات.

وفي رأي هؤلاء أن قيام مجموعة مجهولة بإعلان الخلافة الاسلامية واجبار الناس على مبايعة من أطلقت عليه اسم الخليفة يخالفان جوهر الاسلام على قاعدة «لا إكراه في الدين»، وهذا من شأنه أن يؤدي الى الامعان في تشويه صورة المسلمين.مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الاسلام الشهال قال: «إن إعلان الخلافة خطوة مستعجلة وغير مدروسة وقد تولد أسباب صراع في المنطقة نحن بغنى عنه، وأرى أنه ما دام تم الإعلان عن الدولة الاسلامية فمن حقنا أن نعرف كل شيء عن الخليفة وعن مجلس الشورى وعن الحكومة والمستشارين وعن أهل الحل والعقد فيها، لا أن تبقى الأمور مبهمة بالنسبة لنا، وعندها يمكن ان نفكر بشكل جدي في كيفية التعاطي مع هذه الدولة».

رئيس «هيئة علماء المسلمين في لبنان» الشيخ مالك جديدة قال لصحيفة «السفير» إن «إعلان الخلافة بهذا الشكل ليس له مكان عندنا ولا في قاموسنا، ولا في فكرنا، وهذا أمر خاطئ مئة بالمئة، وليس هؤلاء من يستحقون إعلان أمر عظيم كالخلافة الاسلامية. كما أن إلزام الناس بفكر معين، وإجبارهم على المبايعة، هذا لا يمت الى أصل الدين بصلة، بل هو انتقال الى الديكتاتوريات الجديدة، والأمة فيها من الخلافات ما يكفيها، وتحتاج قبل إعلان الخلافة الى تنظيم أمورها وتوحيد صفوفها وجمع كلمتها.ويرى رئيس المكتب السياسي لـ«الجماعة الاسلامية»، وهو فرع “الإخوان المسلمين” في لبنان، عزام الأيوبي أن «قيام تنظيم داعش باعلان الخلافة الاسلامية هو استكمال لعملية الاستثمار الموجودة ضمن تشغيل داعش لضرب العمل الاسلامي، وتحقيق استفادة تامة من ضمن هذا الاعلان للأنظمة القائمة من أجل الاستمرار في مواجهة شعوبها وقمعها تحت شعار الخطر الآخر».

ويقول: «إن الطريقة الوحيدة لاقناع الرأي العام الدولي بضرورة بقاء الأنظمة هو من خلال إظهار خطر أكبر يتمثل بالتطرف الاسلامي الذي تمثله داعش أفضل تمثيل. لذلك فاننا نعتبر أن إعلان الخلافة يشكل خطرا أساسيا على العمل الاسلامي ككل قبل أن يكون خطرا على أي جهة أخرى».

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد